بعدما عرفنا بايجاز مفهوم الدولة الدينية نأتى الى سؤال مهم ألا و هو ما هى الدول المعاصرة التى ينطبق عليها مصطلح الدولة الدينية ؟ و الاجابة المدهشة لهذا السؤال هى أنه لا توجد فى العالم المعاصر دولا دينية بالمعنى الحرفى للكلمة. و لكن هناك دول يمكن أن تكون اقرب الى الدولة الدينية بتفاوت نسبى و ليس يشكل مطلق. أفضل مثال لهذه الدول هى اسرائيل و ايران و السعودية . فاسرائيل دولة تتأرج بين مفهوم الدينية و المدنية بشكل غريب. فهى دينية من حيث أنها قائمة على الفكرة الصهيونية و أن اليهود هم شعب شعب الله المختار و أن ما دونهم من الناس ليسوا مثلهم و انهم ٌأقرب الى حيوانات خلقها الله لخدمة اليهود. و الشريعة اليهودية تؤكد لهم هذه الفكرة فتجعل الزنا و السرقة و التعامل بالربا و الاحتيال ذنوب محرمة على اليهود فيما بينهم و مستحبة أو فى بعض الاحيان واجبة مع غير اليهود.و هى دولة مدنية من بعض النواحى الاخرى من حيث انها دولة ديموقراطية و قائمة على الاحتكام الى ارادة الامة ( من اليهود و غيرهم ) و انه من حق كل المواطنين التعبير عن ارائهم السياسية بحرية مطلقة و انتقاد كل من يريدون انتقاده و ان كل المواطنين أمام القضاء سواء و أن القانون يطبق على الجميع و أن رجال الدين اليهودى بشرا و ليسوا معصومين من الخطأ و الانحراف و أن معظم استطلاعات الرأى تشير أن أكثر من 70% من اليهود علمانيون و لا يؤمنون بما جاء فى الطوراه عن اليهود و بأفضليتهم و تمايزهم عن سائر البشر. من ناحية أخرى نرى محاولة الحكومات الاسرئيلة المتعاقبة منذ قيام دولة اسرائيل على الدفع بسياسة التمييز العنصرى ضد الموطنين غير اليهود فى الدولة و التضييق السياسى و الاجتماعى و الاقتصادى و الاعلامى على غير اليهود من ابناء اسرائيل . و السياسة الاستعمارية فى التعامل مع جيران اسرائيل من العرب و قصر المناصب السيادية فى الدولة على اليهود و المحاولات المتكررة لاعادة صياغة الدستور الاسرائيلى و تضمينه بند ينص علانية على يهودية الدولة و ربطها بالمرجعية الدينية لليهود. ينطبق معظم ما قلناه ن اسرائيل على كل من الجمهورية الاسلامية بايران و المملكة العربية السعودية من حيث تبنى ايران للمذهب الامامى الاثنى عشرى و جعله مذهبا رسميا للدولة و وجود المؤسسات الدينية و المرجعيات المذهبية المختلفة التى تمارس دورها الدينى و السياسى فى مراقبة المسارات السياسية للدولة و الحفاظ على الوجهة الشيعية الاثنى عشرية التى قامت عليها الجمهورية منذ انلاع الثورة الاسلامية عا 1989 على يد الامام الخمينى المؤسس و الرئيس الاول للجمهورية منذ قيامها على انقاض امبراطورية الشاه السابقة للثورة. هذا هو الجانب الدينى لايران و يتشابهه الجانب المدنى لها مع الجانب المدنى الذى نوهنا عنه فى دولة اسرائبل. ينطبق نفس الكلام مع تفاوت نسبى على المملكة العربية السعودية التى قامت فى نهايات القرن الثامن عشر فى نجد و الحجاز بناءا على التحالف مع الحركة الوهابية و التوافق بين انصار الحركة الوهابية و مؤسسى الدولة من أل سعود على ان تجعل الدولة الجديدة من المذهب الوهابى مذهبا عاما للدولة و من علمائه مرجعية فكرية للحكام الذين سيقومون بدورهم فى نشر افكار و رؤى هذا المذهب مقابل ضمان و لاء الحركة الوهابية و انصارها لملك ال سعود و الدعوة لهم على المنابر و مساعدتهم لتوطيد اركان ملكهم فى كافة ارجاء الجزيرة العربية. و لكن بعد ما اوردناه نجد انفسنا أمام سؤال ملح. الا وهو اذا لم تكن هناك دولة فى العالم المعاصر تعتبر دينية بشكل كامل ؟ فمن اين نشأ مفهوم الدولة الدينية ؟ و هل تعتبر الدولة التى اسسها رسول الاسلام (ص) فى المدينة ثم من بعده فى الجزيرة العربية اصحابه من الخلفاء الراشدين دوله دينية؟ منتظر تعليقاتكم