مقال بين الحق والرجل؟!
بقلم: محمد محمد بدري
كلنا نؤمن أن الحق معصوم وثابت، وأمّا الرجال فأعراض زائلون، يقاسون بالحق ولا يقاس الحق بهم!!
وكـثير منا يعلم ويردد قول مالك ـ رحمه الله ـ: (يؤخذ من قول كل أحد ويرد إلا صاحب هذا القبر - صلى الله عليه وسلم - ).
فأين واقعنا مما نؤمن به؟ وأين ممارساتنا مما نعلم؟
لنتأمل في أنفسنا: ما هو محور الولاء فيها: (أهو الرجل أم الحق؟
وماذا نفعل حين تقدم لنا فكرة (الرجل)الذي نحبه تحت اسم (الرجل) الذي نكرهه؟.. ألا يدفـعـنـا ذلك إلى رفضها، ربما دون النظر فيها؟!! وهل يسهل علينا أن نرى الرجل الذي نحبه يخطئ.. أو نصف رأيه بأنه (خطأ)؟
ولنتأمل فـي واقـعـنا: ما الروح التي تسيطر على عملنا الإسلامي؟ أليست روح القائد الملهم الوحيد الذي يصـنـع الـمعجزات، ولا نتصور بقاء العمل مع غيابه؟!.. هل نتصور إمكانية تنحيته عن العمل، أم أنـنـا نـربــط بـيـنـه وبـيـن الـعـمل ربطاً مصيرياً مهما كانت أعماله وتصرفاته؟!
إن واقـعـنا يؤكد أننا نسلك عملياً ما نرفضه نظرياً من شعارات المبتدعة..(المريد أمام شيخه كالميت بين يدي مغسله). (من قال لشيخه: لِمَ؛ فلن يفلح أبداً).
بل إن بعـضـنا قد ينحدر إلى درك سحيق فيكون شعاره في العمل: (وافق أو نافق أو فارق).
ونحن لا نتهم أحداً، وإنما ننصح لأنفسنا..
إن من سنن الله فـي خلقه أنه حين تغرب الفكرة يبزغ الصنم أو الشخص، ونحن قد ضيقنا مساحة الفكرة في عـمـلـنــا الإسلامي حتى ساوت الصفر، فصار الرجل عندنا مكان الحق، وأصبح الإنسان بديلاً للبرهان!!
ولا شك أن هذا خطأ تجب الـتـوبــــة منه (فالرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمـكــان، قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور، بل ومأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فـيـهــا، ولا يـجــــوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين)(1).. بل نجله ونحترمه وندعو لــه وننتفع بعلمه، ولا يتعدى به حد الرجل؛ فنعتقد فيه العصمة الخطأ، فإذا أخطأ لم نُقِلّ من قيمته وقدره.
هذه هي ميزة أهل السنة والجماعة دون غيرهم: إن انتسابهم وانـتـمـاءهم للكتاب والسنة، ومتبوعهم هو محمد، وأما الرجال عندهم فأدلاء على الحق(2)، فما وافق من كلامهم الحق أخذوا به وما لا فلا.
وهـــذا هــو صمام الأمان في العمل الإسلامي.. أن يرى القادة السبيل القاصــد لـتـحـقـيــق الأهـــداف، وتمـتـلـك القـاعدة الفرقان بين الحق والباطل، فلا تضع القائد مكان الحق أو الرجل مكان البرهان.. بل تخـتــار قـائـدهــــا وفـــق برنامج عمله، وليس لكونه ملهماً أو تاريخياً!! وكما تنصر الحق في مواجهة الباطل، فإنـهــا تـنـصـر الحق في مواجهة طغيان الرجال بالطاعة المبصرة التي تقول: (نعم) للصواب.. و (لا) للخطأ.
إن هـدفـنـا مــن هذه الكلمات.. ليس تجريح العلماء والدعاة أو تقديسهم، وإنما الهدف أن نعرف جميعاً أن الـحـــق حق دائماً، أما الرجل فيمكن أن يكون محقاً أو مبطلاً.. وهذا هو الموقف السليم بين الحق والرجل
الهوامش :
(1) ابن القيم ـ أعلام الموقعين ج3 ص 283.
(2) كما قال الشاطبي في الاعتصام ج2 ص 355ـ 362." انتهت المقاله
فالواجب علينا اتباع الدليل والتمسك به واعطاء الرجل قدره بلا غلو ولا نردد ما يقال لنا بدون التوقف على الدليل ومعرفة أدلة من يعارضنا لأن الحق مع الدليل دائما لأن الدليل معصوم والرجل ليس بمعصوم