وقال ذو النون المصري رحمه الله تعالى:
إن لله عباداً نصبوا أشجار الخطايا نصب روامق القلوب، وسقوها بماء التوبة فأثمرت ندما وحزناً، فجنوا من غير جنون وتبلدوا من غير عيّ ولا بكم، وإنهم هم البلغاء الفصحاء العارفون بالله ورسوله، ثم شربوا بكأس الصفاء فورثوا الصبر على طول البلاء، ثم تولهت قلوبهم في الملكوت وجالت أفكارهم بـين سرايا حجب الجبروت، واستظلوا تحت رواق الندم وقرؤوا صحيفة الخطايا فأورثوا أنفسهم الجزع حتى وصلوا إلى علو الزهد بسلم الورع فاستعذبوا مرارة الترك للدنيا واستلانوا خشونة المضجع حتى ظفروا بحبل النجاة وعروة السلامة، وسرحت أرواحهم في العلا حتى أناخوا في رياض النعيم وخاضوا في بحر الحياة وردموا خنادق الجزع وعبروا جسور الهوى حتى نزلوا بفناء العلم واستقوا من غدير الحكمة وركبوا سفينة الفطنة وأقلعوا بريح النجاة في بحر السلامة حتى وصلوا إلى رياض الراحة ومعدن العز والكرامة، فهذا القدر كاف في بـيان أن كل توبة صحيحة مقبولة لا محالة." اهـ.
(إحياء علوم الدين للغزالي - كتاب التوبة - الركن الأول في نفس التوبة ج4 ص3)