مقال للكاتب صلاح الامام
لا أعتقد أننى ندمت طوال حياتى مثلما أغرقنى الندم على مقال كتبته هنا منذ ستة اشهر أشدت فيه ايما إشادة بقناة الجزيرة، وأعطيتها مكانة رفيعة وسامية، بل قلت وقتها أنها بطل ثورة 25 يناير، فكبر ذنبى تجاه ربى بشهادة زور غير حقيقية، لكن عذرى أنى كنت مثل الملايين مخدوعا ومغررا بى ، وذنبى تجاه القراء كان كبيرا لكنى هنا أعود لتصحيح هذا الخطأ الجسيم طالبا منهم السماح.
قلت أنها كانت صاحبة الدور الفعال فى إشعال حماس الملايين بنقل وبث المشاهد المثيرة عن استخدام العنف ضد المتظاهرين، فلعبت دورا فعالا فى حشد الملايين، لكنى لم أفطن إلى غرض هذه القناة التى أصبحت على يقين بأنها موجهه لأغراض رخيصة وغير نبيلة.
كاميرا تلك القناة ترى بعين واحدة وكأنها المسيح الدجال، ترى عصابات الفوضويين وميليشيات المخربين، وتنعتهم بالثوار، ولا ترى الشرفاء الذين يطالبون بالاستقرار .. تستضيف رموز الفكر الماركسى ، ورموز الفكر العالمانى المتطرف، وتضع أمامهم جل إمكانياتها، ليبثوا سمومهم على الملايين، وتتجاهل تماما الرموز الوطنية الطاهرة الشريفة العفيفة، وإذا استقدمتهم من باب ذر الرماد فى عيون الفجر، إما تضعهم على الهامش فى مساحة ضيقة من الوقت، أو تستحضر أمامهم ذوى الألسنة البذيئة من رموز الفكر الماسونى العلمانى الملحد ..
لم تكتف الجزيرة بشبكة قنواتها التى باتت فوق الحصر، وبعدة لغات، تنفق المليارات، بل بثت قناة جديدة مخصصة لمصر، لتلاحق الأحداث وتصيغها فى الإطار الذى حدده من يديروها من وراء الستار، ولتلعب دورا فعالا فى نشر الفوضى والإضطرابات فى مصرنا الحبيبة.
هالنى تغطيتها لأحداث العباسية، مجموعة من البلطجية والعملاء المأجورين توجهوا لمقر المجلس العسكرى، الذى بات صمام الأمن والأمان الوحيد لمصر فى تلك الأيام، توجهوا إليه لاستفزازه، أملا فى أن يتصدى لغوغائياتهم ويطلق عليهم رصاصة أو قنبلة، لينفجر الوضع فى مصر، وتتحول البلاد إلى ساحات قتال، وكان السيناريو جاهزا، حيث ستقوم تلك الفضائيات الملعونة ببث صور للضحايا، مصحوبة بالتعليقات المسمومة عن الدماء الطاهرة لشهداء الثورة على ايدى العسكريين، لكن مجلسنا العسكرى ضيع عليهم هذه الفرصة، وخرج المواطنون الشرفاء يدافعون عنه بكل ما يملكون، مشحونون بغضب شديد تجاه هؤلاء المأجورين الذين احتلوا أهم ميادين القاهرة، وعطلوا مصالح الناس والعباد، وتسببوا فى إغلاق المحلات وابواب الرزق، خرج المواطنون الشرفاء يتصدون لهؤلاء البلطجية، وافسدوا مخطط من يحركهم، وكانت قناة الجزيرة جاهزة بكل أمكانياتها فى الميدان من قبل الواقعة، وهو امر مريب، وظن من يقفون ورائها أنها ستنقل للعالم خلال ساعات كيف يقتل العسكريون "ثوار مصر"، لكن عندما انتهى الزحف المدنس للبلطجية قبل أن يصلوا لمقر المجلس العسكرى، راح مندوبوها في التحضير للقاءات مع بعض هؤلاء البلطجية، وتنقل تطاولهم وقلة ادبهم وسفالتهم، وقدحهم فى المجلس العسكرى، ومن بين هؤلاء التقى مندوبهم ـ على سبيل الخطأ ـ بمواطن ظنا من إدارة القناة أنه سيكمل سيل السباب إلى المجلس العسكرى، فإذا بالمواطن يستنكر ما يفعله هؤلاء البلطجية، وقال إن المجلس العسكرى هو الذى حمى الثورة، وأنه يستحق التكريم والتبجيل، فإذا بمذيع الجزيرة يقاطعه قائلا: دع المجلس العسكرى يدافع عن نفسه .. هذا ليس شأنك (!!)، فأى إعلام هذا الذى يعمل فى اتجاه واحد فقط؟!
نادم على كل كلمة مدح كتبتها فى حق هذه القناة، بعدد كلمات مقالى، وبعدد حروف كلماتى، أضعافا مضاعفة .. نادم .. نادم، وأعتذر عما كتبته فى حق تلك الجزيرة الشيطانية، التى أضحى فى حكم اليقين أنها جزء هام من منظومة الإعلام الصهيونى العالمى، وأن مهمتها الأساسية هى إسقاط الدول وإشعال الفتن والحروب، تطبيقا لما ورد فى بروتوكولات حكماء صهيون.
جزيرة الشيطان، تستضيف صباح مساء كل يوم، مجموعة من الصبية الذين لا يعرفون ما معنى دستور، وما معنى سلطة تشريعية، بل لايعرفون ما معنى الثورة، ورغم هذا صنعت منهم نجوما، حتى صدقوا أنهم زعماء يصنعون التاريخ، وهم مثل صبيان المماليك فى العصور السالفة، وقد يكونوا يحلمون بقيام دولة مملوكية جديدة (!!)، مجرد غلمان فرطوا فى شرفهم وفى انتمائهم الوطنى، مقابل خلع ثوب الزعامة عليهم، وتحريك مستواهم الإجتماعى درجة إلى الأعلى، فذاقوا الحياة المرفهة، وفى سبيل ذلك يتوهمون أنهم قادرون على إسقاط مصر.
مصر ليست هؤلاء الذين لا يزيد عددهم عن ألف صبى وغلام، ومصر الآن فى خصومة مع هؤلاء، وكل شرفاء مصر مطالبون بالتصدى لهؤلاء، ولكل من يشجعهم وينفق عليهم، ولكل من يفرضهم علينا على مدى اليوم بنهاره وليله فى الفضائيات، وكأنهم معجزات هذا الزمن.