لماذا لا تذكر حسنات مرسي؟؟

وردني هذا السؤال مرارا...وإني حقيقة أستغرب من طريقة تفكير بعض الإخوة! لكنني مع ذلك حريص ألا أبقي تساؤلا في ذهن أي طالب للحق عسى الله ان يهديني وإياه.
1) إخواني، أنا عندما أنتقد مرسي فلست بصدد تأليف رسالة عن شخصيته وإيجابيتها وسلبياتها، إنما الذي يهمني أنه رجل يزعم ويزعم مؤيدوه أنه صاحب طرح إسلامي للنهضة بالأمة، ويأتي له مؤيدوه بمسوغات "شرعية" لأفعاله، ويراد لنموذجه في التغيير أن يُستنسخ ويصبح مثالا يحتذى في بلاد إسلامية أخرى. يراد لهذا النموذج أن يكون بديلا عن المنهج التدافعي المفاصِل. يريد مؤيدوه أن يتعلقوا بأي "إنجاز" مهما كان وهميا ليبرهنوا به على صحة المسلك التنازلي الديمقراطي وأفضليته على المسلك الشرعي المتمسك بالثوابت. فكل ما يهمني في موضوع مرسي هو بيان فساد هذا الطرح وعدم شرعيته، إذ أن الذي يحصل هو عملية تشويه للمفاهيم وطمس لمعالم الدين.
لذا فأنا أتكلم عن مرسي الحاكم "الإسلامي" في نظر مؤيديه الذي يقود طريقة التغيير المثلى عندهم، لا عن مرسي الفرد الذي لديه إيجابيات وسلبيات.
إذا استشارك صاحب شركة في شخص تقدم لمنصب المدير ويدعي أنه حاصل على دكتوراه في الإدارة بينما تعلم أنت أن شهادته مزورة ولا يحسن الإدارة، فهل يتوجب عليك أن تقول لصاحب الشركة: مع أن شهادة الرجل مزورة إلا أنه دمث الخلق دبلوماسي قوي الشخصية...إلخ؟! بل ما يهمك هو الإجابة عن سؤال المالك عن صلاحية هذا الشخص كمدير يدعي ما لا يصدقه الواقع.

2) قد يُقبل مثل هذا الاعتراض (لماذا لا تذكر إيجابياته) عندما يكون الرئيس مطبقا للشريعة ملتزما بالإسلامية التي يدعيها لها مؤيد ونكون مع ذلك ننتقد أخطاءه الشخصية الفردية! وحينها يحسن بالفعل أن نذكر في المقابل بكاءه عند سماع خطبة أو تخليه عن جزء من مرتبه للصالح العام أو ترضيه عن الصحابة! لكننا والحمد لله لا ننزل إلى مستوى هذا النقد الشخصي الذي لا يعنينا ونحن نناقش أخطر قضية في حياة الأمة، قضية التخلي عن الشريعة والحكم بغير ما أنزل الله ومداهنة الكفار ومحاربة المجاهدين وتلويث المناهج التعليمية وتضييع ثمرة الثورة.
لن نسمح لأنفسنا أن نشتت جهودنا عن هذا الخطر الأعظم بنقد وضعية الرئيس أثناء لقائه بالدبلوماسيات الأجنبيات غير المحتشمات مثلا...وليس هذا تحقيرا لأي من المحرمات، لكن ليس هذا مستوى نقدنا ونقاشنا ونحن نعيش هذه الحقبة الفاصلة من حياة الأمة.

3) هذا الاعتراض (لماذا لا تذكرون الإيجابيات) نخشى أنه يدل على استهانة السائل بجريمة الحكم بغير ما أنزل الله! وقد ذكرت من قبل في حلقة (مفاسد "الإسلام الديمقراطي" التي لا تعدلها مصلحة) أن هذه الاستهانة تسربت إلى نفوس كثير من المسلمين.
إخواني، كما أن ترك الصلاة يحبط العمل فكذلك الحكم بغير ما أنزل الله يحبط العمل. فمن أراد أن يعترض علينا فليناقشنا في هذا القضية التي نراها أم المهالك بينما يراها هو ذنبا تجبره الصلاة والصيام والصدقة!!!
حتى إن قلتَ إن الحكم بغير ما أنزل الله ليس كفرا أكبر مخرجا من الملة بل كفر أصغر، واخترت للحالة محل النقاش ((فأولئك هم الظالمون)) و ((فأولئك هم الفاسقون))، فهل يطلب منا أن نقول: إيجابيات فلان الفاسق الظالم الكافر كفرا أصغر هي كذا وكذا؟؟!! أم أن الحكم بما أنزل الله لم يعد مطلبا ضروريا لديكم، بعد أن كنتم تدافعون عن "التدرج في تطبيق الشريعة". فأين هذا التدرج؟ وأين "الخطوات الجادة نحو تطبيق الشريعة"؟؟
استشارك رجل في خاطب يريد أن يخطب ابنته، وأنت تعلم أن هذا الخاطب تارك للصلاة، وترى بأن ترك الصلاة ناقض من نواقض الإسلام. فهل يتوجب عليك أن تقول له: مع أنه تارك للصلاة إلا أنه كريم ذكي....إلخ؟
المسألة الفاصلة هنا أننا نقيم الحاكم بالتزامه بشرع الله او حيوده عنه، بينما البعض يقيمه بكارزميته و ذكائه ودبلوماسيته. فما لم نتفق على معيرا التقييم فلن نتفق على ما بعده.

4) البعض يقول: (لماذا لا تنتقد الأنظمة الفاجرة المجرمة في الدول العربية، فهذه أولى بنقدك من مرسي)! أعود فأقول: هذه الأنظمة لا يخفى على أحد فجرها وإجرامها وخيانتها وعمالتها، وقد أنتنت وتعفنت وخمجت وفاحت رائحتها! وقد تكلمنا عنها ولا زلنا نتكلم وابتُلينا في ذلك والحمد لله. لكن هذه الأنظمة لا تدعي الإسلامية، وليس خطرها في التلبيس العقدي والفكري الذي يحدث من الافتتان بها، بل جماهير المسلمين ترفضها وتبغضها وتنتظر اللحظة التي تنقض عليها فيها. وقد ظهر جليا في الثورات العربية أن الشعوب محبة للإسلام مبغضة للأنظمة التي ظهر كفرها وفجورها. لكن الذي يحصل في مصر تحريف للإسلام الذي كنا نأمل أن تعود إليه الشعوب بعد أن رفضت بالأنظمة. ولكن كما قيل:
من غُص دواى بشرب الماء غصته فكيف يفعل من قد غُص بالماء.
وإلا فإن كانت المسألة مجرد نقد لكل من حاد عن الشريعة فنحن حينئذ مكلفون أن نتكلم عن الأنظمة في موزمبيق وكوستريكا وهونولولو!

5) أخيرا، يعترض البعض بأن نقدنا للرئاسة المصرية يدل على خصومة شخصية!!!!!!!!!! وأنا أحمد الله على أني أسمع هذا الكلام وأنا في شبابي لم تجتمع لدي مقومات الجلطة والذبحة الصدرية. فأقول إخواني –واحفظوها عني-: إن رأيتموني أقدُمُ من الأردن وأتقدم للانتخابات الرئاسية المصرية فارجموني في ميدان التحرير ثم اسحلوني في طريق العودة إلى عَمان!
في الجعبة أمتور أمتع لي بكثير أن أتكلم فيها، والحديث فيها يلقى ترحيبا من الناس على اختلاف أطيافهم ويريحنا من ضيق الخلاف والجدل. وقد تلقيت ولا زلت أتلقى تعليقات طيبة من متابعي سلسلة (فن إحسان الظن بالله) التي أسير فيها بأبطأ بكثير مما تمنيت، بل حتى سلسلة (نصرة للشريعة) أُفضل السير فيها على التعليق على هذا الموقف أو ذاك، لأنها سلسلة منهجية أرجو نفعها للمسلمين فيما يستقبل من الزمن. كما أن تجنب التعليقات على هذه المواقف يفتح الآفاق للتنقل والسفر وزيارة البلد الحبيب مصر، التي زرتها مرارا وأحب أهلها وأتمنى زيارتها.
لكن التوجه الخطير للنموذج "الإسلامي" السياسي المصري يشغل عن هذا كله ويحتم على الدعاة التنبيه والتحذير والتوضيح. فأسأل الله أن يهديهم ويريحنا من عناء توضيح أخطائهم ليتفرغ الدعاة للأعداء الأصليين وللدعوة الشمولية لعوام المسلمين.

أسأل الله أن يهدي من ضل إلى سواء السبيل.

والسلام عليكم ورحمة الله.
د. إياد قنيبى