لفرط ما سعدت بفوز مصر على غانا أمس وإحرازها كأس الأمم الإفريقية للمرة الثالثة على التوالي، لفرط ما استولت عليّ مشاعر الغضب، بعدما قادني حظي العاثر إلى متابعة المباراة عبر الفضائية الجزائرية، وليتني لم أفعل!
ولئن كنت أشعر بأن هناك مبالغة في تحميل الإعلام المصري والجزائري مسؤولية الشحن وإذكاء روح التباغض بين الجانبين، فلقد أدركت أمس بشكل قاطع أن الإعلام الذي يروج للكراهية، وينأى عن التسامح هو إعلام غير مهني، وبالتالي غير أخلاقي.
الفضائية الجزائرية رسبت أمس في امتحان النزاهة، كي لا أقول إنها سقطت في امتحان الولاء القومي، حين لوثت أسماع جمهورها بكراهية عزّ نظيرها، حيث كان المعلقان يتبادلان الأدوار في الإعلاء من شأن منتخب غانا الذي لطالما وصفاه بأنه "برازيل إفريقيا"، وراحا يتغنيان به، ويدبجان المدائح في ذكر مواصفات لاعبيه، ويقدمان قراءة رغائبية لمسار المباراة.
المعلقان ظلا يقولان إن "غانا هي الأكثر استحواذا على الكرة"، وإن "كل الهجمات المصرية تتكسر على مبعدة
20-25 مترا من المرمى الغاني"، وإن الحكم البنيني كوفي كودج الذي أدار مباراة الجزائر ومصر الخميس الماضي يعد "لطخة عار في جبين التحكيم في إفريقيا"، وتمنيا "ألا يتواجد" في دورة كأس العالم المقبلة.
وبلغت روح العداء للاعبين المصريين حد أن أحمد حسن عندما سقط بعد ارتطامه بزميله الغاني وخرج من الملعب على حمالة، وُصف بالخداع، حيث قال أحد المعلقَين بغضب شديد: "إنك دائما تحاول التأثير على الحكام، لكنك لن تظفر أبدا بركلة جزاء".
"الله أكبر": قلت في سري، وودت أن أهتف في وجه المعلقَين: "هذا منتخب مصر يا إخوان وليس منتخب إسرائيل"!
وحاولت، بعدما ارتفع ضغطي، أن أنتقل إلى محطة أخرى، فلم أفلح، فعدت مضطرا إلى فضائية بلاد المليون شهيد، فكانت مصر في تلك اللحظة تحرز هدف الفوز، فرفعتُ صوت التلفاز علّني أسمع فرحة الأشقاء بإحراز مصر كأس الأمم الإفريقية، فما سمعت إلا صوتا خافتا يقول إن "هذا الهدف لم يكن منتظرا في هذا الزمن الحرج"، حيث لم يتبق من وقت المباراة إلا خمس دقائق، وعلا صوت المعلق بحماسة: "هناك متسع من الوقت أمام المنتخب الغاني، وكل شيء ممكن في كرة القدم"، معتبرين أن هدف مصر كان "الخطأ الوحيد الذي ارتكبه المنتخب الغاني خلال المباراة".
وما إن انطلقت صافرة الحكم معلنة نهاية المباراة وفوز مصر، حتى خيّم الصمت، وعقدت الصدمة لسان المعلقَين اللذين أعتقدُ أنهما انتقلا إلى المستشفى مغشيا عليهما لفرط حقدهما على المنتخب المصري الذي لا ذنب له سوى أنه هزم الجزائر 4 -صفر الخميس الماضي، فيما كانت الجزائر هزمت مصر أواخر العام الماضي وتأهلت لمونديال كأس العالم.
إذن، الفريقان نالا حصتهما العادلة في لعبة قوامها كرة مستديرة يتعين أن يتم ركلها لتنفيس الاحتقانات، لا لتغذية مشاعر الكراهية والبغضاء بين الناس.
الفضائية الجزائرية، وهي تابعة للحكومة وتعبّر عن وجهة نظرها، وتنطق بلسانها، مطالبة بالاعتذار عن أداء المعلقَين غير المهني الذي يسيء إلى البلد الذي علّم العالم كيف تكون الأخوة والفداء والتضحية والتسامي.
غدا، ستلعب الجزائر في مونديال كأس العالم، فهل يرضى هذان المعلقان أن ينبري أبناء مصر إلى تشجيع المنتخب الخصم، أم أن حرارة الدم العربي ستتفوق على كل الضغائن، وسيهتف المصريون والعرب لـ"الخضر" وهم يرفعون رايات الانتصار في جنوب إفريقيا؟
موسى برهومة - صحفي أردني ونقلا عن المدينة نيوز