قبل أن يخلق الكون لم يكن هناك زمن ، وإنما عرف الزمن بعد خلق الأفلاك والأجرام السماوية .. وصار الناس يصطلحون على فترة معينة مقارنة بحركة الليل والنهار أنّها يوم ، أو مقارنة بحركة دوران الأرض حول الشمس أنّها سنة وهكذا …فالزمن اصطلح عليه بعد خلق الكون وانتظام حركة الأفلاك ، فهو حادث بحدوث الكون وهو مخلوق معه .
وقد أشار القرآن الكريم إلى أنّ الله عزّ وجلّ جعل حركة الشمس والقمر والليل والنهار منتظمة ليستطيع الإنسان معرفة الزمن وحساب السنين والأيام .
قال تعالى :
(( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ )) :يونس:5
وقال أيضاً :
(( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً )) :الإسراء:12
فالله جعل الليل والنهار صورتين وعلامتين دالتين على قدرته سبحانه ، فمحا من الليل الضوء وجعل النهار مبصراً ليسعى الناس في كسب معيشتهم وليعلموا باختلاف الليل والنهار عدد السنين وحساب الأشهر والأيام .
وقد ذكر الشيخ الزنداني أنّ العلماء الأمريكيين اكتشفوا أنّ القمر كان مشتعلاً ومضيئاً كالشمس ثم انطفأ .. وأنّ الليل في بداية خلق الأرض كان غير مظلم بسبب ذلك ، وبسبب الأشعة الناتجة عن الشهب والنيازك الكثيرة التي كانت تسقط على الأرض وتحترق في الغلاف الجوي مما يؤدي إلى توهجات كثيرة ، ثم طمس الله الليل تماماً … وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله .
وعن قوله تعالى :
(( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ )) :يونس:3
جاء في تفسير المنتخب : ((خلق الله الكون بأسره في ست مراحل ، وتتضمّن المرحلة أحقاباً برمّتها ، وتلك المراحل التي عبّر عنها بالأيام الستة)) .
وعن قوله تعالى :
(( الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً )) :الفرقان:59
جاء في تفسير المنتخب : ((الستة أيام تعبير من جانب الله عزّ وجلّ عن الزمن ، وهو تعالى أعلم بمقدار اليوم .. ومن الوجهة العلميّة تتطلب عملية خلق الكون المرور بمراحل وأدوار مختلفة ((السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا)) تشير إلى سائر أجرام السماء من نجوم وشموس وكواكب وأقمار وأتربة كونيّة ، وغازات وطاقات يتألف الكون منها .. ((ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)) يثبت أنّ للكون بداية من حيث الزمن أو نشوء الكون لازمته نظم كونيّة أو إلهيّة منظّمة له .. وبتنظيم الكون على الوجه التفصيلي الكامل الذي شمل كل شيء اتّضح استيلاء الله ـ سبحانه ـ على الكون إجمالاً وتفصيلاً .
((فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً)) في هذه الجملة من الآية الكريمة توجيه علمي من الله تعالى إلى ضرورة البحث والتنقيب فيما يمكن بحثه من مظاهر الكون ونظمه المختلفة للوقوف على أسرار قدرة الله في إبداع الكون .
وجاء في تفسير قوله تعالى :
(( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ )) :الحج:47
يسبق القرآن بهذه الآية الكريمة ركب العلم بتقرير أنّ الزمن نسبي … وأنّ فكرة الزمن العالمي المطلق الذي كان يسلم به الأقدمون قبل ظهور النسبيّة هي فكرة خاطئة .
وجاء في تفسير المنتخب :
>>> قال تعالى في سورة الحج ((وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ)) … وفي سورة السجدة:آية(5)قال تعالى : ((يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ)) … وفي سورة المعارج آية(4) قال تعالى : ((تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)) .
التعليق العلمي : وحدات الزمن التي يستخدمها الناس مرتبطة بالأرض ودورانها حول محورها وحول الشمس .. فإذا ما غادر أحد الأرض إلى جرم سماوي اختلفت هذه الوحدات طولاً أو قصراً … والآيات الكريمة تشير إلى هذه الحقيقة العلميّة وإلى أنّ الزمن نسبي .. ولا شك في أنّ هناك سنوات فلكيّة نسبيّة يمكن التفرقة بينها .. فالسنة الشمسيّة على الأرض تحسب بمقدار الزمن الذي تقطّع فيه الأرض دورة كاملة حول الشمس في نحو 365 يوماً شمسيّاً ، على حين أنّ السيّارات القريبة من الشمس مثل عطارد يقطع دورته حول الشمس في 88 يوماً ، وعلى حين أنّ بلوتو وهو أبعد الكواكب السيّارة عن الشمس وأبطأها يتم دورته حولها في 250 سنة من سنواتنا <<< .
المصدر
كتاب الكون والإنسان بين العلم والقرآن