نموذج بارز للعلاقة الحميمة بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هو ذلك الارتباط القوي بينهما، وهو دليل في الوقت نفسه على متانة العلاقة بين آل البيت الأطهار والصحابة الأخيار؛ فعندما خطب الفاروق أم كلثوم من أبي تراب، وهي كنية علي رضى الله عنهم أجمعين، بَيَّنَ له الفاروق السبب قائلا: لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي»، فأراد بذلك أن يزيد في نسبه ومصاهرته آل البيت النبوي الكريم رغم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد تزوج ابنته حفصة رضي الله عنها.
ولما أراد عمر رضى الله عنه أن يفرض للناس، بعدما فتح الله على المسلمين، بدأ بالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن بني هاشم رهط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرض للعباس، ثم لعلي، حتى والى بين خمس قبائل حتى انتهى إلى بني عدي بن كعب (أي قومه).
وعن أبي جحيفة قال: سمعت عليا على المنبر يقول: "ألا أخبركم بخير هذه الامة بعد نبيها؟ ابو بكر، ثم قال ألا اخبركم بخير هذه الأمة بعد ابي بكر؟ عمر" روى هذا الأثر بضع وثمانون نفسا منهم الإمام أحمد في مسنده [ج 1 ص 106 ـ 113].
وقد تجلت العلاقة الحميمة بينهما في عبقرية علي وصدق نصيحته وشدة حرصه وعظيم مودته عندما استشار عمر الناس للخروج إلى نهاوند، حيث تجمعت جحافل الكفر والشرك لقتال المسلمين، فأبى علي ذلك وأشار على عمر بالبقاء وإرسال من يحل مكانه حفاظا على أمير المؤمنين وصونا لبيضة الإسلام والمسلمين، وخوفا من انفلات الأمر، فأخذ عمر بنصيحته، وتمسك بمشورته وأرسل النعمان بن مقرن المزني.
وبمثل ذلك ايضا أشار عليه عندما هم بالخروج لقتال الروم في معركة اليرموك قائلا: "إنك متى تسر إلى هذا العدد بنفسك فتلقهم بشخصك فتنكب لا تكن للمسلمين كافة دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه فابعث إليهم رجلا مجربا، واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهره الله فذلك ما تحب، وإن تكن الأخرى كنت ردءا للناس ومثابة للمسلمين" [نهج البلاغة ج2 ص 309]، وعلى العكس تماما عندما طلب النصارى أن يأتي أمير المؤمنين لكتابة الصلح وتسلم مفاتيح المسجد الاقصى، فقد أشار علي على عمر بالخروج لما في ذلك من شرف تاريخي مجيد لا يتأتى لكل أحد في كل حين، مع الأمن الكامل من حصول أي مفسدة، وتتجلى الثقة الكاملة بينهما أن اخذ بمشورته وخلفه على المدينة.
ويروي لنا ابن أبي مليكة أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول حين استشهد الفاروق، وضع عمر على سريره، فتكنفه الناس يدعون قبل أن يرفع وأنا فيهم، فوضع رجل فيهم منكبي، فإذا علي، فترحم على عمر رضي الله عنه وقال: ما خلفت أحدا أحب إلي أن القى الله بمثل عمله منك، وأيم الله أن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كنت كثيرا أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر » (متفق عليه).
وقد ورد في نهج البلاغة [ج2 ص 505] ثناء علي على عمر بقوله: "لله بلاء فلان ـ أي عمر ـ فقد قوم الأود، وداوى العمد، خلف الفتنة، وأقام السنة، ذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها، وسبق شرها، أدى إلى طاعته، وأتقاه بحقه"، هكذا كانت العلاقة في سناء وشروق بين أبي تراب والفاروق رضي الله عنهما.
نسأل الله أن نهتدي بهديهم من سلامة الصدور وحسن العلاقة والتراحم.