ا وسائل الإعلام
المرئية والمقروءة بذلك
الحفلِ السافر، الذي
أقامه بعضُ الخبثاء
والزنادقة ليلة السابع
عشر من رمضان الماضي
في لندن؛ احتفالاً
بالليلة التي ماتتْ فيها
أمُّ المؤمنين عائشةُ -
رضي الله عنها - حبيبة
رسول الله - صلَّى الله
عليه وسلَّم - العفيفة
المبرَّأة من فوق سبع
سموات، الحصان الرَّزان،
الذَّكية الزاكية، الفقيهة
العالمة، التي لم ينزل
الوحيُ في لحاف أحدٍ من
أزواج النبي - صلَّى الله
عليه وسلَّم - غيرها، ومات
رسول الله - صلَّى الله
عليه وسلَّم - بين
سَحْرها ونَحْرها، ودُفن في
بيتها، كانت أحبَّ نساء
النبي - صلَّى الله
عليه وسلَّم - إلى قلبه،
ومن أعظمهن قدرًا، وأرفعهن
شرفًا.
ولا أريد أن أتحدث عن
فضائل أم المؤمنين
عائشة - رضي الله عنها
- فلا يَسعها مقال، وكُتبُ
علمائنا من السلف
والخلف زاخرةٌ بفضائلها،
وبدحض شبهات الروافض
والمعمَّمين الذين يطعُنون
فيها وفي عرض النبي -
صلَّى الله عليه وسلَّم
- ولكني أريد أن أقف
بعض الوقفات مع هذا
الحدث:
الوقفة الأولى مع أبناء
عائشة - رضي الله عنها
-: }لا تحسبوه شرًّا لكم{:
يأتي الأمل من بين ثنايا
الألم، وتظهر المِنحُ بين
طيّات المِحن، ويولَد الفرجُ
من رحم الكرب، تلك سنن
الله في الكون، ولا شك
أن هذه المحنة قد أظهرتْ
لنا العديد من المنح، ومن
هذه المنح:
• زيادة حبِّ أبناء عائشة -
رضي الله عنها - لأمِّهم،
وبغضهم لمن يطعن فيها،
وترضِّيهم عليها، ودعاؤهم
لها، وإحياؤهم لسيرتها
العطرة، فهناك الكثير من
شبابنا وبناتنا لا
يعلمون عنها غير أنها زوج
نبيِّهم - صلَّى الله
عليه وسلَّم - لذلك وجب
علينا أن نُحيي سيرتها
مع أبنائنا وبناتنا؛ حتى
يتعرَّفن على أمِّهن،
ويقتدين بها في حيائها
وعفتها وعِلمها.
• ظهور الوجه الكالح
للمعمَّمين من الروافض،
الذين يزعمون أنهم يحبون
آل بيت النبي - صلَّى
الله عليه وسلَّم - فقد
بان لكل ذي عقلٍ من عوام
الشيعة حقيقةُ هؤلاء
المعممين، وكيف أنهم
يقومون بتلبيس الحق
بالباطل، ويفترون على
الصحابة وآل البيت -
رضوان الله عليهم
أجمعين - ولا شك أن في
ذلك الخيرَ الكثير؛ فهذا
طريق لعودتهم إلى مذهب
أهل السنة والجماعة، بعد
أن علموا قبيح سريرة
علمائهم.
الوقفة الثانية مع
سفهاء المُعمَّمين: "لستم
بمؤمنين":
بعد أن أنزل الله -
سبحانه وتعالى - براءةَ
عائشةَ - رضي الله عنها
- في قرآنٍ يُتلى إلى أن
يرث الله الأرض ومَن
عليها، وعَظ المؤمنين
وحذَّرهم - سبحانه - من أن
يعود أحدٌ منهم لمِثلِ هذا
الإفك العظيم، فقال:
}يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا
لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ{ ]النور: 17[،
وللأسف الشديد فهؤلاء
الشرذمةُ من السفهاء
يعُودون كلَّ عام لهذا الرمي
والاتهام الباطل والإفك
العظيم، وإني أُبشِّر هؤلاء
بالعذاب الشديد من الله
- سبحانه - إن لم
يتوبوا وينتهوا عن فعلِ
مثل هذه التخاريف الحاقدة
على أم المؤمنين - رضي
الله عنها - بل وعلى هذا
الدِّين، وقد أجمع علماؤنا
على أن من طعن في أمِّ
المؤمنين عائشةَ - رضي
الله عنها - فهو كافر
مكذِّبٌ لما جاء في القرآن
الكريم من إعلان براءتها،
ونورد فيما يلي بعضًا
من أقوال العلماء في هذه
المسألة:
قال ابن كثير معلقًا
على قول الله - تعالى
-: }إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ
الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{
]النور: 23[، قال: وقد أجمع
العلماء - رحمهم الله -
قاطبة على أن مَنْ سَبَّها
بعد هذا، ورماها بما رماها به
بعد هذا الذي ذكر في هذه
الآية، فإنه كافر؛ لأنه
معاند للقرآن. ")تفسير
القرآن العظيم" ج 6 ص
31، بتحقيق سامي بن
محمد سلامة(.
كما أورد القرطبي في
تفسيره قول هشام بن
عمار: سمعت مالكًا يقول:
من سبَّ أبا بكر وعمر أُدِّب،
ومن سب عائشة قُتل؛ لأن
الله - تعالى - يقول:
}يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا
لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ{، فمن سبَّ عائشة
فقد خالف القرآن، ومن
خالف القرآن قُتل.
")تفسير القرطبي" ج
12 ص 205(.
وقال ابن العربي: "إن أهل
الإفك رمُوا عائشةَ
المطهَّرة بالفاحشة،
فبرَّأها الله تعالى، فكلُّ
من سبَّها بما برأها الله
منه مكذِّب لله، ومن كذَّب
الله فهو كافر"؛
")تفسير القرطبي" ج
12 ص 206(.
وذكر الإمام النووي أربعًا
وخمسين فائدةً لحادثة
الإفك، وقال في الفائدة
الحادية والأربعين: "براءة
عائشة - رضي الله عنها
- من الإفك: وهي براءة
قطعية بنصِّ القرآن
العزيز، فلو تشكك
فيها إنسان - والعياذ
بالله - صار كافرًا مرتدًّا
بإجماع المسلمين"؛ ")شرح
النووي على صحيح
مسلم" ج 17 ص 117 -
ترقيم الشاملة(.
وقال القاضي أبو يعلى:
"من قذف عائشة بما برَّأها
الله منه، كفر بلا خلاف،
وقد حكى الإجماعَ على هذا
غيرُ واحد، وصرح غير واحد
من الأئمة بهذا الحكم"؛
)انظر: الموسوعة الفقهية
الكويتية ج 2 ص 2233،
و"شبهات الرافضة حول
الصحابة - رضي الله
عنهم - وردها" علي بن
نايف الشحود، ص 31 -
ترقيم الشاملة(.
وقال ابن قدامة المقدسي:
ومن السنة الترضِّي عن
أزواج رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - أمهات
المؤمنين، المطهَّرات،
المبرآت من كل سوء،
أفضلهم خديجة بنت
خويلد وعائشة الصدِّيقة
بنت الصديق التي برَّأها
الله في كتابه، زوج
النبي - صلَّى الله
عليه وسلَّم - في الدنيا
والآخرة، فمن قذفها بما
برأها الله منه، فقد كفر
بالله العظيم"؛ ")لمعة
الاعتقاد" ص 29(.
وقال ابن أبي موسى: "ومن
رمى عائشة - رضي الله
عنها - بما برأها الله منه،
فقد مرق من الدين، ولم
ينعقد له نكاح على
مسلمة"؛ ")الصارم
المسلول"، ابن تيمية،
تحقيق: محمد عبدالله عمر
الحلواني، محمد كبير أحمد
شودري، ج 1 ص 570(.
وقال ابن القيم: "واتفقت
الأمَّة على كفر قاذفها"؛
")زاد المعاد في هدي خير
العباد"، ابن القيم،
تحقيق شعيب الأرناؤوط،
ج 1 ص 102(.
وقال بدر الدين
الزركشي: "من قذفها فقد
كفر؛ لتصريح القرآن
الكريم ببراءتها"؛
")الإجابة لما استدركته
عائشة على الصحابة" ص
45(.
وقال محمد بن عبدالوهاب
في كتاب "الرد على
الرافضة" بعد أن ذكر من
الروايات ما يدل على أن
عائشة - رضي الله عنها
- هي المبرأة المقصودة
بآيات سورة النور، قال:
"وكونها هي المبرأة المرادة
من الآيات مشهورٌ؛ بل
متواتر، فإذا عرفتَ هذا
فاعلم أنه من قذفها
بالفاحشة مع اعتقاده أنها
زوجة رسول الله - صلَّى
الله عليه وسلَّم - وأنها
بقيتْ في عصمته بعد
هذه الفاحشة، فقد جاء
بكذب ظاهر، واكتسب
الإثم، واستحق العذاب،
وظنَّ بالمؤمنين سوءًا، وهو
كاذب، وأتى بأمر ظنَّه هينًا
وهو عند الله عظيم، واتَّهم
أهل بيت النبوة بالسوء،
ومن هذا الاتهام يلزم نقص
النبي - صلَّى الله
عليه وسلَّم - ومَن نقصه
فكأنما نقص الله، ومن
نقص الله ورسوله فقد
كفر، وهو بفعله هذا خارجٌ
عن أهل الإيمان، ومتَّبع
لخطوات الشيطان،
وملعون في الدنيا
والآخرة، ومكذّب الله في
قوله - تعالى -:
}وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ{
الآية ]النور: 26[.
ومن كذَّب الله فقد كفر...
وقد قال بعض المحققين
من السادة: "وأما قذفها
الآن فهو كفر وارتداد، ولا
يكتفَى فيه بالجلد؛
لأنه تكذيب لسبع عشرة
آية من كتاب الله - كما
مرَّ - فيُقتل ردة، وإنما
اكتفى - صلَّى الله
عليه وسلَّم - بجلدهم -
أي: من قذفها - في زمنه
مرة أو مرتين؛ لأن القرآن
ما كان أنزل في أمرها، فلم
يكذبوا القرآن، وأما الآن
فهو تكذيب للقرآن، أمَا
نتأمل في قوله - تعالى
-: }يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا
لِمِثْلِهِ{ الآية ]النور: 17[،
ومكذّب القرآن كافر،
فليس له إلا السيف
وضرب العنق"؛ ")الرد
على الرافضة"، محمد بن
عبدالوهاب، ص 19، 20
بتصرف(.
قلت: فهذه النصوص
صريحةٌ في كفر من
تعرَّض لأم المؤمنين
عائشة - رضي الله عنها
- بالسبِّ والشتم
والإساءة، وأن عقوبته
القتل؛ لارتداده عن
الإسلام.
الوقفة الثالثة مع دعاة
التقريب: "أنَّى وكيف
يكون التقارب؟"!:
وأخيرًا أوجِّه رسالة إلى
دعاة التقريب - الذين
تعالتْ صيحاتهم ونداءاتهم
بضرورة الوحدة والتقارب
مع الشيعة الروافض؛
بدعوى أن الخلاف بيننا
يسير، وأنها مجرد مسائل
فرعية - فأقول لهم: هل
عِرض أم المؤمنين وعِرض
النبي - صلَّى الله
عليه وسلَّم - من مسائل
الخلاف؟! كفانا نظرًا تحت
أقدامنا، أنَّى وكيف يكون
التقارب مع هؤلاء الذين
هدموا الأصول، وطعنوا في
خير قرون الأمة على
الإطلاق؟! طعنوا في
أصحاب النبي - صلَّى
الله عليه وسلَّم - بل
وفي زوجاته أمهات
المؤمنين، ولا شك أن
الطعن في أزواج النبي -
صلَّى الله عليه وسلَّم
- طعنٌ في عرضه، على
أي شيء نتقارب والمعتقد
متفاوتٌ بصورة في غاية
الوضوح؟! فهم يعدُّون
القرآن محرَّفًا، وينكرون
السُّنة، ويسبُّون
الصحابة؛ بل ويكفرونهم
إلا نفرًا قليلاً لا
يتجاوز أصابع اليدين،
فهيهات هيهات أن يكون
هناك تقارب مع هؤلاء إلا
بالتنازل عن الأصول.
لا شك أن الأمَّة في وقتنا
الحاضر قد تكالبتْ
عليها الأمم، ولا بد من
جمْع المسلمين على
كلمة واحدة، ولكن الأمة
تحتاج إلى تحقيق
التوحيد أولاً والعمل
بمقتضى كلمته، قبل
حاجتها إلى الاجتماع
وتوحيد الكلمة، فكلمةُ
التوحيد قبل توحيد
الكلمة، وما قيمةُ اجتماعنا
إذا لم يكن هذا الاجتماع
على كتاب الله وسنة
رسوله - صلَّى الله
عليه وسلَّم؟!
لا بد لنا أن نعلم أن دعوة
التقريب بين السنة
والشيعة دعوةٌ تهدف إلى
التسلل إلى أهل السنة،
وإخراجهم من مذهبهم إلى
التشيع، وحقيقة
التقريب في موافقة
السنة للشيعة، لا في
موافقتهم هم للسنة، إنهم
بحق دعاة التقريب
باللسان، ودعاة الفرقة
بالعملِ والجَنَان.
أسأل الله الكريمَ ربَّ
العرش العظيم أن يردَّنا
إلى دينه ردًّا جميلاً،
وصلى الله وسلم وبارك
على نبيِّنا محمد، وعلى
آله وصحبه، ورضي الله
عن أزواج النبي - صلَّى
الله عليه وسلَّم -
الأطهار، وآل بيته
الأبرار، وأصحابه الكرام.
والله من وراء القصد.