تتحدث تايوان حالياً عن فتاة اسمها «تشين»، عمرها ٣٠ سنة.. لم يتقدم لها عريس لخطبتها، أو ربما تقدم لها كثيرون، ولم تقبل بواحد منهم، فقررت أن تتحدى التقاليد، وتتزوج نفسها.. تصوروا.. تزوجت نفسها وجهزت فستان الزفاف، وتعاقدت مع منظم حفلات، وطلبت المصورين، ليلتقطوا لها الصور.. ثم انتهى الحفل وتوجهت «تشين» إلى مكان ساحر لتقضى فيه شهر العسل وحدها.. أما كيف تزوجت نفسها فهذه نقرة أخرى!
الحدث غريب فعلاً ولافت للنظر.. لأن تشين لم تتزوج من آخر، سواء كان شاباً أم فتاة.. فلو أنها تزوجت شاباً لم تكن تلفت نظر أحد.. ولو أنها تزوجت فتاة، على طريقة الزواج المثلى، لم تكن تلفت نظر أحد أيضاً.. خاصة أنها ليست ذات حيثية.. لا وزيرة ولا سياسية ولا رئيسة جمهورية.. الجديد أنها تزوجت نفسها.. فستان وفرح ومعازيم ومصورون.. وشهر عسل!
لا يوجد عريس.. فماذا تفعل؟.. قالت العروس: سن الثلاثين فترة رائعة.. لم أعثر على شريك حياتى فماذا أفعل؟.. لست ضد الزواج، ولكن ما باليد حيلة.. كان لابد من التفكير فى شىء ما.. المشكلة الأساسية أنها قد لا تستطيع تسجيل هذا الزواج رسمياً.. ربما تتزوج من جديد حين يظهر لها شريك أو رفيق دائم.. هكذا قالت «تشين» وهى نبرة تحمل من الحزن، أكثر مما تحمل من السعادة بزفافها الخرافى!
لا ترى العروس أنها فعلت شيئاً «غلط»، ولا ترى أنها آخر بنات حواء، التى قد تفعل الشىء نفسه، ولكنها قالت فى المستقبل فتيات كثيرات سوف تتزوج نفسها.. ولا ترى العروس أنها أغضبت أمها، التى كانت تحب أن تراها فى الكوشة مع شريك العمر.. فقد رضخت أمها فى النهاية لتسعد ابنتها.. وقالت لها مبروك يا بنتى اتجوزى براحتك، حياتك وأنت حرة فيها.. ثم أطلقت زغرودة كبرى، وأعقبتها بالدموع الساخنة!
لا أنت، ولا أنا، سوف يعرف ما معنى أن تتزوج فتاة من نفسها؟.. ولا أنت، ولا أنا، يفهم لماذا كسرت «تشين» التقاليد الاجتماعية، لتقدم نموذجاً جديداً للزواج لم نسمع به فى العالم؟.. من المؤكد أن هذه الحكاية تحتاج تفسيرات كثيرة من علماء النفس.. ومن المؤكد أن العوانس هنا يفعلن أشياء مماثلة، ولو بالزواج لمدة شهر.. المهم أن يحدث الفرح والزواج وصور الزفاف.. ولو أن تحصل بعدها على لقب مطلقة!
فما هو المعنى والمغزى فى هذه القصة؟.. هناك معانٍ اجتماعية وسياسية أيضاً.. أترك المعانى الاجتماعية، فهى واضحة وضوح الشمس.. وأذهب إلى المعنى السياسى فيها، لأشرح طبيعة العلاقة بين قصة «تشين» وما يجرى بالضبط فى الحزب الوطنى الآن.. تحديداً فى هذه الانتخابات، وربما فى أى انتخابات سابقة.. فهو يتزوج نفسه، وينظم الفرح ويجهز فستان الزفاف، ويدعو المعازيم.. ويقضى شهر العسل وحده!
أنت أمام فرح تتفق أو تختلف عليه.. وأنت أمام عروس تحاول إقناعك بموقفها.. وأنت أمام شىء من أوله لآخره يكسر التقاليد الاجتماعية، أو السياسية فى حزبنا الوطنى.. هو الوحيد الذى يعرف أن ما يفعله جائز وصحيح.. وإن غضب الآخرون.. هو وحده لا يجد شريكاً، ويقنع نفسه بأن كل الشركاء لا يصلحون.. هو نفسه يعرف أنه زواج فاسد، لا يستطيع تسجيله رسمياً أو دولياً!
النقطة التى يجب ألا تغيب فى زحمة الفرح، وضجيج حفل الزفاف، هو موقف الأم الغاضبة من الطريقة التى يتم بها زواج ابنتها.. لكنها سرعان ما ترضخ لرغبتها، وتقول لها مبروك يا بنتى، حياتك وأنت حرة فيها.. فمَنْ هذه الأم الغاضبة فى حالة الحزب الوطنى؟.. أين الذين يرفضون فكرة أن يتزوج الحزب نفسه فى كل انتخابات؟.. ينظم الفرح ويدعو المعازيم.. ثم يقضى شهر العسل وحده؟!
ياعم
عاشت مصر حرة مستقلة