محمد الرطيان
قال لي: طوال الوقت وأنت مبتسم.. لم تفقد هذه الابتسامة حتى في أقسى اللحظات!..
كيف تفعل هذا ؟
قلت: أنا متصالح مع نفسي.. ومن ثم أنا متصالح مع الحياة.. والعالم.
تصالح مع نفسك وستكتشف الفرق.
قال بتذمر: هكذا ببساطة!.. وماذا أفعل بالقولون والسياسة والفواتير؟!
قلت: يجب أن تنظر للعالم بشكل مختلف.
قال: كيف؟
قلت: انظر للأشياء التي بين يديك، ولا تشغل نفسك بأشياء الآخرين
وكيفية الحصول عليها. حاول أن تحتفي بما تمتلكه..
وأنظر حولك ستكتشف أنك تمتلك الكثير...
قال: نعم.. أمتلك فواتير وأقساطًا لم تسدد حتى الآن!!
قلت: تمتلك الحياة بأكملها..ولكنك لا تراها.. ولا تشعر بها..
قال: كيف؟
قلت: لنفترض جدلاً أنك أُصِبْتَ – لا سمح الله – بألم فظيع وصداع مزعج في رأسك.
حاولت أن تقضي عليه بالمسكنات ولم ينفع. ذهبت في اليوم التالي إلى المستشفى.
أجروا لك كل الفحوصات لمعرفة السبب.. وأخيرًا قرروا إرسالك إلى غرفة الأشعة المقطعية. بعدها اجتمع حولك الأطباء بملامحهم المضطربة ليعلنوا لك الخبر/ الصاعقة:
« هنالك ورم خبيث في رأسك»!
وأنت تمشي في ممر الخروج البارد، وبالكاد تجر قدميك، تعود حياتك أمامك كشريط سينمائي يعبر بسرعة “يالله.. كم من الأشياء الرائعة التي فاتتني.. وكم سيفوتني مستقبلا”:
ضحكة أصغر أطفالك، صلاة الفجر.. والتي قررت أن تعدل نظام نومك لكي تصليها..
ولم تفعل، قراءة كتاب جديد ومشاهدة فيلم رائع، تقبيلك لجبين أمك،
التصالح مع أحد الأقارب، رؤية أولادك وهم يكبرون أمام عينيك،
إنهاء بعض العداوات الصغيرة، أكل المزيد من الشوكلاته والآيسكريم، الجلوس أمام البحر، الذهاب إلى الصحراء،
مشاهدة أهداف “ميسي” في كأس العالم،....،... وآلاف آلاف الأشياء التي كانت بين يديك
ولم تنتبه لها.
وقبل أن ينتهي الممر، وتصل إلى باب الخروج، تسمع أحدهم ينادي باسمك.
يصل إليك لاهثا ومرتبكًا ، ويقول لك بتلعثم: “أعتذر لك سيدي، حدث خطأ كبير في الأوراق، فالتقرير الذي معك هو لشخص آخر.. أنت لا تعاني سوى من التهابات في الجيوب الأنفية”!
وبدلاً من أن تثور في وجهه بسبب هذا الخطأ القاتل تقوم باحتضانه وشكره..
كأنه منحك الحياة.
لم يمنحك الحياة يا صديقي، بل الذي منحها لك هو الله سبحانه،
وهي موجودة لديك لم يأخذها أحد منك، ولكنك خلال ركضك في الحياة..
نسيت الحياة نفسها!
نعم.. عليك أن تقاتل لكي تكون هذه الحياة أجمل وأكثر عدالة.. ولكن لا تنسَ أن تعيشها.