الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
أيها المسلمون، يا مسلمي مصر، شباباً وكهولاً، رجالاً ونساءً، لقد أضعتم منكم فرصة الثورة التي تعيد لكم مجدكم من قبل حين تركتم الميدان في 11 فبراير 2011، فلا تعيدوا هذه السقطة مرة أخرى اليوم.
يا شباب الإخوان والسلفيون، لا تقليد اليوم، ولا سمع ولا طاعة إلا لمن أمر بالثورة على الظلم والبغي والسرقة والنهب والكفر والعلمانية. كفاكم ما أوقعتكم فيه قياداتكم من قبل، من خزيّ وتخنث. اتركوا هؤلاء الذين سحرت أعينهم الكراسي ولحست عقولهم الميكروفونات، اتركوا بهلوان السلفية بكار، وعبد الداخلية برهامي، وأسير الأنانية عبد المقصود، وسائر من خدعهم الشيطان عن حقائقهم فظنوا بأنفسم علماء الأمة، وهم خونتها وضعفاؤها. لا تنتظروا قرارات حزب الزور، فوالله إن هؤلاء أخون أهل مصر لمصر، أقسم على ذلك غير حانث.
رأيتم ما حدث من قبل. عشتم التجربة بالفعل وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يُلدغ مؤمن من جحر مرتين"، فإن لُدغتم الثانية فهو إيمانكم، أو بالأحرى نقص إيمانكم، سوف يرديكم.
الأمر ليس أمر أحكام على مبارك وأبنائه. لا ترتكبوا نفس الخطأ مرة أخرى. فإذا خرج العسكر اليوم، وأمروا بإعادة محاكمة العادليّ، ايعود الناس إلى منازلهم؟ أتكون الثورة قد اكتمل غرضها؟ أليس هذا ما حدث في المرة الأولى، وكأن الأمر أمر الإطاحة برجل بعينه، مبارك، لا بنظام بأكمله؟
النظام قائم كما هو لم يبرح. المجلس العسكريّ هو مجلس مبارك. الوزارة يرأسها الجنزورى وزير مبارك، النائب العام الخائن نائب مبارك، الداخلية يحتلها رجال العادلي ومبارك، الأمن الوطني هو أمن الدولة، قضاة المحكمة الدستورية المرتشون هي من ترشيح مبارك. قضاة العليا للتزوير هم مرتشون من زمرة مبارك. فأين التغيير؟ أين الثورة؟
لقد حكم المُرتشون من القضاة على كل ضابطٍ و جندى بالبراءة من دم الشهداء، وكأن أيدى خفية نزلت من السماء لتقتل هؤلاء ثم ارتدّت من حيث جَاءت! وأخيراً جاء الحكم على رؤوسهم بالبراءة. ووالله إنى لمع الحسن البصري رضى الله عنه، في فتواه بكفر القاضى المرتشى.
الثورة إما إنها ثورة، أو غضبة. الثورة تعنى إسقاط ما قبلها، كاملاً غير منقوص.، ثم بناء ما بعدها مما يخالف سالفه في كل دقيقة من دقائقه. هذا ما كان يجب أن يكون في 25 يناير، لولا الإخوان!
المُشكلة الإخوانية تكمن في طبيعة التنازلات التي تربوا عليها في عُصور الإضطهاد. الإخوان يقبلون أن يدفعهم العسكر حتى يلتصق ظهرهم بالحائط، فإذا لم يجدوا مجالاً للتراجع، بدءوا في الإنحناء! هذا إلى جانب تعطش للسلطة بأي ثمنٍ كان. وهو ما رأيناه في حرصهم على البرلمان، ولو مع إنعدام صلاحياته. فإن وضعت هاتان الخصلتان معا، عرفت أن محمد مرسى خيارٌ لن يبعد بالبلاد عن خيار شفيق كثيراً، وإن كان اقل سوءاً في القريب العاجل، لإحقاق الحق.
الثورة يجب أن تعيد بناء الكيان المصري كله، دون وجود العسكر. ساعتها، يكون للإخوان أن يتحدثوا عن بلائهم وبلواهم، وأن يتحدث غيرهم عن مثله، ويكون الخيار الحقيقيّ للشعب المسلم، على أساس من الشرع وحده، لا غيره.
حتى يحدث هذا، فأماكنكم في الميدان، لا تبرحوه. كثفوا وجودكم. لا تيأسوا من رحمة الله. أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين. المواجهة هنا هي مواجهة فاصلة، تفصل بين الحق والباطل، وبين الكفر والإيمان.
هذا جِهادِكم قد نزل بساحتكم، فلا تضيعوا فرصته هذه المرة، وإلا، فوالله لن يكون لكم وجود بعدها، إلا بتشريد أو إعتقال أو قتل أو سحل، أيها اخترتم.
بقلم د / طارق عبدالحليم
المقال علي موقع الشيخ