المتربحون على هامش المصائب في مصر
علي عبدالعال
لم يلق حادث تعرضت له مصر مثل هذا الإجماع على الرفض والإنكار الذي لقيه تفجير كنيسة "القديسين" من قبل المسلمين قبل الأقباط في البلاد، ومن ثم فليس من العدل والإنصاف أن يُوضع المسلمون من قبل شركائهم في الوطن موضع الاتهام.
وإذا كان من الضروري أن نتفهم غضب الشباب القبطي على ما وقع في الإسكندرية، فمن الضروري أيضًا الانتباه إلى أن هذا المُصاب ـ وهو مُصاب المصريين لا مُصاب الأقباط وحدهم ـ لا ينبغي أن يكون مدعاة للتجني على أحد أو استهدافه، دون دليل.
أو أن يكون مجالا لتمرير مطالب طائفية من قبيل (حذف المادة الثانية من الدستور، وتعديل المناهج الدراسية، وتغيير خانة الديانة، وحل ما يسمى "مشاكل الأقباط"، واستصدار قانون خاص لبناء الكنائس، وتغيير خطاب الأزهر) إلى آخر هذه القائمة التي لا نهاية لها.. فضلا عن المزايدات الرخيصة والتصريحات النارية للوصول إلى غايات مفضوحة.
ولو فتحنا باب من "المستفيد" و"المحرض" و"المتسبب" فيما جرى؟ والممارسات الخاطئة التي مرت على المجتمع من قبل جهات بعينها، وما كان ينبغي لها أن تمر دون معالجة صحيحة فلن نغلق هذا الباب، لكن لعله من الأولى أن نسد المنافذ أمام الذين يعشقون التصيد في المصائب، والمتربحون من دور الضحية، والمؤججون لنار الفتنة لحاجات في أنفسهم.
مصر كيان عُرف على مر التاريخ انه موحد ومن الأهمية بمكان التأكيد والحرص على هذه الوحدة، فلا أظن أن عاقلا يظن أن للمسلمين مصلحة في قتال الأقباط أو سلبهم ما يمكن أن يكون لهم من حقوق، ولا أظن أن عاقلا يظن أن للأقباط مصلحة في قتال المسلمين سواء بأنفسهم أو بدعم من جهة هنا أو هناك.
الأقباط لن يخرجوا من مصر، والمسلمون باقون فيها، هؤلاء وأولئك عاشوا قرونا مديدة من الزمان شركاء متجاورين على هذه الأرض، والتاريخ شاهد بينهم، ومن الأهمية البحث فيما هو مشترك، والتأكيد على الاحترام المتبادل والمصير الواحد في ظل اختلاف عقائدي لا مجال لإنكاره، خاصة وانه لم يكن أبدا باعثا على عداء أو داعيا لإقصاء.
وإذا كان ثمة رسائل على هامش هذه الأحداث ينبغي التنبيه إليها، فقد يكون: الدور المشبوه الذي تلعبه بعض قيادات الكنيسة في الداخل، بالتنسيق الكامل مع مجموعة الصبيان الذين يتاجرون بالأوهام في الخارج ممن أصطلح على تسميتهم بـ "أقباط المهجر"، خاصة في ظل ما شهدناه عقب الحادث من فاصل التصريحات التي صدرت عن بعض الموتورين من ساسة الدول الغربية أمثال (ساركوزي وميركل)، وبعض رجال الدين، الذين طالبوا خلالها بحماية الأقباط وتحدثوا عن مخطط ديني يهدف لتصفيتهم. ولعله من الأهمية بمكان أمام هذه المزايدات أن يرد المصريون جميعا بالتأكيد على أنهم أولى بالأقباط من هؤلاء الأدعياء، الذين لم تجف أيديهم بعد من دماء الأبرياء في فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان والصومال.
دور الدولة في الأزمات دائما دور حيوي، خاصة إذا كانت هذه الأزمات تتعلق بمكونات المجتمع وجماعاته، وهو ما يستلزم قيادة على قدر المسؤولية ويحتم على رجال هذه الدولة ومؤسساتها الاتزان في المعالجة، حتى لا تتسبب المعالجات الخاطئة في ردود فعل عكسية غير محسوبة العواقب. وألا يجعلوا من ثوابت الأمة وسيادتها عرضة للابتزاز أو الخضوع لضغوط هؤلاء أو أولئك. أو أن تكون معالجاتهم ردود فعل وقتية لامتصاص الغضب الحاصل، وهم لا يهدفون من وراء ذلك سوى الحفاظ على الكرسي، والتأكيد على دور المنصب، أو تحاشي معارضة مستقبلية، خاصة إذا كنا مقدمين على انتخابات رئاسية، وتتحدث أوساط مختلفة عن نية مبيتة للتوريث، لا ندري ما الله فاعل فيها.
لمؤسسة الأمنية في أي مجتمع ينبغي أن يتمثل دورها المحوري في حمايته وحماية أفراده وجماعاته، خاصة الضعفاء منهم، تحت مظلة قانونية تشمل الجميع دون استثناء، ومن الخطورة بمكان تسييس هذا الدور أو جعله عرضة لطائفية أو رؤية حزبية عدائية ضيقة. وإذا كان الفرد هو وحدة بناء المجتمع فمن الأهمية أن تعي الأجهزة الأمنية في الدولة أن لهذا الفرد حقوقا لا يجوز انتهاكها تحت أي ظروف أو بحجة أية إدعاءات مهما كانت. وإذا كان من عقاب ينبغي أن يقع على أي فرد أو جماعة فلا يكون إلا عقاب القانون، والقانون وحده، إذ أن فتح الباب أمام الأفراد ـ مهما تكن مناصبهم ـ كي يطبقوا ما يرونه من إجراءات، فيه من المسؤولية الكثير والكثير قبل أن يكون ما فيه من خطورة على مستقبل المجتمع وأمن أفراده وجماعاته
علي عبدالعال
صحفي مصري
[quote]