الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين، والآخرين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن إصلاح القلوب، وتطهيرها من الأكدار، وحسن النظر فيها، وبذل المجهود في استقامتها؛ أمر مطلوب شرعاً، كيف لا وهي موضع نظر الله - سبحانه وتعالى - من عبده فعن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم؛ ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))1، وصلاح القلب صلاح للظاهر فعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((الحلال بيَّن، والحرام بيِّن، وبينهما مشبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب))2.
وإن سلامة القلب هي من الأمور التي تجعل العبد يفوز بخيري الدنيا والآخرة قال - تعالى -: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}3، ولها أسباب منها:
1. تلاوة القرآن الكريم، والأخذ به ظاهراً وباطناًً، وحفظاً وتدبراً وتعلماً؛ فإن الله - سبحانه وتعالى - قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}4، فالقرآن أبلغ موعظة، وأنفع الأدوية لما في الصدور من أمراض الشبهات والشهوات التي تدخل على القلب فتفسده.
2. ذكر الله - عز وجل - فقد قال الله - تعالى -: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}5، فذكر الله - عز وجل - جلاء القلوب، فإن القلب يصدأ كما يصدأ الحديد والنحاس، وجلاؤه ذكر الله - عز وجل -.
3. التوبة النصوح، والمداومة عليها، والاستغفار، والدعاء بالثبات على الهداية فعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً؛ إلا ما أشرب من هواه))6، وعن الأغر المزني - رضي الله عنه - (وكانت له صحبة) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة))7، وعن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من قلب إلا بين أصبعين من أصابع الرحمن؛ إن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، والميزان بيد الرحمن يرفع أقواماً، ويخفض آخرين إلى يوم القيامة))8.
فهذه هي أهم أسباب صلاح القلوب، وعلى العبد أن يحرص أشد الحرص على كل ما يصلح قلبه وبخاصة في مثل هذا الموسم المبارك (شهر رمضان)، وأن يبتعد أشد البعد عن كل ما يفسد قلبه، فإن استقامة القلب وصلاحه دليل على الإيمان الصادق، وباستقامة القلب وصلاحه يفلح العبد وينجو يوم القيامة.
كما أن استقامة الإنسان وصلاحه، وتيسير الأعمال الصالحة يكون أكثر في رمضان؛ إذ البيئة المحيطة تعين الإنسان على عمل الخير، والمسارعة إليه، والثبات عليه.
نسأل الله - عز وجل - أن يصلح قلوبنا، ويؤتي نفوسنا تقواها، ويزكيها هو خير من زكاها، إنه وليها ومولاها، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.