تجددت أزمة السولار في موسمها مسببة شللاً ظاهرًا في قطاعات النقل والمخابز وغيرها، فضلاً عن إهدار آلاف ساعات الإنتاج وملايين الجنيهات على الاقتصاد المصري، في طوابير تمويل السولار، والتي يبلغ متوسط طولها نحو كيلو متر.
تكرار الأزمة على مدار السنوات الماضية كان إحدى الدلالات التي تشهد بغياب إدارة معالجة الأزمات عن عقلية النظام البائد، فيما تصاحبت هذا العام بإنذارات شديدة من تعرُّض مصر لأزمة طاقة حقيقية مقبلة خلال السنوات القادمة؛ بسبب سياسة النظام المخلوع التي عملت على إهدار احتياطي مصر من البترول والغاز الطبيعي.
(إخوان أون لاين) التقى إبراهيم زهران الخبير الدولي وعضو معهد بحوث البترول والمنسق العام لحملة لا لتصدير الغاز المصري؛ للكشف عن أسباب أزمة الطاقة الراهنة، ورؤيته لكيفية علاجها، وتصور الأوضاع في السنوات المقبلة.. فإلى تفاصيل الحوار:
* تتكرر أزمة السولار والبوتاجاز في نفس التوقيت من كلِّ عام.. فما السبب وراء ذلك؟
** الأزمة تتكرر في موسم الحصاد حين يزداد بصورة كبيرة استخدام الفلاحين للسولار في الآلات والماكينات لحرث الأراضي الزراعية، ونقل المحاصيل الزراعية؛ ما يستوجب استهلاك كميات كبيرة من الوقود، وعلى الرغم من تكرار الأزمة منذ سنوات عديدة إلا أن الحكومات كانت تتعامل مع الأزمة كما لو ظهرت فجأةً؛ حيث تعمل هذه الحكومة بسياسة رجل المطافي الذي يعمل على إطفاء الحريق بعد اشتعاله، ولا يحاول تجنب وقوعه، كأنه من المفروض على المصريين أن يخضعوا لنفس الامتحان كل عام ويرسبوا فيه، وهو ما يؤكد أن النظام السابق أسَّس إدارةً غبيةً للموارد.
* مَن المسئول في رأيك عن تفاقم هذه الأزمة؟
** المسئولون عن هذه الأزمات المتكررة ما زالوا في مواقعهم، ولم يتغير سوى الوزراء فقط، فالعقلية المتسببة في جميع الأزمات كما هي؛ ولذلك نطالب برحيل هؤلاء، فلا يُعقل أن يخرج الشعب المصري في ثورة 25 يناير، ويسقط منهم الشهداء لتستمر نفس السياسة الغبية لإدارة الأزمات، والتي تؤثر سلبًا على الإنتاجية والاقتصاد؛ حيث تعطل العمال ساعات كثيرة في الوقوف في الطوابير انتظارًا للحصول على الوقود، وما شهدته في وسط الدلتا من طوابير الناقلات التي تصل إلى 2 كيلو تعتبر طاقة معطلة، كلُّ هذا بسبب تراخي مسئول في سداد الأموال اللازمة لاستيراد السولار.
فكر وشفافية
* كيف تقيم أداء قطاع البترول ودوره في مواجهة الأزمة الحالية؟
** قطاع البترول يعمل بالعقلية المباركية المتخلفة، فهو المتهم الأول في أزمة الطاقة؛ حيث نعاني في مصر من أزمة طاقة التي تتمثل في البنزين والسولار والبوتاجاز وكل مشتقات البترول، والتي تحتاج لمراجعة لأداء القطاع بصفة عامة لتطويره، علمًا بأن قطاع البترول طبقًا للمادة 3 في القانون 20 لسنة 76 ينص على أن الهدف من إنشاء الهيئة العامة لقطاع البترول هو توفير المنتجات البترولية الأساسية للمواطن، وإذا فشلت في ذلك فعلى المسئولين عنها أن يرحلوا، ونبحث عن الأفضل لتنفيذ القوانين التي قامت الثورة من أجل سيادتها.
* وما العلاج من وجهة نظرك؟
** يجب النظر إلى علاج الأمر بشكلٍ وطني يعتمد على الشفافية والأفكار غير التقليدية بعيدًا عن المحسوبية والسمسرة؛ حتى نستطيع أن نعمل على تطوير مصر وتنميتها التي لا يمكن أن تتحقق دون طاقة، التي يجب أن توفرها الحكومة.
حلول وبدائل
* وما هذا الحل العملي الوطني؟
** الحلُّ يكمن بإعادة تخطيط المنظومة بشكل كامل بعيدًا عن سياسة السمسرة التي كان ينتهجها النظام المخلوع، وترتكز معالجة الأزمة على محورين الأول: زيادة الموارد من خلال تشجيع الاستثمار الجاد الذي قام وزير البترول السابق سامح فهمي بالقضاء عليه من خلال استقدام شركات لتوظيف وغسيل الأموال والسمسرة، والتي لا تنتج شيئًا، ونحتاج لسنوات لتطهير القطاع من هذه الشركات، مقابل تشجيع الشركات الجادة للاستثمار في هذا المجال، بالإضافة إلى البحث عن مصادر زيادة الموارد بشكلٍّ سريع من خلال الاستثمار بمناطق إنتاج في الدول المحيطة، وزيادة حصة الشركات القائمة بالفعل، وتعديل الاتفاقيات الخاصة بتصدير الغاز حتى يعود بمردود أكبر مما هو عليه الآن.
* وماذا عن المحور الثاني؟
** وهو يتلخص في ترشيد الاستهلاك، وهناك العديد من الأفكار والدراسات التي تَقَدَّم بها الخبراء في هذا المجال؛ لتحقيق أعلى نسبة من الاستفادة من مصادر الطاقة بأقل الإمكانات، ويتحقق ذلك من خلال عدة أمور منها تطوير النقل النهري لرفع استغلاله من 0.5% إلى 5%؛ ليوفر أكثر من 2 مليون طن سولار في السنة، ويحتاج هذا التطوير 900 مليون جنيه، بينما تدفع خزانة الدولة في استيراد السولار سنويًّا 3 مليارات دولار؛ ولذلك يعتبر النقل النهري من أكثر المصادر الموفرة للطاقة خلال الفترة القادمة.
ويضاف إلى ذلك استخدام السكة الحديد للكهرباء، واستخدام جميع وسائل المواصلات للغاز الطبيعي بدلاً من السولار؛ حيث يجب أن يزيد الاعتماد على الغاز والاستفادة منه بدلاً من تصديره دون مقابل للخارج، وهو ما يمكن من خلاله توفير أكثر من 8 ملايين طن من السولار في السنة.
وهناك مشاريع طويلة وقصيرة الأجل لحلِّ هذه المشكلة، ودراسات جدوى لمشاريع توصيل الغاز الطبيعي إلى كلِّ بيوت مصر خلال 6 أشهر، والاستغناء عن 740 مليون أسطوانة بوتوجاز؛ ولكن المستورد الذي يحصل على عمولات استيراد هذه الأنابيب حتى الآن هو مجدي راسخ صهر الرئيس المخلوع، كما أن سمير سامح فهمي نجل وزير البترول السابق هو الوكيل المستورد، والذي يحصل على عمولات استيراد كل مواد الطاقة التي تكلفنا 15 مليار جنيه.
* لماذا لم تقدم هذا التصور إلى المسئولين لتنفيذه؟
** سبق أن تقدمت بهذا التصور أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، وهو مسجل في المراكز البحثية المتخصصة، ولكننا اعتادنا على أن الحكومات المصرية المتعاقبة صماء لا تسمع لنصائح المتخصصين، فلا يسمعون أو يتخذون خطوات جادة لتنفيذها.
خيانة الغاز!
* هل أسهمت اتفاقيات تصدير الغاز في زيادة حدة أزمة الطاقة؟
** تصدير الغاز المصري كان خطأً إستراتيجيًّا فادحًا يرقى إلى الخيانة العظمى، ووقف التصدير سيساعد في احتواء الأزمة بشكلٍ مرحلي، ويرجع ذلك إلى أن حجم الاحتياطي الذي تملكه مصر 23 مليون قدم من الغاز، وتمَّ التعاقد على تصدير ما يقرب من 18 مليون قدم، والمتبقي للشعب في الفترة الحالية 5 ملايين قدم، بينما تشير الدراسة التي أعدتها الشركة القابضة للغازات إلى أن احتياج الشعب المصري 83 مليونًا حتى عام 2032م، وهذا يعني أننا بحاجة إلى استيراد كميات كبيرة من الغاز بعد استهلاك الاحتياطي.
وستكون مصر من أكبر المستوردين لمصادر الطاقة لو استمرت نفس السياسة التي تدير ملف الطاقة بمصر، وخاصةً أنها بدأت في استيراد البترول منذ عام 2005م.
* كيف يواجه الشعب المصري هذه الأزمة؟
** المطلوب من الشعب التكاتف للضغط على الحكومة الحالية لتغيير منظومة الحكم والعقلية التي أثبتت فشلها في مواجهة الأزمات المختلفة.
* الحديث عن مصادر بديلة للطاقة، كيف ترون استغلالها خلال السنوات القادمة؟
** جميع المصادر البديلة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية محدودة، ومهما تطورت ستساهم فقط بنسبة قليلة جدًّا لا تتعدى الـ3%؛ ولذلك يجب التعامل معها برؤية وعقلية ابتكارية وإرادة سياسية، مثل الأبراج الشمسية التي يتم تطبيقها في أسبانيا وأوكرانيا، وتتناسب في نفس الوقت مع الطبيعة المصرية، وتحتاج فقط 100 مليون دولار، ويمكن اقتراضه من البنك الدولي.