فجر موقع ويكيليكس الذي أسسه الصحفي الاسترالي جوليان اسانج مفاجأة مدوية، بكشفه عن برقيات جديدة من السفارة الامريكية في القاهرة تفيد قيام الولايات المتحدة باستغلال دول عربية ومنظمات ممولة أمريكيا في الدول العربية لتحويل أموال إلى منظمات مصرية حقوقية للتمويه على التمويل الأمريكي المباشر لها وإبعاده عن أعين الحكومات العربية.
قالت البرقية رقم "09CAIRO748" الصادرة من السفارة الامريكية في القاهرة بتاريخ 30 ابريل/نيسان 2009 والموجودة على الرابط التالي:
http://wikileaks.org/cable/2009/04/09CAIRO748.html
وتحمل البرقية الدبلوماسية تصنيف "سري" والموقعة باسم السفيرة الأمريكية لمصر في ذلك الوقت مارجريت سكوبي، وتقول فيها "إن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تلقت تمويلا من منظمة مغربية لعقد مؤتمر في القاهرة عن حرية الصحافة في يناير 2009". ثم وضعت السفيرة الامريكية بين أقواس أن هذه المنظمة المغربية، واسمها مركز حرية الإعلام، هي في حقيقة الأمر ممولة من برنامج مبادرة الشراكة الشرق الاوسطية (ميبي) الذي اطلقه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بعد احداث11سبتمبر ويخضع للخارجية الامريكية. وبرنامج مبادرة الشراكة الشرق الاوسطية، هو أحد الأذرع التمويلية لوزارة الخارجية الأمريكية، وتأسست في 12 ديسمبر 2002 "للتواصل المباشر مع الناس والاستثمار في شعوب منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا". وتقول المبادرة على موقعها انها قدمت اكثر من 530 مليون دولار في المنطقة العربية في اكثر من 17 دولة.
وتعد البرقية اول دليل على ترابط المؤسسات الممولة امريكيا في العالم العربي لتفادي الرقابة الحكومية كما تثير تساؤلات حول كيفية قيام منظمة غير حكومية صغيرة في دولة عربية نامية مثل المغرب العربي بتمويل منظمة في دولة نامية هي الأخرى مثل مصر.
وجاءت تلك المعلومات الاخيرة المتعلقة باستغلال الدول العربية في تحويل الأمول في الوثيقة في سياق ان وزارة التضامن الاجتماعي في مصر كانت قد سلمت المنظمة المصرية لحقوق الانسان، وهي واحدة من أقدم المنظمات المدنية في مصر، خطابا يوم 27 ابريل من نفس العام، قالت الوزارة المصرية فيه إنه يحق لها قانونا حل المنظمة المصرية لحقوق الانسان "لتلقيها تمويلا اجنبيا غير مصرح به".
ويقول موقع المنظمة المصرية لحقوق الانسان إن رئيسها هو هشام قاسم والأمين العام لها هو حافظ ابو سعدة.
وتتحدث البرقية، التي حصلت وكالة أنباء أمريكا إن أرابيك على نسخة منها، عن توجه حافظ ابو سعدة بعدها للشكوى للسفارة الامريكية ضد وزارة التضامن الاجتماعي المصرية. وان السفارة الامريكية وعدته، بحسب البرقية، أنها ستقوم بالتدخل على أعلى مستوى لكن بدون اعلان. وقالت إن التدخل علانية قد يأتي بنتائج عكسية. غير أن البرقية قالت إن السفارة خاطبت وزارة الخارجية المصرية بخصوص رسالة وزارة الشئون الاجتماعية.
وقالت البرقية على لسان السفيرة :"نعتقد أن الحكومة المصرية على الارجح لن تخاطر بحدوث غضبة دولية ومحلية ستنتج في حال قيامها بحل المنظمة غير الحكومية، وعليه فإن امريكا عليها ان تتفادى اي تعبيرات عن الرأي في العلانية يمكن ان تغير حسابات الحكومة المصرية".
وتظهر البرقية التعاون الوثيق بين المنظمة المصرية لحقوق الإنسان التي يرأسها هشام قاسم وامينها العام حافظ ابو سعدة، بحسب موقعها، وبين الدبلوماسيين الامريكيين. حيث تقول الوثيقة إن ابو سعدة سلم يوم 29 ابريل 2009 الى السفارة الامريكية، التي تمثل دولة أجنبية، نسخة من الخطاب الحكومي الرسمي لوزارة التضامن الاجتماعي المصرية. هذا ولا يعلم اذا ما كان ابو سعدة يحمل الجنسية الامريكية ام لا؟!.
وفي سياق متصل، نقلت البرقية عن ابو سعدة قوله للسفارة إنه يجري "مناقشات حاليا مع السفارة الهولندية في القاهرة للحصول على تمويل مشروع لمراقبة الانتخابات البرلمانية".
وقالت البرقية: "ادلى ابو سعدة بملاحظة ان المنظمة المصرية لحقوق الانسان تقبل بشكل روتيني تمويلات من اوروبا، ومن الوقف القومي الامريكي للديمقراطية. وقال إنه من المعتاد ألا تحصل المنظمة المصرية لحقوق الانسان على موافقة من الوزارة لكنها كانت اول مرة تتلقى خطابا يذكر المنظمة بحق الوزارة للتضامن الاجتماعي في حلها...وابدى اندهاشه من ان الحكومة المصرية ارسلت للمنظمة المصرية هذا الخطاب قبل زيارة مبارك المزمعة الى واشنطن".
يأتي هذا الكشف في وقت تشهد فيه مصر حاليا سجالا حول ولاء منظمات وافراد المجتمع المدني الذين تدعمهم واشنطن في مصر في فترة ما بعد الثورة وتلقيهم انواعا من الدعم سواء كان ماليا او عينيا او سياسيا. وتفجر الجدل بعد انكشاف عدة لقاءات غير معلنة بين شخصيات اعتبارية مصرية ومسئولين أجانب تناولت الأوضاع في مصر مثل الكشف عنها مؤخرا صدمة للكثير من المصريين.