" هو كله ضرب ؟ مفيش شتيمة ؟ " لعل هذا هو لسان الولايات المتحدة بعد قرار النيابة المصرية بمنع سفر عدد من الجواسيس الغربيين إثر التحقيق في قضية ما عرف بتمويل المنظمات الأجنبية ، فعلي مدي الستين عاما الماضية اعتادت الولايات المتحدة على نمط ثابت في التعامل مع القضايا العربية ، يقوم على استدراج الحكام العرب إلي أخطاء استراتيجية يتلوها عقاب قاسي من المعسكر الغربي ، ثم يأت الرد العربي دائما في صورة كلمات نابية وشتائم من شاكلة " طز مرة تانية .. في امريكا وبريطانيا " أو التهديد بالويل والثبور كقول فاروق الشرع بعد ضرب اسرائيل موقعا عسكريا قرب دمشق " سوف تدفع اسرائيل ثمنا فادحا لعدوانها " أو العنجهية الفارغة كقول صدام حسين " أن من يهاجم العراق سوف يفاجأ بطابور قتلي .. له أول وليس له آخر " .
لم يكن النظام المصري في عهد المخلوع في حاجة أبدا إلي هذه المكلمات العربية للرد على ثمة عدوان غربي ، ذلك أن عدوانه على شعبه كان أكبر من أي عدوان أجنبي ، وكانت ألة قتله التي استعملها ضد الشعب الأعزل أكثر فعالية من آلات حلف الناتو ، ونفذ حسني مبارك سيناريوهات عدوانية في مصر تفوق سيناريوهات اسرائيل الإجرامية في غزة ، ولم تكن مسألة زراعة العملاء والجواسيس في البلاط الرئاسي مسألة بالغة الصعوبة كون الرئيس اللص مستعدا دائما لإستقبالهم بل وتخييرهم بين أي من مقاعد السمع والبصر والحركة .
ما تمثله القضية التي بين يدي المحققين ليست في الحقيقة سوي جزء بسيط ظاهر من جبل الثلج المختفي تحت الماء ، وإن كشف تلك المنظمات لم يمثل عنتا للمحققين ، ذلك أن تلك المنظمات تعمل في مصر منذ زمن طويل وحركة أعضائها ومقراتها معلنة للكافة ، كما أن تمويلهم كان يأتي في شطره الأكبر عبر البنوك و في وضح النهار ، إذن فالتعامل القانوني معهم ليس بدعا من العمل و لا بطولة تستحق الإشادة فهم أنفسهم لا ينكرون ما قاموا به من احصاءات ورصد وتمويل لمنظمات رفعت " رايات مزورة " للعمل المدني والأهلي وتطوير الأداء الديمقراطي وإن ما قالت به الوزيرة فايزة أبو النجا في بيانها هو أمر معلن في كل الصحف الأمريكية من قبل حتي في عهد المخلوع .
لست هنا بصدد الحديث عن قصة " الجاسوس المدسوس " ولا مغامرات شارلوك هولمز إنما الأمر يتعلق باستراتيجية التعاطي مع مسائل من هذا النوع على المدي القصير والمتوسط سواء فيما يخص تنظيمات امريكية أو أجنبية بوجه عام لذلك فعل من المناسب رصد بعض ما يتعلق بالموضوع :
1- اعتمدت أمريكا في تعاملاتها مع مصر خلال الستين عاما الماضية على نسق واحد في التحليل والوسائل والأدوات فهي تهتم بشخص الرئيس ، فتحلل شخصيته وتستشعر وتتحسس وسائل وأدوات الضغط عليه حتي تصل إلي هدفها بمنتهي الدقة من خلال هذا الشخص الواحد وتترك له تسيير أمور " الرعية " التي حينا تقبل ما قام به أو " تخبط راسها في الحيط " ، وهى أيضا تهتم بمن سيخلفه حتي لا يتسبب موته المفاجئ في ارباك خططها أو تحمل لها الأقدار شخصا " كلمته لا يمكن تنزل الأرض أبدا " .
2- احتفظت أمريكا بتلك المنظمات على مدي السنوات الماضية للضغط على حسني مبارك حتي تجهز تماما على الإرادة المصرية ، ولم يك لتلك المنظمات دور احصائي بالغ الخطورة ولا متناهي في الدقة حالة كونها كانت تعتمد في الواقع على أشخاص من شاكلة " ميمي وسوسو " وهؤلاء لا ينبغي لهم ولا يستطيعون دراسة " علوم الإنسان " الفقير في القري والعشوائيات وعليه فقد اعتمدوا صورة مشوهة عما تحتويه هذه الأماكن من بشر هم في الحقيقة أكثر فهما وعلما من " ميمي وسوسو " وظنوا كما ظنت الداخلية أن سكان القري والعشوائيات لمجرد أنهم فقراء سوف ينطلقون بعد ثمة انفلات أمني متوقع ليتحولوا الي وحوش ضارية تأتي على الأخضر واليابس في البلاد فتدخل البلاد في الفوضي ولا تخرج منها إلا بعد سبع شداد يأكلن كل ما يقدم لهن .
3- كانت مفاجأة الثورة صاعقة لأجهزة المخابرات الغربية سواء في تونس أو في مصر وكانت المفاجأة الأكبر هى قدرة مصر رغم ما يعتري الشعب من فاقة وجدب أن ينظم نفسه خلال ساعات من خلال اللجان الشعبية التي ضبطت الأمن وجعلت تقوي كل يوم وتكتسب فقها وتدريبا لو أحسن استغلاله وتطويره إلي اليوم لما كانت هناك حاجة إلي الشرطة بالكلية ولكان حل جهاز الشرطة بالكامل أولي من استجداء عودته .
4- هذه المفاجأة الصاعقة أربكت كل الحسابات والمعلومات السابقة التي جمتعها أمريكا على مدار السنين، حتي أن أوباما أقال رئيس جهاز المخابرات لفشله في التنبؤ فضلا عن التعامل مع تلك الحركات الشعبية الطوفانية المنظمة ، لذلك ظهرت الحاجة الماسة إلي دراسات سريعة جدا ومعلومات أسرع من الدراسات حتي يكون متخذ القرار في واشنطن على بينة من طبيعة الشعب الذي يكيد له إبتغاء الفتنة وابتغاء تركيعه ، فلم يك بد من الدفع بأموال مبالغ فيها بغية الوصول السريع إلي المعلومات وعدم إفلات زمام المبادرة من يد وكلاء أمريكا في مصر فكانت حركتهم في الشارع مليئة بالعشوائية حالة كونهم ما زالوا يعتمدون على " ميمي وسوسو " اللذان لم يغن عنهما مالهما شيئا من فكر ولا عقيده ولا تدريب ، فاعتمدوا في جمع المعلومات على وسائل مفضوحة ، واعتمدوا في الحركة على أطفال الشوارع والبلطجية كونهم هم الأسرع استجابة لإغراء المال وفي الوقت الذي قدرت فيه الحكومة أرواح أجل الشهداء في تاريخ مصر كله بالجنيه قدرت القوي الغربية أخبار أولئك بملايين الدولارات .
5- جاء تعامل السلطات المصرية مع الموضوع غير مسئول بالكلية ، فبدلا من اجهاض المشروع كله في بداياته تعللوا بالتحقيقات ومجرياتها الطبيعية التي استمرت مدة ربت على العام دفعت مصر خلالها من دماء أبنائها ومن مقدرات الشعب الكثير والكثير بحجة تقوية الأدلة وجمع المعلومات ولم يكشر المجلس العسكري لأمريكا عن وجهه العابس إلا بعد تعرضه لإنتقادات حادة عند مقتل معتصمي ميدان التحرير من أهالي الشهداء والمصابين فوجد نفسه مهددا بمحكمة الجنايات الدولية كون محاكمة أعضائه مستحيل في مصر فخال انعقاد اختصاص المحكمة الدولية وهنا بدأت أول مواجهة " تكسير عظام " حقيقية بين الطرفين .
لا يبدو الأمر كما كان معتادا من قبل بين مصر وأمريكا فمصر الرئيس غابت عن أعين الأمريكان بعد أن غاب الرئيس ، وظهرت مصر الشعب الذي لم تعتد أمريكا على أن تضع له ميزانا ولا حسابا ، وظهرت مصر المؤسسات التي كانت مدغمة جميعا إلا ما أظهره منها الحاكم ، إن على أمريكا اليوم أن تتعامل مع مصر الجديدة على أنها دولة لا عزبة ومؤسسات لا جماهيرية ، إن الشعب المصري اليوم ليس هو الشعب الذي قاده البكباشي قبل ستين عاما إلي الهاوية بل هو شعب جديد يعرف حق الله وحق الوطن ويعرف الناس فيه اعداءهم كما يعرفون أبناءهم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

لعل ابرز ما افرزته الثورة هو مدى التنظيم المبهر للشعب المصري وانه شعب اصيل يظهر معدنه في الشدائد والمحن اهنئك اخي العزيز محمود على هذه المقالة الرائعه التي تدل على فخرنا الشديد بك وبكتاباتك المعبرة عن واقعنا بتحليل راق وباسلوب رشيق واقولها للمرة الالف نحن نتعلم منك الكثير

لم يكن النظام المصري في عهد المخلوع في حاجة أبدا إلي هذه المكلمات العربية للرد على ثمة عدوان غربي ، ذلك أن عدوانه على شعبه كان أكبر من أي عدوان أجنبي









الله ينور يا استاذ محمود وعندك حق والله

أخي الحبيب واستاذي الكبير الاستاذ محمود النشرتاوي
جزاكم الله خيرا على الكلام الجميل والعبارات المهذبة المتواضعة ونورت المقالة يا أستاذنا الكبير
اخي الحبيب والأستاذ الكبير الأخ عبد الرحمن أبو بكر
جزاكم الله خيرا على الكلام الجميل الذي عودتني عليه بارك الله فيك يا أخي الحبيب

تحياتى لمستشارنا الكبير اوى
مقالة رائعه يا استاذنا بالفعل هى دى سياسة امريكا فى غزو مصر ( غزو الدولار ) بعد ما تعلموا فى اكتوبر 1973 درسااا كيف يكون هناك سلام هما عرفوا ان المواجهه على الارض مع خير اجناد الارض فى النهاية هما الخسرانين فيها ويشهد التاريخ على ذلك فاتجهوا الى ميمى وسوسو واحيه واستخدموا انظمه تحذف آيات القرآن المحرضة على الجهاد من الكتب المصرية واللى تلاقى دقنه منبته تبندقه بالندقيه وتخلى الشعب المصرى كل همه رغيفين عيش وربع جنيه طعميه
ولكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
كانت ارادة الله بان يثور الشعب المصرى ويسترد كرامته ويختار وينَصٍب الواجهه والممثلين الحقيقين له وويعلن مصر دولة اسلامية بالرغم عن انف ميمى وسوسو واحيه
تحياتى يا مستششار

قشدة

أستاذنا الكبير الأخ محمد عز العرب : جزاكم الله خيرا على التعليق الجميل الذي أؤيده مية في المية .... دائما بأنتظر تعليقك حتي أعرف انعكاس المقالة وده طبعا شرف كبير لي

نعم أخي الحبيب مصر دولة مؤسسات يدفعها شعب له تاريخ حضاري يشهد له العالم أجمع وعلي رأس هذه المؤسسات (المؤسسة العسكرية) التي حافظت واختارت الشعب الذي تنتمي اليه فقادت السفينة وسط الامواج العاتية لترسو بمصرنا الحبيبة الي بر الامان واصبح لمصر حقا درع وسيف
مبدع كعادتك دائما أخي الحبيب الاستاذ محمود ودعوات من القلب لك بالتوفيق
تقبل مروري وتحياتي لكم

حبيبي وأستاذي الأستاذ الكبير محمود شهاب الدين
جزاكم الله خيرا على المرور المتألق الجميل دائما
المؤسسة العسكرية طول عمرها في مصر مؤسسة وطنية والجيش المصري فعلا زي حضرتك ما قلت درع وسيف لمصر بل وللعالم العربي والإسلامي كله وسوف يستعيد جيش مصر حيوته وقوته ولياقته بعد أن يخرج من العمل السياسي بالكلية كما أن حرفية ومهنية الشرطة سوف تظهر وتظهر إبداعاتها عندما تبتعد عن السياسية هى الأخري . بارك الله فيك يا أبا محيي على المرور العسل ده

تم نشر هذا المقال اليوم على موقع اخوان كفر الشيخ
http://www.kfrelshikh.com/news_Details.aspx?Kind=7&News_ID=13363

رائع ومبدع دائما يا مستشارنا
فعلا معدن شعبنا يظهر وقت الشدائد
ولي تساؤل لماذا يظهر فقط وقت الشدائد
نامل استمرارية المعدن حتى نقضي على الدخلاء
وكما قال استاذي عبدالمنعم نحن نتعلم منك يا مستشارنا

أخي الحبيب واستاذي الكبير وعمدة المنتدي الذي يغيب عنا كثيرا شرفت كثيرا بتعليقك وواحشني جدا ، فينك يا باشا . جزاكم الله خيرا يا أبو أمال يا غالي