من الصعب القول قطعا ويقينا أن المجلس العسكري جاد في تسليم السلطة ، ومن الصعب القول قطعا ويقينا أن المجلس العسكري لن يسلم السلطة ، ومن الصعب قطعا ويقينا القول بأن المجلس العسكري يدرك نتائج كل ما يفعل ، فالثورة كانت صادمة حتي لمن قاموا بها من جماهير الشعب بكل أطيافه ورغم أن الكثير كان عنده يقين بالله أن الثورة سوف تقوم قبل أن تقوم وسوف تنجح قبل أن تنجح إلا أن أولئك الموقنين أيضا أذهلهم نجاحها حتي مع يقينهم ، فمع أن سيدنا زكريا عليه السلام هو الذي دعا الله أن يهبه وليا فقد أدهشته الإستجابة وجعل يتساءل " رب أني يكون لي غلام " ، فما بالنا بمن قامت الثورة في مواجهتهم ، ولعل عنصر المفاجأة في الثورة التي هى من عند الله والتي خالفت كل سيناريوهات التغيير التي أعدتها مراكز البحث والفكر السياسي والإجتماعي قد ساعد على بقائها حتي الآن ذات جذوة مستعرة ، وجعل كل محاولات اطفائها أو التحايل عليها برفع " رايات مزورة " إلي جانب رايات الثوار تبوء بالفشل .
ليس من العدل القول بأن المجلس العسكري عادي الثورة ، وليس من الإنصاف القطع بأن المجلس العسكري والي الثورة والثوار ، ولعل أبرز ما ألاحظه في قيادات المجلس العسكري ضعف تعاطيهم تماما مع العملية السياسية ، وعلى ما يبدو لي أن فترة حكم المخلوع بالنسبة لهم كانت فترة غياب سياسي كامل ولو حتي من باب المتابعة العادية ، وآية ذلك فشلهم الكامل في كسب أي تعاطف شعبي على مدار العام الكامل في حين كانت أمامهم فرص كبيرة جدا ربما كانوا يستطيعون من خلالها الوصول إلي قلوب الناس ، غير أنهم بدلا من ذلك تمسكوا بالماضي في مشهد يشبه محمود المليجي في آخر جزء من فيلم الارض ، ولكن يبدو أن الوضع أشد تعقيدا من فهمي السطحي هذا ، من الواضح أن هناك في مصر من هو أقوي من المجلس العسكري وأقوي من حسني مبارك وأولاده ، وإلا فمن أين استمد عده جنرالات في الداخلية قوة قتل ثلاثية استطاعوا من خلالها ازهاق أرواح أكثر من سبعين شابا في بورسعيد ردا على بكاء النائب أكرم الشاعر نائب بورسعيد في مجلس الشعب وهو يطلب القصاص ممن قتلوا الشهداء أثناء الصلاة على كوبري قصر النيل خلال أيام الثورة .
غير أن الأكثر وضوحا أن الشعب أقوي من تلك القوي الخفية التي استطاعت أن تكمم أفواه تسعة عشر جنرالا وفريقا ومشيرا فلا يستطيع واحد منهم أن يشير إليها ، وقوة الشعب تأتي من إيمانه بالشهادة متي دعا الداعي إليها ، ولعل هذا ما يفسر أيضا تعاطي المجلس العسكري الغريب جدا مع قضية الشهداء ، فاستعداد قطاع كبير من المصريين للشهادة في سبيل الله نصرة لوطنهم وتحقيقا لأحلامهم المشروعة في الحياة والحرية والمساواة والعدالة والتقدم لوطنهم وتأمين مستقبل أولادهم و معاملة الاصدقاء كأصدقاء و الطامعين في تراب الوطن كأعداء ، من الواضح أن الشهادة والشهداء كانوا يمثلون أزمة وعقبه أمام أحلام الفلول في البقاء ، ولعل بقاء تلك الروح متأججة إلي الي الآن – وكان البعض يراهن على إخمادها – كان مفاجأة كبيرة للجميع حتي أن البعض تساءل : هل هذا هو الشعب الذي كنا نعرفه ؟
لا أؤيد الإضراب يوم السبت ورغم يقيني أنه على مستوي العمال لن ينجح إلا أنه ربما على مستوي الطلاب قد يحقق بعضا من " الشو الإعلامي " وآيه ذلك اننا في السنة الأولي في كلية الحقوق عام 1991 وكانت الإمتحانات أثناء حرب العراق وأمريكا الأولي وكانت لمصر قوات في الجزيرة العربية فقد تمني بعض زملائنا أن يصيب صاروخ طائش خيمة الإمتحانات فيتم تأجيلها شهر أو شهرين حتي نستعد أكثر وكنا نتطلع ليوم الإجازة حتي وإن كان بسبب مظاهرات أو إضطرابات وكان غيابنا أكثر من حضورنا .
لن ينجح هذا الإضراب بسبب معارضة الجميع له غير أنه قد زرع لونا حادا من الإنتقام من كل مؤسسات الدولة ، ولعل الداعين إليه أرادوا أن يعاقبوا المجلس العسكري على إجرائه إنتخابات مجلس الشعب في جو هادئ ، وأرادوا أن يعصفوا بالموقف الشعبي من الإسلاميين في تلك الإنتخابات ، وهو الأمر الذي يرفع درجات التأهب في صفوف المنخرطين في العمل السياسي من تنفيذيين وبرلمانيين إلي أعلي الدرجات ، وهنا أري الموقف السياسي المسئول الذي عبر عنه المهندس خيرت الشاطر عندما حسم الجدل بطلبه رحيل حكومة الجنزوري وتشكيل حكومة قوية توافقية من المتخصصين فورا وهو أمر كان من الممكن تجنبه لولا تمسك حكومة الجنزوري بالماضي كما تمسك محمود المليجي بحزمة حطب القطن رغم الضغط الجماهيري الذي يكاد أن يعصف بالثورة والثوار ، إن حسم الخيار الأمني والإعلامي و تسريع التعامل مع ملفات الفساد التي ما زالت تستزف كل مقدرات الشعب لا يمكن أبدا للجنزوري التعامل معها حالة كونه كان جزءا لا يتجزأ منها يوما ما إلي أن أخرج منها مرغما لا مختارا ومقالا لا مستقيلا ومطرودا لا ثائرا ولا معارضا .
إن كان وزير الداخلية يعتبر التخلص من الفلول انتحارا فإن ذلك يؤكد حاجتنا إلي وزير آخر يغلب الطابع الإستشهادي على فكره و عمله ، وإن كان وزير المالية لا يستطيع أن يفعل الحد الأقصي للاجور حالة كونه هو مهندس الإعتداء على أموال التأمينات فإن الشعب يسعي إلي وزير غير مهدد في ماضيه ، وإن كان وزير البترول ينظر خلفه أكثر مما ينظر أمامه ويحب القصص والحواديت فإن هذا القطاع يحتاج الآن إلي شاب غاضب يحمل عصا السلطة في وجه مصاصي الدماء ، لا يهمني هنا إن كان الجنزوري يستعمل " دوا كحة " أم لا لأن " دوا الكحة " لا يسبب كل هذا القدر من النسيان والضعف .
لا أعتقد أن المجلس العسكري أمامه كثير من الخيارات ، فلا مناوراته نجحت ولا بقي له منها شيئا ، إن غل يد المجلس العسكري عن التحكم في الوزارة الآن هو واجب الوقت الذي لم يعد لأي من اللاعبين السياسين خيار فيه ولا حتي المجلس العسكري نفسه وإن تأخر ذلك يعطي الفرصة لمزيد من الأخطاء التي لن تغتفر بعد اليوم ، إن المسئولية التي تنتظر الوزارة القادمة هى المسئولية الميدانية القتالية في كل قطاعات الدولة ، فالوزارات السابقة كانت تخير بين النجاح والإقالة أما تلك فخياراتها النصر أو الشهادة ، وما النصر إلا من عند الله .

جزانا واياكم يا حاج عبد الرحمن

واياكم يا أخ محمد جزاكم الله خيرا على المرور الكريم

http://www.kfrelshikh.com/news_Details.aspx?Kind=7&News_ID=13281
تم اليوم نشر المقال على موقع اخوان كفر الشيخ والرابط اعلاه

على فكرة فيه خطأ في عرض الموضوع على موقع اخوان كفر الشيخ
لذا لزم التنبيه

تحياتى يا مستشار
كلام منطقى يا استاذننا ويجسد الواقع فعلا ولكن تشعر فيه بمراره هى مرارة الواقع الاليم لحال مصر ما بين ثورة تتحسس اى بصيص لنور كى تسير فيه ومابين تيارت تريد ان تسرق كل النور وما بين قوى تريد حجب كل النور عنها وما بين شعب طفح به الكيل وبلغ به السيف العزل بحثا عن حريته وعن قوته ومستعد بالفعل للاستشهاد فى سبيلها
نجاح الثورة المصرية سيكون بفضل من المولى عز وجل وبترتيبه وحكمته يبحانه وتعالى نساله الخير والرشاد لهذا البلد الامين

قشدة

أخي الحبيب الأستاذ الكبير محمد عز العرب
جزاكم الله خيرا على المرور الكريم المتألق كالعادة دائما
والله يا أخ محمد الناس جالها اكتئاب بسبب الخطوات البطيئة جدا للمجلس العسكري التي تدل إما على جهل مطبق أو طمع في السلطة أو أموال متكدسة عندهم يخافون عليها .. بصراحة بقت حاجة تقرف
جزاكم الله خيرا يا أخي الفاضل