الرابط http://almesryoon.com/permalink/23257.html

حالة من عدم الثقة تسود كل تجمعات الفلول ، حتي أن بعضهم سخر من زملائه في التنظيمات الخفية للدولة العميقة وأسماها الدولة العبيطة ، قديما قالوا " أن الدراهم في المواطن كلها : تكسو الرجال مهابة وجلالا" وليس هذا حالهم اليوم ، قبل الثورة ارتكنوا إلي القوة المطلقة للنظام وقبضته الحديدية وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم في الشرطة والجيش ثم في القضاء والبرلمان ، فإذا خلع مبارك أسهل من خلع جورب قديم متهالك ، عندئذ اهتزت للمرة الأولي في مخيلة الفلول نظرية النظام الذي لا يقهر والرئيس الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في البلاد ، ولم يصدق الكثيرون منهم أن قنابل الدموع قد نفدت ومصفحات الشرطة قد حرقت ومقار أمن الدولة أصبحت في هوان بيوت العنكبوت .
في دولة مبارك كانت التقارير الأمنية هى القدر الذي لا يرد في إدارة البلاد عامة ، وفي الوظائف خاصة ، وكان تقرير المحظوظين يقرر أن المدعو فلان ... خامل فكريا مهتز عقديا ثم إنه من قريب ومن بعيد غير ذي صلة بأولئك النشطين فكريا وتنظيميا وبالتالي فهو أهل للوظيفة ويتجدد التقرير الأمني لمن شاء من هؤلاء أن يتقدم أو يتأخر فإن هو من بعد استمرت عنده حالة البله الفكري ، والخمول العقدي ، ثم أصاب الحد الأدني من فنيات عمله ، فحدث ولا حرج عن مكنات الترقية ، وهبات التعلية ، حتي أصبحت مصر مفرغة في السلك الرسمي من ثمة إبداع أو مبدعين ، وأطل علينا أعداؤنا إطلالة المشفق على من بني أجدادهم الهرم فلم يرتفعوا عن سفحه ، حتي أنهم ادعوا لما رأوه من الفشل أنه هرمهم المسروق .
أشاطر مفردات الدولة العميقة الأحزان في سقوط دولتهم العبيطة التي أعلوا من شأن شخوصها على مدي ثلاثين عاما أو يزيدون فكنا نراهم جبالا فإذا هم فقاعات صابون يلهو بها الصبية . إن كان ما قام به أبوحامد ومن صحبه في ثورته من المعتوهين هم أقصي ما يستطيع أن يقدمه لنا من استعملوه من مفردات الدولة العميقة فلا عزاء سوي أن نقول لهم هذا ما كنزتم لأنفسكم عندما أعليتم من شأن الولاء الظاهر على حساب الحد الأدني من الكياسة والفطنة ، حتي أن مفاصل الدولة صارت الي أيد تتعثر في الكتابة فلا تعرف النسخ من الرقعة ، وألسن تتعتع في القراءة فتتلوا علينا أحكام محكمة الجنايات في كبريات القضايا بلسان مهين ولا يكاد يبين ، وجنرالات كان آخر عهدهم بالسلاح في فيلم اسماعيل يس في الأسطول ، واعلاميون يلطمون خدودهم بدلا من أن يديروا حوارات النخبة ، ودبلوماسيون لا يتحدثون سوي العامية المصرية ، فإن كان هذا هو حال تلك الدولة الفاشلة فلا غرو إذن أن يكون أبو حامد وزمرته وعكاشة و " شلته " هم القادة في ثورة الفلول ولا يقدح في ذلك كون القادة الحقيقين مستترين ينظرون من طرف خفي لأن المستترين أفشل من الظاهرين .
إن المنظومة الإدارية قبل الثورة أصابها التجريف أكثر مما أصاب الأرض الزراعية ، وأشرفت أمريكا ومن ورائها اسرائيل على أسلوب هيكلتها فضلا عن اختيار شخوص بعينها فيها ، ولا شك أنهم يندمون الآن على خياراتهم التي راعوا فيها إفراغ عقل الأمة وانهاك جسدها وتهيئتها للإفتراس الناعم بعد أن يسقط الشعب مغشيا عليه ، وربما لم يدر بخلد من أداروا تلك السياسات أنهم ربما تعوزهم الحاجة يوما إلي من يديرون ملفات تتعلق باسقاط رئيس الدولة لا سمح الله ، أو البحث في سجلات الشهر العقاري لتسوية اعتداءات أبناء الرئيس والوزراء وكبار الضباط على أراضي الدولة لا قدر الله ، مثل هذه الملفات والأفكار كان من الخطورة الحديث فيها الي درجة أن أحدهم لو رآها في منامه لما اكتفي أبدا بأن يتفل على شماله ثلاث مرات فقط .
لقد استمتعت بمشاهدة أبي حامد والذين معه وهم يمشون في الشوارع قليلا مستضعفين يخافون أن يتخطفهم الناس لأن هزالهم هذا هو أقصي جهد الفلول ، ولكني لم استمتع بوصلة الغناء للفنان الجديد وهو يصدح بأناشيد الفلول " تنظيم اخوان .. باطل " " مرشد اخوان ... باطل " وكذلك لم استمتع بوصلة هز الوسط التي قام بها أثناء الغناء وكان الأوفق أن تقوم بتلك المهمة واحدة من الثائرات حتي يكتمل المشهد الفلولي ولكني ألتمس له العذر فيما قام به من أداء راقص بنفسه بعد أن تغيبت كثير من الفنانات المتخصصات في تلك المسائل وربما أراد الرجل أن يشفع له هز الوسط عند أربابه بعد أن فشل في اسقاط الدولة وخلع الرئيس وحرق المقرات .... .....
إن ما يحصده الفلول الآن من فشل ذريع .. هو ما زرعوه من قبل من فساد كبير ..