بقايا أمل


مقدمة
الحياة كنز ثمين ولكنه مسحور لا يرضخ أبدا لمريديه
ولكل إنسان كنزه في الحياة يسعى إليه ولا مانع من تقديم بعض التضحيات او التنازلات فى رحلة البحث عن هذا الكنز فمن الناس من يبحث عن المال ومنهم من يبحث عن النفوذ السلطة ومنهم من يبحث عن الصيت والشهرة ومنهم من يبحث عن دينه ومنهم من يبحث عن نفسه التي تاهت منه في خضم الحياة الفانية
ولكن في النهاية كل البشر خطاءون فتلك طبيعتهم التي خلقهم الله عليها ولذلك فهو ارحم بهم من أنفسهم فوهبهم تلك الرحمة لأنه خالقهم ويعرف ضعفهم .

***
روايتي هذه وهى أول رواية طويلة اكتبها من وحى خيالي يعيش بطلها الكثير من الأحداث و المتغيرات ويتحمل العديد من المحن والمشكلات يخطئ ويصيب ولكنه دائما ما يتعلق ببقايا أمل



الفصل الاول


العوده

@@@
ها انذا أعود الى حارتى ومسقط راسى ( حارة الشكمجيه ) التى تقع فى وسط البلد نهاية شارع محمد فريد المتفرع من ميدان الفلكى (باب اللوق)
بعد سنوات من العمل المرهق والسعى فى بلاد الله والتعايش مع خلق الله من كل الجنسيات والفئات والاعمار اعود بخفى حنين خالى الوفاض بعدما سئمت من مشقة السفر واللهث وراء المال دون جدوى كنت كريشة فى مهب الريح تطوحها كيفما تشاء وتلقى بها فى اى مكان , تركت سنين تلك الغربه فى داخلى اثرا عميقا وجروحا لا تضمد حتى اصبحت كالثوب المرقع المتهالك المليء بالثقوب وفى كل مره احاول اصلاح رقعى بخيوط الامل الذى عانيت فى انتظاره طويلا .
ها هى الحارة العتيقه التى ترعرعت فيها منذ نعومة اظافرى بابوابها الخشبيه القديمه التى اكل عليها الدهر وشرب ولكنها ابدا لا تكل ولا تمل فما زالت محتفظة بقوتها ومتانتها الا من بعض التاكل الذى اصاب حوافها القريبه من الارض بفعل الرطوبه
مازالت نوافذها تحمل نفس رونقها منذ تركتها الا من بعض القشور التى ظهرت بسبب عوامل الطقس المتغيره والهواء والشمس , الخشب الابنوسى المنحوت على الطرز المعماريه الاسلاميه والزجاج الملون الذى يشبه ما نسمع عنه فى حواديت الف ليله وليله شوراعها الضيقه المرصعه ببلاط محبب على هيئة اشكال سداسيه ولكنها تأكلت بفعل المشى عليها حتى اصبحت ما يشبه القمم والقيعان وتضاريس اخرى كثيره ومختلفه . عندما لفحتنى نسائم الهواء الخارجه من الحاره معبقة بروائح طعام شهى تذكرت ايام الطفوله عندما كنت الهو مع الصبيان ويقتلنا الجوع فنلملم من بعضنا بعض النقود من مصروفنا اليومى ونتجمع عند عم سعيد الفوال فنعطيه النقود فيجهز لنا الغدوه المعتبره من الفول بالزيت الحار مع الفلافل الساخنه المقرمشه والطرشى وقطع الطماطم ورؤوس البصل الاخضر والجرجير والخبز الطازج فنفترش الارض فى دائرة مغلقة فنأكل حتى السطل ثم نعود الى بيوتنا ننام نومة الكلاب الضاله فيما يسمى باستراحة المحارب بعد يوم عاصف تأهبا لغزوات اخرى من اللعب فى المساء الذى بات قريبا .
- افقت من شرودى على صوت الزغاريد التى ترن اصدائها فى الحوائط والجدران من نساء يقفن فى المشربيات بدأن فى الظهور الواحده تلو الاخرى يليهم الاطفال ثم الرجال فى دهشة لمعرفة سبب هذه الضوضاء التى ملأت الحاره كأنها زفه بلدى
يبدو ان احدى الجيران تعرفت على ولم تلبث ان اذاعت خبر وصولى فانتشر الخبر كالنار فى الهشيم
الابتسامات تعلو الوجوه بعضها ابتسامات فرحة والاخرى مترقبة حذره شعرت بالخجل الشديد اذاء تلك الاجواء واحمر وجهى فاسبلت جفونى صوب الارض فى حرج شديد اصوات من قريب ومن بعيد تردد عبارت الترحيب
- اصوات متداخله منها الغليظ ومنها النحيف الناعم
- حمد الله على السلامة يا سمعه شرفت ونورت حتتك , والله ليك وحشه , ازاى الصحه وانا ارفع يدى ملوحا بها كأننى بطل مغوار قادم من معركه حربيه ابليت فيها بلاء حسنا
- الكثيرون يعتقدون بعد تلك الغيبه الطويله ان تحت القبه شيخ واننى احمل فى طيات ملابسى الكثير والكثير من اوراق البنكنوت والاموال التى جمعتها فى الغربة او ربما فى حقيبتى التى احملها فى يدى فهى تبدو منتفخه من الجانبين كبطن الفرس الابجر والذى يخيل الى من يراها ان بها كنز على بابا
لكن يبدو ان الحاره طرأ عليها بعض التغيير الذى اضاف الى مظهرها كثيرا من التطور فقد كثرت المحلات والدكاكين على الرغم من احتفاظها بهيئتها العامه وخاصة بعض الاشخاص الذين يقطنون الحاره منذ القدم
فى مدخل الحاره على اليمين يقف عم سعيد الفوال وقفته المعتاده وراء منضدته الحديديه ذات العجلات الحديديه ايضا تبدو جديده فكأنه قد قام بتصنيعها حديثا عند الحداد عموله فوقها تقبع قدرة الفول التى يتهداى الدخان من فوهتها فى رقصة لا تتغير ابدا بجانبها قصعة الزيت القديمة التى تبدو وكأنها صنعت ابان الحرب العالمية الثانيه يكسو السواد والشحم المحترق طوقها الدائرى والزيت يقرقع فى قاعها من شدة الغليان الى جانب مجموعه من الاطباق المليئه او نصف المليئه بالطرشى وقطع البازنجان المخلل والطماطم المتبله ورؤوس البصل الاخصر تحملها حوامل حديديه صنعت خصيصا لهذا الغرض وهى مرتبه ترتيبا شهيا تجعلك مجبرا على الاكل , ها هو ذا يتجه نحوى بعدما غسل يديه بسرعه فى اناء به ماء امامه وهو ينشف يده فى مريلته التى تتدلى على كرشه معلقة فى رقبته بنسيره من القماش من نفس نوع قماش المريله التى يبدو انها لم تغسل منذ عدة شهور هو رجل بسيط يكفيه القليل ويرضيه, سمح الوجه طيب القلب علامة السجود فى ناصيته كانها نور الصباح عريض الكتفين وضخم الجثه لونه يميل الى الحمره الداكنه انفه مفرطح تحته شارب كثيف لا يتوانى عن التفاخر والتباهى به فى جلسة الرجال وكأنه بالنسبة له علامة الرجوله ورمزا للفحوله اقترب منى ومد يده وهو يصافحنى ويحتضننى بحراره وهو يردد فى لهوجه حمد الله على السلامة يا اسماعيل فينك يابنى وفين اراضيك ما ان انتهى من ترحيبه انف عائدا الى عربته واقفا وقفتة المعتاده , التقفنى عم يوسف البقال الذى احمل له فى ذمتى خمسون قرشا كنت قد اشتريت بها سجائر فرط قبل سفرى بايام قليله ولم اردها له تذكرتها حال رؤيتى له ولكن يبدو انه قد نسيها ,عانقنى مقبلا خداى بشفتيه الغليظتين هو فى الخمسينات من عمره قريب الشبه من الممثل اسماعيل ياسين مع بعض التعديلات يصبح نسخه منه كما انه ايضا يتمتع بخفة الدم وحلاوة الروح يبارى فى ذلك اعتى الكوميديانات ولى معه ذكريات جميله فهو ملاذا وملجأً لمن يضربه الفلس فيميل عليه فلا يرده الا وهو مجبور الخاطر على بعد خطوات من عم سعيد تجلس الخاله بديعه بائعة الخضار مازالت سحنتها كما هى لم تتغير الا انها ظهر عليها اثر السن بعض الشئ صغيرة الحجم تظهر التجاعيد العتيقه فى وجهها ويديها الخشنتين التى تبدو وكأنها صدأت انفها المدبب الحاد وعينيها الضيقتين السوداوين بجلبابها الفلاحى الاسود اللون الذى اعتقد انها لا تبدله ابدأ يتدلى من طوق صدرها كيس من القماش الخشن يتداخل فى مجرى طوقه أستيك مطاطى من هذا النوع الذى تدكك به السراويل تشده فيغلق على النقود داخل الكيس باحكام
تفترش الارض امامها مشنة الخضار بها الفجل والجرجير والكسبره والكرات كلها طازجه تقطر من اوراقها قطرات ماء ترشها هى بحرفيه عاليه حتى يبدو الخضروات طازجه دائما لوحت الى من بعيد ورحبت بى بصوتها الرفيع المتهالك الذى يخيل لك كأنه صادر من بئر سحيق
- حمد الله على السلامه يا واد يا سمعه ...... كلمات مكرره !! قالتها بعشم فقد
كانت تحبنى كثيرا وترى فى وجهى دائما صورة ابنها الغائب فريد الذى سافر الى الخارج وانقطعت اخباره وكان صديقا لى ايام دراستنا معا فى كلية التجاره ....
حملت حقيبتى وقصدت بيتى وانا احاول الاسراع حتى لا يستوقفنى احد فقد كنت اشعر بحنين شديد الى بيتى ووالدتى واختى واخى الصغيرين وصورة والدى رحمة الله عليه المعلقه على حائط غرفة الجلوس
اسرعت فى خطواتى متجها صوب البيت وانا على مقربة منه وجدت والدتى امامى وهى تلهث وتنهج بعدما وصلها خبر قدومى ومن الواضح انها نسيت نفسها من هول المفاجاه فنزلت بثياب البيت ارتمت على بلهفه تعانقنى وتقبلنى من خداى بحراره وشوق متأججين دفنت وجهها فى صدرى وانهمرت دموعها حتى بللت ثيابى وانا ابادلها العناق والقبلات على وجهها ويديها وجبهتها يقبع خلفها شابا يافعا , طويل القامة جميل الوجه كأنه القمر ليل تمامه وقف متسمرا مكفهر الوجه جامد الملامح وكأنه ينتظر انتهاء تلك اللحظات الحاره حتى يأخذ دوره انه اخى خالد يالله لم اتخيل انه اصبح هكذا فقد كنت اتخيله مازال صغيرا كم مر من السنين وانا فى هذه الغربه اللعينه التى لم اجنى منها سوى الحرمان حتى من ابسط الاشياء اقترب منى وعانقنى عناقا مترددا وكأننى شخص غريب رغم انه بالتأكيد يحفظ كل تفصيلة فى وجهى من خلال صورى الموجوده فى البيت فملامحى لم تتغير كثيرا او من حكايات والدتى عنى على عتبة البيت تفق فتاة تكاد تقول للبدر قم وانا اجلس مكانك كأنها عروس البحور او جنية الحواديت التى كان ابى يحكى لنا قصصهما دائما ونحن صغار ... اختك جميله شفت اصبحت عروس ... قالتها امى حتى تزيل كل الاندهاش الذى اصابنى اندفعت الىً بشوق وحرارة شعرت بهما اكثر مما شعرت به من عناق خالد لى وبدا لى منذ الوهله الاولى انها كانت تنتظر تلك اللحظه بفروغ صبر وانها تحتاج الى حنانى الذى حكت امى لهم عنه كثيرا فانا اشبه والدى فى كل شئ هكذا تقول امى دائما
حمل خالد الحقيبه وانسل بها داخل البيت , احضتنتى امى مرة اخرى وكأنها تطفى لهيب شوقها لى وغيبتى التى طالت وامسكت بيدى تجرنى كمان كانت تفعل دائما وانا صغير ... تعالى تعالى يا حبيبى نورت بيتك ومكانك اختى تتعلق بكتفى ويعلو وجهها فرحة عارمه صعدنا درجات السلم الثلاث التى ينتهى اثرها متشابكا مع بلاط الشارع فى التئام تام دلفنا فى المدخل الذى يعلو عن الشارع قليلا وانا انظر الى جدران البيت وابوابه التى اشتقت اليها كثيرا ... هاهى غرفتى الصغيره كم عشت فيها من زكريات افراح واحزان
حب المراهقه العفيف النظيف الطاهر الذى لا يلوث القلوب ازحت الباب بيدى انها كما هى منذ تركتها لم يتغير فيها شئ مكتبى الصغير والكتب المرتبه عليه الصور المعلقه على الحوائط سريرى الخشبى الانيق الذى لم اذق نوما الذ من النوم عليه رميت بجسدى عليه كمن اصابته اغمائه فلم يتمالك نفسه فهوى جعلت اتمرغ على الفراش فى شوق ونهم ... احسست براحة عجيبه كمن نفض عن اكتافه جبالا من الهموم والاسى والفكر غمض جفنى ورحت فى نوم عميق

مجهود أكثر من رائع بالتوفيق يابرنس يأبو باسل

الي الامام دائما استاذ /محمد

لا انكر انني معجب جدا بكتابات الاخ ابوباسل وهذا الاعجاب ليس نابع من معرفتي الشخصية به فأنا لم اتشرف بمقابلته ابدا ولكن اعجابي نابع من اتقانه لفن القصة فأنا ليس لي اي صفة نقدية او اكاديمية ولكن مهتم بالادب العربي وعندما تقرأ هذه المقدمة تجد نفسك كأنك بطل القصة والصورة المكتوبة للحارة وبيوتها وابوابها تتحول فيها الكلمات الى واقع تعيش فيه فتنقلك من الخيال الى الملموس وهذه من وجهة نظري حرفية الكتابة وموهبة كبيرة مما دعاني انتظر بشغف ما سيكتب بعد ذلك فهذه الرواية سنكون على اطلاع بها مباشرة وهذا ما سيميزها اي انك اخي القارئ ستستطيع متابعة القصة فور انتهاء الكاتب من اجزائها جزء تلو الآخر ولن تكون كاملة بين يديك دفعه واحدة مما سيزيدنا تشويقا واثارة .

شكرا لمرورك الرائع ابو محمد
شكرا لمروك يا حماده نورت صفحتى
الاستاذ محمد عبد المنعم اولا الشرف لى ان التقى بشخص مثلك يكتب فى ذوقه واخلاقه العاليه دواوين الشعر ثانيا اشكر لك مرورك الرائع المثمر على صفحتى المتواضعه والذى دائما ما يبعث فى داخلى حافزا وتشجيعا قويا على الاستمرار
فجزاك الله خيرا

شكرا لمرورك اخت ناديه