ابدأ بنفسك
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فما أحوج الإنسان أن يعتني بنفسه ويحرص على ما ينفعه في دينه ودنياه، والمسلم حين يكون رمزًا لدينه ولدعوته ينبغي أن يبدأ بنفسه فيطهرها ويزكيها، وبروح الإيمان وريحانه يعطرها لينجيها.
وعبارة «ابدأ بنفسك» هي لفظة شريفة خرجت من فم شريف لا ينطق عن الهوى، فقد قالها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مواضع عدة، والمرء إذا اهتم بنفسه وبدأ بإصلاحها صار قدوة وإمامًا، فحاز أولا رضا ربه سبحانه، وسلم من نقد الناقد البصير، ثم وجدت دعوته إلى الخير قبولاً عند سامعيه، فيحبه الله ويحبه الناس ويكتب له القبول في الأرض، وليس في الناس قدوة أعظم من خير البرية وسيد البشرية رسولنا -صلى الله عليه وسلم- فقد كان أقرب الناس إلى كل خير وفضيلة يسبق إليها، وتعلم أصحابه -رضوان الله عليهم- منه السبق إلى الخيرات، وتزكية النفوس.
وقد أمر الله سبحانه نبيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ﴿
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾[الأحزاب:59][/size] وقال له أيضا: ﴿
وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾
[آل عمران:159].
وقال تعالى للمؤمنين: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾
[التحريم:6].
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- خير من عمل بكتاب الله وتخلق بأخلاقه والتزم بآدابه، وينقل عنه أصحابه -رضوان الله عليهم- بدأه بنفسه وأمره لأصحابه بذلك.
القرآن الكريم أورد عن بعض الأنبياء البدء بالنفس في الدعاء1- في الدعاء:
عن أبي بن كعب
قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دعا بدأ بنفسه، فذكر ذات يوم موسى فقال: رحمة الله علينا وعلى موسى، لو كان صبر لقص الله علينا من خبره، ولكن قال: ﴿
إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْر﴾
[الكهف: 67].
[مصنف ابن أبي شيبة]وقد أورد القرآن الكريم عن بعض الأنبياء البدء بالنفس في الدعاء.
* فقال إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- فيما قاله الله تعالى عنه في القرآن الكريم: ﴿
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾
[إبراهيم: 41].
* وقال نوح عليه السلام أيضا: ﴿
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾
[نوح: 82]. فكلهم يبدأ بالدعاء لنفسه ثم لوالديه ثم للمؤمنين.
2- وفي الخيرية: قال صلى الله عليه وسلم: (
وأنا خيركم لأهلي).
[أخرجه الترمذي عن عائشة وصححه الألباني]3- وفي التقوى والخشية: قال -صلى الله عليه وسلم-: (
أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له).
[البخاري ومسلم]4- وفي الشجاعة: قال علي -رضي الله عنه-: (
لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو)
[مسند أحمد وإسناده صحيح]5- وفي الصدقة وما ينفع المسلم: قال -صلى الله عليه وسلم-: (
احرص على ما ينفعك). وقال: (
ابدأ بنفسك ثم بمن تعول).
[الترمذي]وعن جابر قال: أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر –أي: بعد وفاته فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (
ألك مال غيره؟) فقال: لا. فقال: (
من يشتريه مني؟) فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدفعها إليه ثم قال: (
ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل شيء فهكذا وهكذا، يقول: فبين يديك، وعين يمينك وعن شمالك).
[أخرجه مسلم برقم 997] وتابعه أيوب عن أبي الزبير به نحوه ولفظه: (
إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فإن كان فيها فضل فعلى عياله...).
[أخرجه أبو داود برقم 3957 وصححه الألباني]اذا أردت أن تعيش سعيدا في العالم فلا تحاول تغيير كل العالم بل اعمل التغيير في نفسك ... ومن ثم حاول تغيير العالم ما استطعت
جزانا الله وإياكم خيرا