فيما تستمرّ وتيرة الثورات بالتصاعد في الدول العربية، وينكبّ المشاهدون على الفضائيات لتتبّع مسارها وأحداثها، يتبادر سؤال عن تأثير هذه الأخبار على الأطفال الذين يسمعون ربما للمرّة الأولى مفردات جديدة عليهم تتمحور حول الثورة والمظاهرات والفساد وإسقاط النظام وبما أن الصغار اسفنجة تمتصّ الكلمات والأفكار، تشكّل صور التلفاز مصدراً هاماً للمعلومات وتمتلك أثراً لا يستهان به على نفسياتهم، خصوصاً إذا لم تخضع للفلترة والتفسير والتوضيح من قبل الأهل.
«سيدتي» ترصد تأثير الأحداث السياسية وأثرها النفسي والاجتماعي والتربوي على الأطفال، في التحقيق التالي:
يشرح الاستشاري في الطب النفسي الدكتور محمد القحطاني "أنّ الطفولة المتأخّرة، التي تمتدّ بين سنّ 8 سنوات و12 سنة، تشكّل مرحلة خطرة. فعندما يرى الطفل قريناً يبدي رأيه برئيس أو بحاكم، يتمرّد ويحطّم قيود الخوف والرهبة فلا يردعه رادع سوى عندما يتلقّفه والداه ويفهماه أنّ لكل فرد حدوداً ودوراً في التغيير". ويضيف "أنّه يجدر بالأبوين إفهام ابنهما أن عبارة "الشعب يريد إسقاط النظام" والتي يردّدها المتظاهرون تحجب خلفها بعض المعطيات الدقيقة. فعندما يسقط النظام، ماذا سوف يحلّ مكانه؟ وأين تكمن مرحلة البناء؟". ويذكر "أنّه في حال إيجاد الصغير التفسير الواضح عن السؤال سالف الذكر، فإن عقله الباطن سيتّجه إلى التحليل، فلا يفسّر إسقاط النظام بإسقاط الحكومة الفاسدة فحسب وإنما إسقاط أي أمر غير نظامي".
ويذكر أنّه تنتشر في الآونة الأخيرة بعض العبارات على ألسنة الأطفال، على شاكلة: "الشعب يريد إسقاط الماما أو البابا أو المدير"، ما يدلّ بوضوح على وعي الطفل بما يحوطه، مشدّداً على ضرورة أن يلقى التوجيه المناسب من أبويه، لأنه لا يمتلك العمق الفكري لفهم القصد من الثورة. وهذه الأخيرة، حسبه، عراك يشبه المراهقة في حياة المرء، فعندما تكسب هويتها تنتقل إلى مرحلة النضج.
التوجيه الصحيح
بدورها، توضح الناشطة الاجتماعية وفاء شماء "أن للصراع الذي يشاهده الأطفال على شاشات التلفاز أثراً يترسّخ في ذاكرتهم"، مشيرةً إلى أنّه يجدر بالأبوين رعاية صغارهما وتوجيههم بطريقة صحيحة تجاه هذه الأحداث، وذلك نتيجةً لمشاهدتهم نشرات الأخبار التي لا تخلو من صور القتل والدمار، ما يؤثّر على نفسياتهم وأفكارهم، فتصبح ردود أفعالهم مختلفة، وقد يعانون من الاستنفار الدائم من أصوات تحليق الطائرات أو صدى المتفجّرات! وترى أن المشاهدة المستمرّة لهذه الصور تدفع الصغير إلى التفكير في هذه الأحداث، ما سيولّد عنده ردّ فعل عكسي، فيصبح غير مبالٍ لا يهمّه إيذاء الآخرين ويمتنع عن طاعة الأوامر. ولكن، دور الأهل يكمن في استغلال هذه المستجدات في بناء شخصيّات أطفالهم وإعادة تأهيلها، فيتوجّب عليهم أن يعلّمونهم، من خلالها، حبّ الوطن والحقوق الواجبة عليهم تجاهه وعدم الخوف من المواجهة وسماع الرأي الآخر، حتى يتمكّنوا من تجاوز خوفهم بل يصبحون مؤثرين في محيطهم".
مفردات جديدة
أمّا التربوية مها الدوسري فتؤكّد أن الثورات العربيّة تولّد جيلاً يتطلّع إلى مستقبل واعٍ بما يحوطه وتحثّه على البحث عن الأسباب المسؤولة عن اندلاعها، مشدّدة على دور الإعلام في انتقاء الصور التي تجذب انتباه الطفل العربي وتدع بصمة لإنتاج جيل مثقّف.
وتروي أن متابعة الطفل لأحداث الثورات العربية، يجعله يمتلك الجرأة في طلب ما يريده من أهله أو من مدرّسيه. وفي هذا الإطار، تتحدّث عن إقدام تلامذة إحدى المدارس على التظاهر للمطالبة بإبعاد الوكيلة، أو مطالبة مجموعة من الفتيات بإصلاح المكيّفات والاهتمام بالمرافق الصحية في مدرستهن، لافتةً إلى مفردات لغوية جديدة باتت تستخدم من قبل التلامذة لم تكن منتشرة من قبل.
خطوات مفيدة
لا يجدر بالأهل منع أطفالهم من مشاهدة تطوّرات الأحداث السياسية، إنما يتوجّب عليهم محاورتهم ومحاولة فهم استنتاجاتهم وتوعيتهم بضرورة الاستقرار بعد الثورة، خصوصاً في مرحلة الطفولة المتأخرة. وهذه خطوات مفيدة، في هذا المجال:
•يجدر بالأبوين توعية أبنائهما أنّ كل عمليّة هدم لا بدّ أن يليها بناء، وذلك لتستمر الحياة بشكل صحيح ومتوازن.
•يفضّل مراقبة ما يشاهده الأطفال لأن من شأن هذه المشاهد أن ترسخ في أذهانهم
•توجيه الأطفال في السنّ التي تتجاوز 12 سنة، لأنّ عقلهم يصبح قادراً على التمييز بين الخطأ والصواب.
•يجدر بالأبوين الامتناع عن عزل أطفالهما عن أرض الواقع، بمعنى عدم إيداعهم في عالم أفلام الكرتون ما يجعلهم يجهلون ما يدور حولهم أو الضغط عليهم بأفكار تتجاوز أعمارهم.