الجيش المصري أصبح بين عشية وضحاها وليمة على مأدبة الذئاب من منتحلي العمل الثوري ، ولم يتوان الإعلام المضلل وأباطرة السوء في توجيه أقذع السباب ، وكيل الإتهامات الباطلة إلى مؤسسة وطنية لم تكن لها يوما حسابات سوى مصلحة الوطن العليا.
سأركز في ردي على توجيه أحد عشر سؤالا ، وعرض إجاباتها ، وتفنيد دعاوى المنكرين بالعقل والمنطق.
1 ـ ألم يكن بمقدور القيادة العسكرية إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير إعلان
دعمها للرئيس "مبارك" بصفته الرئيس الشرعي للبلاد مثلما فعلت القيادة
العسكرية في اليمن على سبيل المثال ؟
سيرد قائل : ومن أعطى الشرعية ل "مبارك" .. لقد استمر في الحكم بناء على استفتاءات زائفة ثم انتخابات رئاسية غير نزيهة
فأعقب عليه بدوري : وبأي صفة اذن كان يدير البلاد طيلة ثلاثين عاما ؟
وبأي صفة كان يلقى أبلغ مظاهر الترحيب بين زعماء العالم وقادة الدول ؟
ومتى كان لمصر رئيس منتخب على مر التاريخ ؟!
2 ـ هل كانت الثورة لتنجح دون انحياز الجيش لها ؟
سيرد المتحمسون بلا عقل : بالطبع فالشعب هو من أسقط النظام.. وتوحده ضد "مبارك" كان كلمة السر في الإطاحة به ؟
فأرد على هؤلاء الواهمين قائلا : وهل انتصر ثوار ليبيا دون تدخل "الناتو" ؟
لقد أوشك "القذافي" أن يبيدهم جميعا في بني غازي (معقل الثوار) لولا تدخل "الناتو" ، وحينها برر الرئيس الامريكي "أوباما" لشعبه تدخل قواته رغم تعثر الاقتصاد الأميركي بان "بني غازي" كانت على وشك التعرض لإبادة جماعية.
وهل نجح ثوار اليمن في الإطاحة ب "علي عبد الله صالح" رغم حشودهم المليونية ، وهل أفلح ثوار سوريا في الإطاحة ب "بشار" ؟
في الحالة الأولى خرج الرئيس اليمني خروجا مشرفا يضمن حمايته وأسرته من الملاحقة القانونية بنص المباردة الخليجية ، رغم المجازر التي ارتكبتها قواته العسكرية ، وبالنسبة للرئيس السوري فعلى درب والده سار ، وما زالت قواته تحصد الأرواح ، ولا عزاء لحشود الثوار طالما استمر دعم الجيش له ، وبقى محميا بالفيتو الروسي ـ الصيني.
العبرة إذن ليست بالحشود الثورية والمظاهرات المليونية لأنها تظل بلا أنياب تدافع بها عن مطالبها العادلة.
تحية اعتزاز لجيشنا العظيم الذي لولا وطنيته لكنا اليوم نبكي مئات الآلاف من الشهداء ، ونهتف بلا مجيب : الشعب يريد إسقاط النظام !!
3 ـ خطاب "مبارك" الأخير لم يحمل أي اشارة الى استعداده للتنحي ، وجاء خطاب
التنحي على لسان نائبه اللواء "عمر سليمان" ، فلماذا لم يعلن تنحيه بنفسه ؟
الإجابة : القيادة العسكرية الحكيمة أجبرته على التنحي ـ وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة ـ إنتصارا للإرادة الشعبية ، وتجنبا لغرق البلاد في فوضى عارمة.
4 ـ لمن يتحججون في هجومهم على المجلس العسكري بأن محاكمة "مبارك"
ونجليه محض تمثيلية ، فأسألهم : وهل لو خرج علينا الجيش إبان الثورة معلنا
عقد صفقة تنازل بموجبها "مبارك" عن السلطة في مقابل ضمان أمنه وأسرته ..
هل كان الشعب سيرفض ؟
بالطبع لا .. فقد كان الشعار المرفوع "إرحل" ، وكانت جموع المصريين تنتظر منه أن يسلك سلوك الرئيس التونسي ، فيغادر البلاد سالما ، دون تعريض الوطن للإنقسام أو لحرب أهلية.
وهل كانت محاكمة "مبارك" إحدى أهداف الثورة حتى تظل مبررا للتطاول على المجلس العسكري؟
لقد كان رحيله وحده كفيلا بإعلان انتصار الثورة المصرية ، وعلاوة على ذلك أتساءل : وهل وقفت الثورة التونسية عند محاكمة "بن علي" ؟
لقد فر الأخير مع زوجته محملا بأموال الشعب التونسي الى السعودية، وها هو يحيا بعيدا عن الملاحقة القانونية ، ولم نجد نواحا تونسيا على فشل ثورتهم لفرار رئيسهم دون محاكمة ، ولم تتوقف ثورتهم عند هذه النقطة ، لأنهم وجهوا طاقاتهم الى البناء ، ونظروا الى المستقبل ، أما نحن فقد غلبتنا شهوة الإنتقام ، فعشنا أسرى الماضي وعمينا عن تلمس آفاق المستقبل.
5 ـ تزعم بعض منابر الإعلام الخاص بأن المجلس العسكري ما هو إلا امتداد
لنظام "مبارك" ، فأسالهم وهل كان أحدكم يجسر على إهانة "مبارك" شخصيا كما
تفعلون الآن مع المجلس العسكري والمشير "طنطاوي" ؟
لقد استجدى الإعلامي "عمرو أديب" رضا الرئيس السابق ، لاستئناف بث قناة "أوربت" وعودته لبرنامجه ، على أن يعرف حدوده جيدا ، ولكن دون جدوى ، فيما أذعن الإعلامي "عمرو الليثي" لأوامر سيادية خلال فترة انتخابات مجلس الشعب 2010 بعدم تعرض حلقاته لمشكلات الفقراء في العشوائيات حفاظا على صورة الحزب الوطني ، كما تهرب من مسئوليته في كشف التزوير الفاضح في هذه الإنتخابات ، وعوضا عن ذلك دارت حلقات برنامجه حينها عن معاناة النساء المسجونات في جرائم تحرير شيكات بدون رصيد !!!
المجلس العسكري إذن أعطي الاعلاميين حرية غير مسبوقة استغلوها مع بالغ الأسف في إطلاق حملات التخوين والتشويه والتجريح في حق المؤسسة العسكرية ، حتى لفظهم القراء وعاداهم المواطن البسيط ، بعد أن أدرك بفطرته انهم يتاجرون بجراح الوطن ويعتمدون سياسة تهييج الرأي العام وتأليبه على الجيش ، لتوفير مادة دسمة ومثيرة لبرامجهم وأقلامهم المسمومة.
6 ـ في كل الأزمات التي واجهتها مصر بعد الثورة هل رأينا أحدا ممن يطلقون على
أنفسهم نشطاء وحقوقيين ، بالإضافة الى ممثلي الأحزاب والتيارات السياسية
ومرشحي الرئاسة يوجه انتقادا للمعتصمين والمتظاهرين مهما بلغت درجة عنفهم
أو إستبدادهم برأيهم ؟
على العكس تماما ، فالكل كان يدللهم خشية اتهامه بالعداء للثورة أو ضمه إلى قوائم الإبتزاز السوداء ، أو رغبة في اكتساب شعبية تخدم أهدافه الإنتخابية المقبلة.
أي انتهازية تلك من كافة القوى والتيارات السياسية على حساب مصر ... الأغلي منهم جميعا !!
7 ـ واجهت مصر بعد الثورة أزمتين حالكتين كادتا أن تفضيا الى فتنة طائفية تأتي
على الأخضر واليابس ، وأعني بهما أزمتي كنيسة إمبابه وكنيسة الماريناب بأسوان
والسؤال من الذي أحرق ؟ ومن الذي وأد الفتنة في مهدها ؟
المتهم في الحالتين شباب مسلم موتور مدفوع بخطاب تحريضي ، وفي الحالتين تطوع الجيش ببناء الكنيستين وإعادتهما الى هيئتهما السابقة.
وحتى أزمة ماسبيرو التي اتهم فيها المغرضون رجال الجيش بقتل المتظاهرين ، وجهوا إتهاماتهم دون الوقوف على أسباب التظاهر والظروف التي أحاطت به.
سبب التظاهر كان إحراق كنيسة ، فلم يخرج الأقباط رفضا للعسكري بل للضغط عليه ، لمحاكمة المتورطين ، ولإقرار قانون العبادة الموحد
ولماذا لجأ الجيش الى العنف ؟
يرد المتربصون : لأنه لا يعرف غير لغة العنف
ولكن الرد المنصف : لأنه كان يذود عن مبنى ماسبيرو ، وهو مبنى سيادي أوشك المتظاهرون على اقتحامه
ويتجدد السؤال : ماذا لو أفسح الجيش المجال للمتظاهرين فاقتحموا مبنى التليفزيون وأحرقوه ؟
كنا سنطعن وقتها في كفائته ، ونتهمه بالعجز عن حماية مقدرات الدولة ومؤسساتها الحيوية ؟
ولكن عندما قام بواجبه وسقط ضحايا ـ وهو أمر وارد في مواجهات تستهدف منشآت الدولة ـ قذفته القلة المنفلتة بأبشع الصفات وطالبت بمحاكمة رموزه .. ألا تستحون ؟!!
8 ـ ليس كل من بالميدان من الثوار ، وليس كل الثوار بالميدان هم ثوار مصر
الحقيقيين ... ثوار 25 يناير ... لماذا ؟
ثوار 25 يناير لم يخربوا لم يدمروا لم يحرقوا ، اجتمعوا على حب وطنهم ، آثروا الموت أحرارا على الحياة في رق العبودية ، لكن خلفهم أشباه رجال ـ وما أكثرهم ـ بلغ حد تهورهم وجهلهم أن هددوا بقطع الملاحة في قناة السويس وإغلاق خطوط المترو وخطوط السكك الحديدية !!!
ألم تكن هذه التهديدات نابعة ممن ينتحلون صفة الثوار ويخيمون بالميدان ؟!
ولولا بيان الجيش الحاسم حينها لكانت مصر الآن تعيش تحت الوصاية الدولية ، لعجزها عن توفير الحماية لأهم طريق ملاحي في العالم.
9 ـ أزمة مجلس الوزراء
هل خطر على فكر أحد من منتقدي المجلس العسكري ، ورافضي حكومة "الجنزوري" أن يعنف المعتصمين أمام مبنى مجلس الوزراء بعد إعلانهم صراحة منع رئيس الحكومة من دخول مقر عمله ؟!
ألم يكن تصرفهم هذا سلوك إجرامي لا يليق بثوار ؟ .. لماذا أغفل الإعلاميون والحقوقيون والسياسيون توعيتهم ، ومطالبتهم بالكف عن هذا العبث؟
الإجابة ببساطة : لأن عمومهم منافقون لا تنطق ألسنتهم إلا كفرا بفضل الجيش ، جبناء ليس بوسعهم مصارحة هؤلاء المعتوهين بحقيقة مواقفهم غير القانونية ، فتمادوا في غيهم حتى أصبح محيط مجلس الوزراء ملعبا لكرة القدم !!
لكن عندما هم الجيش حاميا مؤسسات الدولة استفاقوا بحثا عن (شو إعلامي) ، يتسق ونفوسهم المريضة ، فأعادوا إخراج مسلسلهم الرتيب مجددا ، مسلطين عدساتهم على مشاهد ضرب وسحل ، متغاضين عن رصد مئات الشباب يحرقون تاريخ بلدهم ملوحين بعلامة النصر ، لم يستوقفهم مشاهد الإحراق المتعمد ومنع سيارات الإطفاء من الوصول إلى مبنى "المجمع العلمي"
فالجدير بقوات الجيش في هذه الحالة ـ من وجهة نظر هؤلاء المنافقين ـ ألا تخرج للإشتباك مع المعتدين بل تظل بداخل المباني !!
ربما لرغبتهم في احتراق الإثنين معا !!
وبعد هذه الكارثة التاريخية لم يهد لهم أن يقفوا وقفة مصارحة مع النفس ، بل مكروا مكر السوء ، فاتهموا الجيش بتدبير هذه الجريمة لتبرير استمراره في الحكم !!
وهل كان الجيش بحاجة الى مبررات لو كانت لديه نية الاستمرار في الحكم ؟!!
10 ـ تتواصل هذه الافتراءات ، وما زال الجيش يأخذ على عاتقه تأمين أول انتخابات برلمانية نزيهة في تاريخ مصر ، بشهادة الداني والقاصي ، رادعا البلطجية اللذين كانوا فيما مضى أبطال المهشد الانتخابي.
هل نظر أولئك المنافقون إلى أكثر من مائة وعشرين ألف جندي يحمون مقار اللجان ويتابعون تطبيق قوانين ولوائح الإنتخابات بمنتهى الحسم تحت إشراف مباشر من أعضاء المجلس العسكري وعلى رأسهم المشير "طنطاوي" ؟
انظروا الى أفراد الجيش ممن يقفون متأهبين طوال اليوم لضمان نجاح العملية الانتخابية ، وتأكيد حق المصريين في اختيار من يمثلهم ، علاوة على حماية مؤسسات ومقدرات الوطن ، وتعزيز التواجد الشرطي لبسط الأمن في ربوع مصر.
وفي المقابل نرى شبابا يلعبون الكرة ويستمعون إلى الموسيقى ويتبادلون النكات وكأنهم في معسكرات شبابية ، مهدرين أوقاتهم في تشويه مكانة جيشهم والنيل من هيبته على صفحات التواصل الإجتماعي
11 ـ الثورة لدى هؤلاء المتنطعين لم ولن تنتهي .. فما السبب ؟
لأن إحساسهم بعدم جدواهم في المجتمع ، وفشلهم في التواصل مع الجماهير ما أسقط رموزهم في الإنتخابات البرلمانية مما يعني انحسار الاضواء عنهم ، فضلا عن تهافت مبرراتهم للتطاول على المجلس العسكري ، كلها مبررات كافية بالنسبة لهم لقضاء بقية أعمارهم على أرصفة التحرير وداخل خيم الإيواء !!
وفي النهاية
مصر أمانة فحافظوا عليها