يستدل بعض الجماعات الإسلامية المنحرفة على جواز التحالف مع الأحزاب العلمانية بحديث حلف الفضول، فما موقف الدين من هذا الاستدلال؟
الجواب:
الحمد لله رب العالمين.
لا يجوز القياس ولا الاستدلال بحلف الفضول على جواز التحالف مع الأحزاب العلمانية، وذلك لوجوه عدة:
منها: أن القائمين على حلف الفضول كانوا مشركين، بينما القائمون على الأحزاب العلمانية ـ كما في بلاد المسلمين ـ كفرة مرتدون .. وكفر الردة أغلظ من الكفر الأصلي، وما يجوز فعله مع الكفرة الأصليين لا يجوز فعله مع الكفرة المرتدين.
ومنها: أن حلف الفضول كان قائماً على معنى شرعي ومحمود وهو الانتصاف للمظلوم من الظالم، بينما تحالف بعض الجماعات والأحزاب الإسلامية مع الأحزاب العلمانية ـ كما هو حاصل ومشاهد ـ قائم على معنى غير شرعي؛ قائم على معاني تتعلق بالمبادئ والعقائد وشؤون الحكم وغير ذلك من الأمور التي تتعارض مع تعاليم الإسلام.
ومنها: أن يكون الطرف الأقوى في التحالف هم المسلمون، ليأمنوا جانب الغدر، وليقدروا على قطف ثمار التحالف لصالحهم، بينما التحالف مع الأحزاب العلمانية يكون فيها المسلمون هم الطرف الأضعف، وفي الغالب يكونون مجرد مطية يُتكأ عليها لصالح مآرب وأهداف الآخرين!
ومنها: أن مبدأ التحالف مع الكفار ـ على القول الراجح ـ منسوخ لا يجوز اللجوء إليه إلا لضرورة تبيح الوقوع في المحظور، بينما الأحزاب الإسلامية المعاصرة تدخل في تحالفات مع أحزاب علمانية مرتدة من غير ضرورة، وفي كثير من الأحيان يكون تحالفهم من أجل مكاسب وأهداف غير شرعية كالفوز في الانتخابات من أجل دخول المجالس التشريعية الشركية!
والدليل على النسخ آية السيف :
كما في قوله تعالى:{ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ } التوبة:2.
وقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } المائدة:52.
فالموالاة المنهي عنها في هذه الآيات هي موالاة التحالف؛ لأنها نزلت في تحالف بعض المسلمين من الأنصار مع يهود، فأما الأنصاري عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:" يا رسول الله أتبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم، وأتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم ".
بينما رأس النفاق عبد الله بن أُبي ـ وكان بينه وبين يهود حلف ـ قال:" لا أبرأ من ولاية مواليّ من اليهود .. إني رجل أخشى الدوائر .. إني رجل لا بد لي منهم ".
قال ابن كثير: ففيه ـ أي في عبادة بن الصامت ـ وفي عبد الله بن أبي نزلت آيات المائدة ا- هـ.
قال سيد قطب ـ رحمه الله ـ في الظلال: ( إن معنى الولاية التي ينهى الله الذين آمنوا أن تكون بينهم وبين اليهود والنصارى إنها تعني التناصر والتحالف معهم، ولا تتعلق بمعنى اتباعهم في دينهم، فبعيد جداً أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين إنما هو ولاء التحالف والتناصر ) ا- هـ. ونحو هذا القول قال أكثر أهل التفسير.
لأجل ذلك قلنا في أول الإجابة:
لا يجوز القياس ولا الاستدلال بحلف الفضول على التحالفات التي يقوم بها بعض المسلمين المعاصرين مع أحزاب الكفر والردة.