الإسلاميون والمصريون
- على حسب معلوماتي المتواضعة فإن الذي يعتنق الإسلام يسمي مسلم أما لفظ إسلامي فهو يطلق على غير العاقل فيقال مثلا الفن الإسلامي ولا يقال الفن المسلم ويقال التيار الإسلامي و الحكم الإسلامي والتطرف الإسلامي لأن التطرف بالطبع لا يمكن أن يوصف بأنه مسلم ولكن أعتقد أن كثيرا من الذين نشطوا في المحيط السياسي هذه الأيام يعتقدون بأن التطرف مسلم وتعتقد الولايات المتحدة ان التطرف لم يكن مسلما عندما شجعت أنور السادات على إرسال متطوعين مصريين للقتال مع إخوانهم الأفغان ضد السوفييت في نهاية السبعينات وأذكر في هذا الوقت وكنت أشاهد التلفزيون مع ستي فهيمة وفد المجاهدين الأفغان وهم بصحبة الرئيس انور السادات ونائبه الصامت المططئ الرأس دائما وقد شن الرئيس السادات في هذا الوقت على ما أذكر حملة لجمع التبرعات لهم ودعا لهم أئمة المساجد أن ينصرهم الله على الملحدين في موسكو وعلى حكومة كارمل العميلة ومن بعدها حكومة نجيب الله وفي هذا اليوم انهالت الدعوات من ستي فهيمة للرئيس المؤمن أنور السادات . ومن بعد ذلك بنحو عشر سنوات غيرت الولايات المتحدة عقيدتها وأصبحت تظن أن التطرف مسلم عندما استقبلت قوات المخابرات المصرية هؤلاء المتطوعون وقادتهم من المطار الي حبل المشنقة مباشرة في عهد النائب أبو ضحكة جنان والذي لم يعد مطأطئ الرأس من بعد .
- و بعد أن انهار الإتحاد السوفييتي وظهرت الدول الإسلامية كقوة من الممكن إن اتحدت أو اتحد جزء منها أن تحل محل الإتحاد السوفييتي وكتلة حلف وارسو في خريطة التوازنات العالمية فإن الولايات المتحدة قد بدأت في تغذية فكرة التطرف الإسلامي واعتمدت في تعميق الفكرة والدعاية الإعلامية لها أساسا على النظام السياسي في بلد المؤسسة الدينية الإسلامية الأولي في العالم في بلد الأزهر الشريف في مصر ومع ظهور التنظيمات الإسلامية المسلحة كرد فعل للقمع والقهر التقطت الولايات المتحدة الخيط وضخمت الحدث وعمقت الأسباب التي انتجت تلك التنظيمات وكان على رأس تلك الأسباب الظلم والقهر الذي مارسه مبارك ونظامه على الشعب المصري والذي كان كفيلا في فترة التسعينات باتجاه كثير من الشباب للعنف كوسيلة وحيدة للتغيير بعدما أغلق النظام بدعم علني من الغرب والولايات المتحدة كل أبواب التغيير المشروع وظلت أمريكا تدعم مبارك في ظلمه لمصر والمصريين الي أول فبراير الماضي عندما اتفق المتحدث باسم البيت الأبيض ووزيرة الخارجية والرئيس اوباما في طريقة اظهار الصدمة التي ألمت بهم عن طريق رفع الشفاه السفلي لكل منهم الي اعلي أثناء إغلاق الفم فترتفع الشفاه العليا بالتبعية بعد أن تكاد الشفاه السفلي ان تلامس الأنف من شدة الضغط والحزن .
- الآن انهار نظام مبارك ومن المستحيل أن يعود نظام مبارك أو نظام مشابه لنظام مبارك ، أصبحت هذه حقيقة لا تقبل اثبات العكس بأي حال لأن الشعب المصري ظهر بمظهر يخالف كل الإحصائيات والتقارير والنظريات بما فيها الإحصائيات والتقارير والنظريات المصرية نفسها ومنها بالطبع نظريات المخابرات المصرية وأجهزة البحث والقمع والمراقبة لقد أصبح واضحا أن هذا الشعب ليس هو الشعب المصري الذي كنا نعرفه يوم اربعة وعشرين يناير الفين واحد عشر .
- كذلك فقد اعتادت برامج التوك شو على استضافة خبراء سياسيين والإستماع الي رؤساء احزاب ووجوه سياسية بارزة ممن درج على تسميتهم بالنخبة المصرية ، والنخبة التي تسعدنا بطلعتها البهية دائما في هذه البرامج في أغلبها إما رؤساء أحزاب من أحزاب صفوت الشريف المعارضة أو رؤساء تحرير صحف صفوت الشريف الموالية أو المعارضة ، أما مديري البرامج ومذيعيها فهم في الغالب وعلى حد علمنا المتواضع ومتابعتنا اللصيقة لهم متوسطي الثقافة والفكر وإن كانوا يجتمعون في كونهم إما من عملاء أمن الدولة أو على الأقل ممن رضي عنهم أمن الدولة ورضوا عنه قبل أن يصيب فيروس التحول كل القنوات التي تبث الي مصر من النايل سات ويتحولون على خطر التحول مرة أخري متي دعا داعي التحول .
- درجت (النخبة ) على مهاجمة فكرة المرجعية الإسلامية للدولة مع الإحتفاظ بمدنيتها ويدور الهجوم حول عدة محاور تختلف باختلاف الضيف ، فمن ضيف يقول بأن المرجعية الإسلامية تؤلب على مصر أخطارا عدة وأولها استعداء الغرب – كأن الغرب صديق حميم – واستعداء الغرب يجعلنا مستهدفين منه وقد يحاصرنا اقتصاديا أو حتي يشن علينا هجمات كتلك التي شنها على إخواننا في إقليم العراق – هو إقليم من أقاليم الدولة العربية الإسلامية الكبرى – أو يفعل بنا ما فعله مع إخواننا في إقليم الصومال أو في بلدنا السودان .ومن ضيف آخر من النخبة المثقفة جدا جدا يقول بأن القول بالمرجعية الإسلامية افتئات على حقوق الأقليات ومنهم الأقباط والعلمانيين وسخرية من نفسه ربما يقول اليهود المصريين والبهائيين وأن مرجعية الدولة الإسلامية جريمة في حق هؤلاء لأن هذا فيه اجبار لهم على اعتناق الشريعة الإسلامية وهم أصلا غير مؤمنين بها . ومن ضيف ثالث ورابع يرددون هذه الأقوال حتي دونما أن يعرفوا معني المرجعية الإسلامية ولكن وقد طلب منهم الكلام فهم يرددون ما سمعوه من غيرهم – وهذا خير طبعا من السكوت أو الرد بعدم العلم – والحقيقة أن هذه البرامج قد أصبحت من الأهمية بحيث لا يمكن تجاهلها أو التقليل من شأنها أو الانتظار حتي تسقط أشجار الخريف أوراقها فيها ومنهم مقدموا هذه البرامج لأن انتظار هذا الخريف قد يطول حتى ينتشر السم في جسد الأمة كلها وليس من دليل على أهمية هذه اللقاءات وتأثيرها في القرار السياسي أكبر من أن أحمد شفيق قد تم خلعه على إثر مواجهة مع علاء الأسواني في أحد هذه البرامج . لقد أصبحت عادة في هذه البرامج ممن يسمون النخبة أن يهاجموا الفكرة الإسلامية ولهذا في رأيي سببين رئيسيين أولهما الفكرة التي تأصلت في ذهن كل الطامحين إلي المناصب خلال الفترة البائدة بأن مباركة الولايات المتحدة للمرشحين لهذه المناصب شرط أساسي للولاية وهذا ما ظهرت دلالة عليه في ترشيح مصطفي الفقي كأمين للجامعة وهو الذي كان قد صرح بأن من يخلف مبارك لابد أن يكون مرضيا عليه من أمريكا واسرائيل والسبب الثاني أن كثيرا من العاملين في الحقل الإسلامي ومنهم السلفيون قد أساءوا التصرف في اندفاعهم نحو العمل السياسي دون خبرة ولا هدي ولا مصباح منير وهو ما جعل عاملين آخرين في نفس الدائرة يحاولون التخفيف من غلواء هذا الإندفاع ولا يجدون وسيلة للطمأنة سوي القول بقبول بعض الأفكار التي تتعلق بالتنازل عن فكرة المرجعية الإسلامية ولو مؤقتا حتي تستقر الأمور ، فلا يجد من يهاجمون فكرة المرجعية الإسلامية غضاضة من السير قدما في سبيل هجومهم على الفكرة الإسلامية وقد استشعروا شرعية لذلك من كثرة تكرار القول والقائلين به .
- والحقيقة التي ربما يحاول الكثيرين عدم فهمهما في خضم التكرار الذي يعلم هؤلاء الشطار أن مصر دولة اسلامية منذ نحو خمسة عشر قرنا ، وبين المسلمين منهم يولد الأطفال فيؤذن الآباء في آذانهم وكانوا يدعون الله من قبل بدعاء ورد في القرآن أن يهب الله لهم ذرية طيبة ويختنون أولادهم بعد الولادة وكل المصريين المسلمين يشتركون في هذه التصرفات ويعلمون أولادهم الصلاة وأن السرقة والزنا والكذب والقتل حرام شرعا وجميعهم يرفضون بكل ما اتوا من قوة أي مساس بالإسلام يتعلق بما هو معلوم منه بالضرورة أو أي سباب للنبي الكريم عليه افضل الصلاة والسلام أو لصحبه الكرام وجميعهم يرفضون منع الحجاب وعندما شاهدت القداس في اطفيح وجدت كل المسيحيات وقد غطين رؤسهن وارتدين الطرحة التي تخلي عنها كثير من المسلمات المودرن وكان زملائي المسيحيين في المدارس يحفظون بعض السور القصيرة من القرآن وكان مكرم عبيد باشا يحفظ القرآن كاملا حتي يستعمل آياته البينات في مرافعاته للتأثير على المحاكم بلاغيا ، وأذكر في احدي الجلسات العرفية لتصفية تركة جارنا المسيحي ان أولاده وبناته لم يتجادلوا أبدا بأن للذكر مثل حظ الأنثي بل قالوا جميعا بأن للذكر مثل حظ الأنثيين وهم لا يجدون غضاضة عندما يعبث اطفالهم بالراديو ويتركوه وهو يتلو القرآن ساعات وساعات دونما أن ترتعد عظامهم ولا تنهار أعصابهم ، توقف أحد الصعايدة ببيتنا ليبيع لنا عسلا كان يلبس عمامة بيضاء وجلبابا وسألته عن اسمه قال ان اسمه رمضان وأثناء الغداء شمر عن ساعده فوجدته وقد رسم صليبا كبيرا على يده وسألته ألم تقل ان اسمك رمضان قال نعم قلت له انت مسيحي ؟ قال نعم وضحك وضحكنا ونحن نرتشف عسلا صنع في مصر بأيدي مصرية مسيحية كانت أو مسلمة . لي جار مسيحي كانت ابنته ترتدي حجابا وهى في سمتها كأنها مسلمة وكان أبوها دائم الحوار معها بأن تغير بعضا من هذا السمت ويشتكي لنا منها ويقول أنا خايف البنت تسلم ، ونحن في مركز قلين منذ أن سمي بهذا الإسم لم نطلب في أي وقت ان يغيروا اسمه رغم علمنا بأن قلين هو اسم قسيس وفي كفر يوسف حنس لم يطلب احدا تغيير الإسم وعزبة نصيف وكفر يوسف داود ونشرت وحتي في شباس عمير التي تعني بالعبرية منفي عمير مع بعض التطوير في المفاهيم هذه هي المرجعية الإسلامية التي يمارسها المصريون جميعا في بيوتهم ومع أبائهم وبناتهم وزوجاتهم ،وهى تختلف كليا عن ولاية الفقيه التي هى نتاج انحراف فكري ربما ظهر في وقت كانت هناك نخبة في مكان ما تنادي بطمس المرجعية الإسلامية فظهر رأي مضاد يقول انها مرجعية اسلامية بل ولا يمارسها غير الفقهاء وهى ليست مرجعية كهنوتية كالتي مارسها البابا في روما مئات السنين يحدث الناس كل يوم فيها عما أخبره الله بالليل ، إنها مرجعية تضع للعقل النصيب الأكبر بين الموارد البشرية والهبات الربانية هذه هى المرجعية الإسلامية ولكن النخبة لا تزال تصر على أن مصر لا يجب أن تكون لها مرجعية إسلامية . وهنا لعل لي الحق في أتساءل مع المتسائلين ؟ ماذا تريد النخبة ؟ هل تريد شعبا غير الشعب المصري ؟ هل تريد النخبة إعادة برمجة للفكر المصري ؟ وإن كانت أجيالا وأجيالا من الحكام المهزومين والحكام المتفرعنين والحكام العملاء لم تستطع طمس هذه الهوية عند المسيحيين فكيف بها تظن أنها تسطيع ذلك مع المسلمين .
- إن الهوية الإسلامية للمجتمع المصري هى هوية مدنية بطبيعتها وهى التي تضع الميزان للحقوق بين المسلمين وغيرهم من الأقليات الدينية على أساس من الرقي لم تشهده أية حضارة من قبل ولا من بعد ألا إكراه في الدين وتضع ميزانا للعدالة أن إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل وتضع ميزانا لحقوق الإنسان بعقاب من يهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وأن من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا وهى القاعدة التي صاغ على اساسها الدكتور شريف بسيوني ميثاق تأسيس محكمة الجنايات الدولية وتضع ميزانا للعمل بالحض عليه فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون وتضع ميزانا للعلاقات الدولية أن الله لا يحب المعتدين ، إلي آخر الآيات الظاهرات للكافة من القرآن والسنة وهذه المرجعية الإسلامية هى التي احتفظت للمسيحيين بدينهم حتي اليوم دون طمس وهل يعقل أن يحتفظ المسيحيين بدينهم الي اليوم في غير مناخ الحرية والسلام الإجتماعي ، إن القول بغير المرجعية الإسلامية هو تأسيس للطائفية في غير الإطار الدستوري إذ سوف تنشأ جمعيات علنية وسرية من كل طوائف المجتمع تتناحر في خارج اطار الدستور سرا وجهارا ويوم تحدث الفتنة الكبري سوف نجد أصحاب الياقات البيضاء ممن يسمون انفسهم بالنخبة ينادون بالمبادئ الإسلامية الأصيلة ويهرعون الي الأزهر لتوضيح الأمر وتجليته وهم في هذا يرجعون الي الحق بمرجعية اسلامية بعد أن تكون قد تكونت الفرق وتعمقت الفرق وتشتت المفاهيم .
- لقد أثبت الشباب في ميدان التحرير والأقاليم أن حسهم السياسي أقوي من حس كثير من دعاة الفكر والثقافة وهم في حواراتهم حازوا إعتراف الجميع المثقفين ومدعي الثقافة ، رأيت خبازا يتكلم ولم أعرف انه خبازا الا في نهاية حديثه يتحدث عن ضرورة تغيير الوزارة بفكر راق يتفوق به على كثير من وزراء ديفيد كاميرون وكان يتحدث ومن خلفه مجموعة من المتظاهرين وقد استمعوا له في انصات ثم لم يسعهم بعد أن انتهي من حديثه إلا أن صفقوا له وانصرف دون أن يخبرنا عن اسمه وانصرف المتظاهرون . رأيت شبابا يتحدثون باسم الثورة وقد شربوا العلم من الإنترنت ففاقوا في قدرتهم الإقناعية مدراء الأجهزة الإستراتيجية وخبراء المباحث السياسية وصفوة فقهاء المراكز العلمية وهم لا يقبلون الرشوة بالمناصب ولا يستميلهم الخوف من المباحث سنوات طويلة كما هو حال النخبة ، وكل طموحاتهم تنصب على أن يأكلوا خبزا غير منتج للأورام وشوارع ليست بها فخاخ للموت وحقوقهم الطبيعية في السلطة والثروة والحق في التعبير والسبيل نحو الحرية أما النخبة فلهم طموحات فضحتها سنوات حكم مبارك إذ طالما نافقوا مع المنافقين وصفقوا مع المصفقين وحزنوا حزنا شديدا عندما استأصل مبارك ورما طالما شكروا الله أنه كان حميدا .
أيتها النخبة التي لمعت وأصبحت نخبة في عهد التشوه النفسي الذي سببه حكم حسني مبارك وعصابته ، ندعوكم لحفل غداء في أي فندق تختارون لكي تعلنوا للشعب المصري اعتزالكم الثقافة المشوهة واعتناقكم فكر الشباب المصري بكل طوائفة لكي تعلنوا فشلكم في فهم الواقع ولكي تصبحوا جزءا من الواقع الجديد . فالشعب يريد اسقاط الفكر القديم وان كنتم تعتبروننا اسلاميين من ناحية الديانة فهل تعتبروننا إمصريين من ناحية الجنسية ؟