بقلم: محمد رجب سالم
"بسم الله الرحمن الرحيم"
السيد الرئيس السابق لجمهورية مصر العربية/ محمد حسني مبارك..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد..
فهذه نصيحة غالية ثمينة، أتقدَّم بها إليك أداءً لواجبي الدعوي، وقد قال سيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة"، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم".
كم حاولنا التحدث إليك، وكم كتبنا إليك إبان سلطانك، ولكن سورًا فولاذيًّا صنعته بطانتك الفاسدة حال دون ذلك، حتى لا تسمع الحق، ولا تبصر النور.
واليوم، وقد انتزع الله ملكك، وأزال سلطانك، فأنت في أمسِّ الحاجة إلى وقفة صادقة مع النفس للمحاسبة، علَّ الله أن يرزقك الأوبة والتوبة قبل أن تلقاه.
وهذه الوقفة تحتاج إلى تدبر الحقائق الآتية:
أولاً: أن ثبات الممالك واستقرار العروش مرهون بالعدل، وأن زوالها نتيجة حتمية للظلم والقهر، وقد شهد عصرك ظلمًا كبيرًا، وبغيًا مستطيرًا طيلة 30 عامًا حدث فيها:
1) أن حكمت شعبك بالحديد والنار، ولم يعرف الناس من الديمقراطية إلا كلمات في صحف المعارضة، سَدَدَت دونها أذنيك، وأغلقت عقلك، وأما مجالسك النيابية ممثلة في مجلسي الشعب والشورى؛ فقد شكلتها من المنافقين المصفقين لك، ومن حملة المباخر الذين كانوا يسبحون بحمدك صباح مساء، ولم تأبه بإرادة الشعب، وجعلت التزوير ديدنك، والتزييف وسيلتك، وجعلت مصر وثرواتها كلأً مباحًا لك ولبطانتك، فسلبتم البلاد وقهرتم العباد.
2) أن واليت أعداء الله من الصهاينة ومن والاهم، وعاديت أولياءه من شرفاء الدنيا وأحرار العالم.
3) أن غيبت دور مصر عربيًّا وإقليميًّا ودوليًّا.
4) أن كنت حارسًا أمينًا للمصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة العربية، بل وكنت محققًا مخلصًا لها، فهلا ذكرت وتدبرت قوله تعالى: ﴿قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾ (آل عمران)؛ وهلا تدبرت أيضًا ضراعة هارون الرشيد وهو في مرض وفاته، حيث قال: "يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه".
ثانيًا: أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، وقد جربت من قبل- مع شعبك- أسلوب العناد تارةً، وأسلوب الإهمال واللامبالاة تارةً أخرى، أما وقد نُزع الملك، وتغير الحال، فلا بد من وقفة صادقة مع النفس ومراجعة للحسابات، واضعًا نصب عينيك قول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ضع فخرك، واحطط كبرك، واذكر قبرك".
ثالثًا: أن التوبة الصادقة هي الباب الوحيد المؤدي إلى عفو الله، ثم إلى عفو الشعب، وهذه التوبة تقتضى أمورًا حتى تُقْبَل من الله الذي حلم عليك طويلاً، ثم من الشعب الذي قهرته طويلاً:
1) أن تترك المكابرة والجدال وتعترف بذنبك في حقِّ ربك وفي حق شعبك، مع الندم على ذلك.
2) أن ترد المظالم إلى أهلها وما أكثرها، وعلى رأس هذه المظالم الأموال التي أخذتها بسلطانك من مصر الكنانة وهربتها إلى بنوك ومصارف الخارج؛ وكم أسفت حين سمعتك تقول- في خطاب مسجل أذاعته "قناة العربية": "إنه لا يوجد لديك حسابات ببنوك أجنبية، وكذلك الشأن بالنسبة لزوجتك وولديك"، في الوقت الذي أعلنت فيه عديد من الدول الأوروبية عن تجميدها لأرصدتك وأرصدة أسرتك عقيب نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير، فليت شعري هل بات هناك مجال للافتراء والاختلاق، بعد أن أصبح الصباح وتجلى نوره لذي عينين؟!!. إن هنا متسعًا في الدنيا قبل أن تلقى ربك، وأنت الآن في أرذل العمر، وبين يدي خالقك لن تجد ما ترد به المظالم والحقوق إلى أهلها، فحاسب نفسك اليوم في الفانية قبل الحساب العسير في الباقية؛ حيث الموازين الإلهية القسط، التي لا تترك شاردة ولا واردة، والتي تحسب الفتيل والنقير والقطمير.
السيد الرئيس السابق: هلا ذكرت قوله تعالى: ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ (البقرة من الآية 188).
وهلا ذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه"، وحديثه أيضًا: "من اغتصب شبرًا من الأرض طوَّقه من سبع أرضين يوم القيامة".
واسمح لي أن أهدي إليك قولاً لخامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز ينمُّ عن حرصه على مال المسلمين، وعن تصريفه في مرضاه الله، ووفقًا لشريعته، حيث قال: "إنا والله ما وجدنا إلى هذا المال سبيلاً إلا أن يؤخذ من حق، فيوضع في حق، ولا يمنع عن حق"؛ وخذ هذا القول أيضًا له رضي الله عنه يذكر فيه نفسه، ويعظ ولاته وبطانته: "فلتجف يداك من دماء المسلمين، وبطنك من أموالهم، ولسانك من أعراضهم، فإذا فعلت ذلك فليس عليك سبيل، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) ﴾ (الشورى).
ألم ترَ اليوم كيف انفض عنك أعوانك ورجالك وبطانتك، ولسان كل واحد منهم يقول: نفسي نفسي، فكيف يكون حالهم معك يوم الدين؟! يومها ينطبق عليك وعليهم قوله تعالى: ﴿الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (67)﴾ (الزخرف).
لقد نشرت صحيفة "الموجز" المصرية في عددها رقم 253 الصادر في صبيحة الإثنين 11/4/2011م نبأ عن زيارتك لقبر حفيدك الطفل "محمد علاء" في الأسبوع الأول من أبريل، وأنك بكيت بحرقة عند القبر، فهل هذه دموع ندم ذرفتها مقدمة لتوبة صادقة؟! أرجو ذلك، وقد ذكرت لك شروط التوبة من ندم عما بدر من ذنب، وإقلاع عنه، وعزم صادق على عدم العودة إليه، ورد مظالم الشعب وحقوقه وأمواله إليه.
على أنه ينبغي عليك أن تذكر أن حفيدك الفقيد ليس بأغلى من أطفال فلسطين، الذين اغتال براءتهم العدو الصهيوني؛ وذلك على مسمع ومرأى منك، بل وبمباركةٍ من فخامتك؛ وهلا ذكرت احتلال العراق، وتقسيم السودان، والعدوان الدائم على لبنان؛ حيث كُنت في ذلك كله في صفِّ المعتدين، بل في حلف الشيطان؟! وكلها إنجازات عظيمة توضع في ميزان سيئاتك.
السيد الرئيس السابق: البدار... البدار... المسارعة... المسارعة إلى التوبة والأوبة قبل أن ينزل بك القضاء ويحل القدر، وقد أعذر من أنذر.. والسلام.
المرسل: ناصح أمين
من شعب حرَّره الله من ظلمك وبغيك.
-------------------