الأدلة على أن الحكم بالقوانين الوضعية كفر أكبر مخرج من ملة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد،،،
ثالثاً؛ أدلة السنة:
1) ما ذكرناه من قصة اليهود التي رواها البخاري ومسلم في صحيحهما وخلاصة ما فعلوه من الكفر أمرين: تواطئهم على الإعراض عن حد الزنا، وتشريعهم مع الله أو تبديلهم الشرع، فالله جعل حكم الزاني عندهم الرجم ولما سألهم الرسول قالوا الجلد والفضح.
2) في رواية لمسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال "مُرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمماً - أي مسود الوجه - مجلوداً، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (هكذا تجدون حد الزاني في كتبكم؟) قالوا: نعم، فدعا رجلاً من علمائهم فقال: (أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتبكم؟) قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم... فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم، فأنزل الله: (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) إلى قوله (إن أوتيتم هذا فخذوه)... الحديث). وهنا كذلك ارتكبوا نفس الأمرين المكفرين.
3) في رواية عن مجاهد في تفسيره قال: "تنازع رجل من المنافقين ورجل من اليهود، فقال اليهودي اذهب بنا إلى محمد، وقال المنافق: اذهب بنا إلى كعب بن الأشرف فأنزل الله: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت) الآية، وهو كعب بن الأشرف". يقول ابن كثير عند إيراده أسباب النزول ما نصه (والآية أعم من ذلك كله، فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت هنا).
وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح أن إسحاق بن راهويه روى في تفسيره عن الشعبي قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فدعا اليهودي المنافق إلى النبي لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم لأنه علم أنهم يأخذونها فأنزل الله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك...).
4) قال الحافظ ابن كثير (قال الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن دحيم في تفسيره: حدثنا شعيب بن شعيب، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عتبة بن ضمرة، حدثني أبي أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى للمحق على المبطل، فقال المقضي عليه: لا أرضى، فقال صاحبه: فما تريد؟ قال: أن نذهب إلى أبي بكر الصديق، فذهبا إليه، فقال الذي قضى له: قد اختصمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لي، فقال أبو بكر: فأنتما على ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبى صاحبه أن يرضى، قال نأتي عمر بن الخطاب، فأتياه فقال المقضي له: قد اختصمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى لي عليه، فأبى أن يرضى، فسأله عمر بن الخطاب فقال كذلك، فدخل عمر منزله وخرج والسيف في يده قد سله، فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى فقتله، فأنزل الله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) الآية) أ.هـ.
قال الحافظ ابن حجر: (وقد روى الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس قال: (نزلت هذه الآية في رجل من المنافقين كان بينه وبين يهودي خصومة فقال اليهودي: انطلق بنا إلى محمد، وقال المنافق: بل نأتي كعب بن الأشرف) فذكر القصة وفيه أن عمر قتل المنافق وأن ذلك سبب نزول هذه الآيات وتسمية عمر "الفاروق". وهذا الإسناد وإن كان ضعيفاً لكن تقوى بطريق مجاهد ولا يضره الاختلاف لإمكان التعدد).
والعجيب في قصة اليهود أنهم كانوا يعيبون الزنا ويعدونه أمراً محرماً ووضعوا له حكماً عاماً يقام على الشريف والضعيف لكن هذا الحكم الذي شرعوه حكم يخالف حكم الله، أما الناظر في حال قوانين زماننا فإنهم يبيحونه إن كان برضى الطرفين! فأي خير فيمن كان اليهود الكفار أفضل منه بذلك؟!
...........................................
رابعاً؛ دليل القياس أو دليل العقل:
ويكون من وجهين:
الوجه الأول: إجماع العلماء على كفر من حكم بحكم الإنجيل أو التوراة مما لم يأت القرآن أو السنة به كما نقل ذلك ابن القيم وابن حزم وغيرهما رحمهما الله، ومعلوم أن هذه التوراة أو الإنجيل كتب سماوية أي أن مصادرها من عند الله سبحانه وتعالى وإن كانت قد حرفت، ولكن القوانين الوضعية التي أحلت الحرام وحرمت الحلال فهي من صنع طواغيت البشر الذين لم يعجبهم تشريع الله ورسوله، فالحكم بها شر من الحكم بالإنجيل والتوراة مع أن كلاهما كفر وضلال.
الوجه الثاني: أن العلماء قد ذكروا أن الذين يحكمون بعادات الآباء والأجداد من رؤساء القبائل أنهم من الطواغيت وأن من أطاعهم في حكمهم فقد حَكَّم الطاغوت ولم يكفر به.
وفي ذلك يقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: (... أما الأول وهو كفر الاعتقاد، فهو أنواع... السادس: ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل، من البوادي ونحوهم، من حكايات آبائهم وأجدادهم، وعاداتهم التي يسمونها "سلومهم" يتوارثون ذلك منهم، ويحكمون به، ويحصلون على التحاكم إليه عند النزاع، بقاءً على أحكام الجاهلية، وإعراضاً ورغبةً عن حكم الله ورسوله، فلا حول ولا قوة إلا بالله).
يتبع...