مابين الرزق والانفاق
سَأَلَ رَجُلٌ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَعِظَهُ فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِالرِّزْقِ فَاهْتِمَامُك بِالرِّزْقِ لِمَاذَا؟، وَإِنْ كَانَ الرِّزْقُ مَقْسُومًا فَالْحِرْصُ لِمَاذَا؟، وَإِنْ كَانَ الْخَلَفُ عَلَى اللَّهِ حَقًّا فَالْبُخْلُ لِمَاذَا؟، وَإِنْ كَانَتْ الْجَنَّةُ حَقًّا فَالرَّاحَةُ لِمَاذَا؟، وَإِنْ كَانَتْ النَّارُ حَقًّا فَالْمَعْصِيَةُ لِمَاذَا؟، وَإِنْ كَانَ سُؤَالُ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ حَقًّا فَالْأُنْسُ لِمَاذَا؟، وَإِنْ كَانَتْ الدُّنْيَا فَانِيَةً فَالطُّمَأْنِينَةُ لِمَاذَا؟، وَإِنْ كَانَ الْحِسَابُ حَقًّا فَالْجَمْعُ لِمَاذَا؟، وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فَالْحُزْنُ لِمَاذَا؟.
وَقَدْ قَالَتْ رَابِعَةُ الْعَدَوِيَّةُ لِرَجُلٍ رَأَتْهُ مَهْمُومًا: إنْ كَانَ هَمُّكَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ فَزَادَكَ اللَّهُ هَمًّا، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا فَفَرَّجَ اللَّهُ هَمَّكَ.
نحن في حاجةٍ إلى أن نُضحي من أجلها أكثر من حاجتها إلى تضحيتنا، مَن آمن بذلك سعى إليها بماله مجاهدًا، ومَن لم يؤمن انتظر مَن يجبي منه المال بطرق بابه مرةً ومطالبته أخرى والإسرار إليه مرةً والجهر أخرى.
حُكي أن إبراهيم بن أدهم أراد أن يدخل الحمام فمنعه الحمامي أن يدخله بدون الأجرة فبكى إبراهيم وقال إذا لم يؤذن لي أن أدخل بيت الشيطان مجانًا؟ فكيف بالدخول في بيت النبيين والصديقين والشهداء والصالحين بلا زادٍ ولا عمل؟
فادفع الأجرة وأوفِ بعهدك وتاجر مع ربك يهدك إلى سواء الصراط ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69﴾ العنكبوت
واحمد الله الذي فتح لك باب الجهاد بالمال طوال حياتك، في حين أغلق في وجوه الكثيرين من أبناء أمتك، واحذر أخي أن يحجبَ الله عنك أنواره ﴿كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46﴾ التوبة
متعنا الله بالصحة والعافية، ورزقنا حب الجهاد في سبيله آمين.. آمين والحمد لله رب العالمين.