من الآفات الفردية ( الطمع ، والحرص ) هما أخوان رضيعا لبانِ ضعة النفس .
النفس إذا خفت طلبت شيئاً لتثقل معه ، حتى ترجح الكفة ، فهي كالبضاعة إذا نقصت احتاجت إلى ثقل معها ، لتعدل الميزان ، او ترجح البضاعة !
والطماع والحريص يشعر ان بهذه الخفة في أنفسهما ، فيطلبان ما يتحقق به التوازن .
والطامع فقير مهما كثر ماله ، فإن الفقر فقر النفس ، لا فقر الجيب واليد !! قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( أفقر الناس الطمع ) .
وإنه لحق !! ان الفقير مهما جاع أو عرى لا يطلب إلا ما يستر عورته ويشبع جوفه .. أياماً ، أو أشهر ، أو سنيناً .. وهي غاية طلبه ، أما ذو الطمع ـ وذو الطمع وحده ـ : هو الذي لا يرى أمداً لطلبه ، فهو يطلب ويطلب .. ويحرص ويحرص ... حتى يكون مصداق قوله ( عليه السلام ) : ( لو أن لابن آدم واديين يسيلان ذهباً وفضةً لابتغى إليهما ثالثاً ) .
ولو سألت الطامع الذي جمع مالاً ونشباً يكفيانه طيلة أعقاب سبع ـ لا هو وحده ـ : ما الذي تريد ؟ لم يكن له جواب : إلا الفقر في النفس ، والخسة في الروح ، والنقص في القلب ..
ولو كشف باطن الطمع ، رؤي فيه كل ذل ومنقصة ! إنه يقود المرء إلى كل شيء .
قال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( بئس العبد عبد له طمع يقوده ، وبئس العبد عبد له رغبة تذله ) انه بئس العبد في الحقيقة !
الطمع يقوده إلى الذلة ، والحقارة ، والحسد ، والحقد ، والعداوة ، والغيبة ، والوقيعة ، وظهور الفضائح ، والظلم ، والمداهنة ، والرياء ، والنفاق وعدم الرضا بالقسمة ، والاتكال على الباطل ... !!
إنه طماع ، فلذلك تهون عليه كل رذيلة في سبيل إشباع طمعه .
وإلى هذا يشير الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) حيث قال : ( رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس ... ) لا يظلم لدرهم ، ولا يداهن لدار ، ولا يذل لمطمع ..
وبعد هذا لا يحتاج إلى فكر وتخريج وجه الجواب الذي أجابه الإمام الصادق ( عليه السلام ) لـ ( أبان ) ، قال : ( أبان بن سويد ) قلت : ما الذي يثبت الإيمان في العبد ؟ قال : ( الذي يثبته فيه ( الورع ) والذي يخرجه منه ( الطمع )) .
إنه لا إيمان لذي الطمع ! وأي إيمان له وهو يرتكب كل محظور لإشباع نهمة طمعه ؟ !
إن الإسلام يريد أن يكون الفرد أمثولة في الغنى النفسي ، قبل الغنى المالي ، فلا يطمع كي لا يسلك به الطمع مسالك الذلة والمهانة ، والسؤال .. حتى من أكبر شخص ، حتى من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! نعم : حتى من النبي !!
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( من سألنا أعطيناه ، ومن استغنى أغناه الله ) .
وأية نسبة بين إغناء الله وإعطاء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ؟! إنها نسبة الواحد إلى مائة ألف أو أبعد !!
في قطع الطمع خير الدنيا بالعز والسعادة ، والاعتماد على النفس ، والرضا بالقسمة ... وخير الآخرة بالثواب الحسن ، وبالجزاء الجميل ..
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( فإن أردت أن تقر عينك ، وتنال خير الدنيا والآخرة ، فاقطع الطمع مما في أيدي الناس .. ) .