مخطط مكشوف
لا تهدأ أفكار الإفساد طالما أن هذه الأفكار تجد من يمولها وتجد من ينفذها فالأفكار كالبذور لابد لها من يد تغرسها ومن يد ترويها ما لم تكن بذورا بريه بعيدة عن الإستغلال . وهذا ما أستشعره من الأيدي التي تعبث بعلاقات مصر بدول الخليج العربي .
لعل المحامين الكويتين الذين قرروا الحضور للدفاع عن اللص وابنائه وعن القاتل وشركائه لم يكونوا مدفوعين لذلك باحساس بضعف الوكلاء المصريين ( رغم أن المحامين المصريين ظهروا بمظهر أقرب أن يكون هزليا منه الي الجلال والعظمة التي كانت عليها مهنة المحاماة قبل ستين عاما ) لأن الإخوة الكويتين ببساطة اضعف كثيرا منهم ولم يكونوا مدفوعين باحساس انساني بالشفقة على رجل كهل مريض يدخل قفص الإتهام على نقالة ببساطة لأن صور قتل المتظاهرين اشد بشاعة واعظم أثرا ، وأكاد أن أجزم أنهم حتي تاريخ حضورهم الي القاهرة لم يكونوا على علم بسبب حضورهم الحقيقي رغم أنني أجزم أيضا أنهم حتي لحظة حضورهم كانوا حسني النية .
لعل مشكلة المصريين المعتمرين الذين يعلمها الجميع ليست بالضرورة وليدة الظروف القهرية ولكنها ليست أيضا بالضرورة وليدة الصدفة المحضة . أعتقد أن ثمة مخططا يحاك لإفساد العلاقات بين الشعوب العربية وهذا المخطط ليست بدايته يوم نجاح الثورة المصرية وانما تمتد إلي فترات سابقة .
قيل في الماضي القريب ان العرب اتفقوا على ألا يتفقوا أبدا ، وإنني اعتقد أن مدة صلاحية هذا القول قد انتهت وأن حاكم مصر المخلوع ان كان قد عمق هذا القول بأفعالة الإجرامية ردحا من الزمن فإن الشعب المصري قد أنهي فترة حكمه وهو على وشك ان ينهي حياته ، وقرر الشعب المصري وبقية الشعوب العربية أن يبدأوا من المربع رقم واحد عام 1924 وهو العام الذي انتهت فيه الوحدة نظريا وبدأت فيه الأفكار العملية للوحدة العربية الكبري واختلفت الرؤي بين القومية والإسلامية والبعثية والجماهيرية والإمامية ولما اختلفوا صنع كل حاكم الأمة العربية الواحدة في بلده بمفهومه إلي أن قامت الشعوب العربية مجتمعة بثوراتها وحملت بعضهم الي المحاكمات أو المنفي أو الحصار حتي يقع كالجرذ المدحور .
لا نختلف على أن للأمة العربية أعداء متربصون وأنهم عازمون لا محالة علي منع وحدة الأمة واصطفافها على كلمة رجل واحد ولهم في سبيل تحقيق ذلك مكر كبير وهنا سوف اتعرض لما يمكن يكون وسيلة للتفرقة واثارة البغضاء بين الشعوب واكتفي في هذا بنقطتين : الاولي وهى محاكمة حسني مبارك والثانية هى مشاعر الكبرياء والتفاخر من شعوب على شعوب .
- لاشك ان قرب الدول العربية من مصر على مدار التاريخ الحديث يفرض عليها التعامل مع من يحكم مصر فلا يمكن مثلا للسعودية أن تستغني عن كثير من ألوان العمالة المصرية وهو أمر يتعلق بطائفة من الشعب المصري ولكنها في سبيل الوصول الي ذلك لابد لها من التعامل بشكل أو بآخر مع من يحكم مصر اما بالنسبة للملف الأمني وأقصد به امن منطقة الخليج الذي يعتبر بطبيعة الحال جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري وعلى مدار الثلاثين عاما الماضية تعاملت دول الخليج مع حاكم مصري واحد وغاب تماما الشعب المصري عن المشهد السياسي في مجال المقاربة بين مصر والسعودية وإن كان الشعب المصري ليس له سلطان على مقدراته فكيف للآخرين أن يضعوه في حسبانهم وقد أهان نفسه وأنكر ذاته ورضي بالخضوع والمذلة . لم ير الكويتيون للشعب المصري ثمة دخل في تحرير الكويت فالأمر والنهي كان لمن يحكم مصر وليس للشعب ، وهكذا مع مرور الوقت نمت وتشعبت العلاقات بين الخليج وحسني مبارك بصفته هو مصر .
- اليوم سقط النظام في مصر الذي كان هو مصر ولا يمكن أبدا أن تكون علاقات على هذا النحو بالبساطة التي تجعلها تمحي في يوم وليلة بل لابد من بعض نقاط التمزق غير أنها سرعان ما تتصل مرة اخري .
- لا أحد يستطيع أن ينكر أن الكويت رغم صغر مساحتها وقلة عدد سكانها كانت شريكتنا في حرب 1973 بكتيبتها التي كانت في قلب سيناء ، لا أحد يستطيع أن ينكر أن الإمارات قطعت البترول عن أمريكا في حرب 73 لا أحد يستطيع أن ينكر أن السعوديون كانوا ولا يزالون ألد أعداء اسرائيل . لا غرو في أن قطر قادت حركة التحرر العربية عن طريق قناة الجزيرة التي حدث جورج بوش توني بلير بقصفها ضمن عملية غزو العراق إذن ماذا حدث بيننا نحن الشعوب العربية ؟ إن ما حدث ببساطة أننا تركنا حسني مبارك ليمثل مصر ثلاثين عاما مع أشقائنا فمزق ما بيننا وبين السودان وهو لحمنا ودمنا ثم افسد علينا علاقتنا بالجزائر التي حملت عنا تكاليف التسليح الروسي في وقت كنا لا نملك قوتنا وانهي علاقتنا بالعراق التي فيها معاشنا ومنها بنيت قرانا ونجوعنا واضعف حركات المقاومة في فلسطين التي هى خط الدفاع الأول عن بلادنا وفعل غير ذلك الكثير والكثير والكثير ليمزق وحدتنا التي هى بعد الدين عصمة امرنا .
- لذلك فإنني أدعو الي عدم الإنسياق وراء تلك المؤامرات الدنيئة للدخول في مبارزات لفظية و مناظرات ليس من ورائها سوي تعميق الفرقة وزيادة الخلاف . إن كان في الخليج من يحب حسني مبارك ففي مصر من هو أشد حبا لحسني مبارك وعصابته وإن كان في مصر من يكره حسني مبارك ففي الخليج من هو أشد كرها لحسني مبارك والأمر الآن بالنسبة لحسني مبارك وعصابته في يد القضاء ينزل به حكمه العادل ولا يغرنكم أن الحكم ليس الموت فحسني مبارك وحبيب العادلي ومساعديه ليسوا بعيدين عن الموت وأن عدة سنوات في السجن بالنسبة لهم هى الموت البطئ ورغم اني متأكد انهم حريصون على الحياة إلا أنهم بعد أن يمضوا في السجن عدة أشهر بلباس السجن وطعام السجن ونظام السجن ربما يعودوا الي القاضي ليعترفوا بذنوبهم لعله يحكم عليهم بالإعدام ويريحهم مما ألم بهم في هذه السنوات المتقدمة من أعمارهم وأغلبهم قد تجاوز السبعين .
- والنقطة الثانية وهى اثارة النعرات بين الأشقاء وذلك في محاولة للتفاخر والتباهي عبر وسائل الإعلام ، وقد درجنا نحن العرب على الإنسياق لهذه النعرات بسبب موروثنا الفخروي ( الأونطة ) . فيقول مصري أن دول الخليج في عدد سكانها مثل حي شبرا وهو أمر ليس محلا للفخر فتكدس حي شبرا بالسكان مع انعدام المرافق وضعف الإمكانيات شئ لا يدعو الي التباهي والإفتخار ولكنه يقنع نفسه بأن هذه نقطة ايجابية في ميزان التحدي الكلامي فيرد الكويتي بأن سكان المقابر في مصر لا يجدون قوت يومهم وعددهم يفوق عدد سكان حي شبرا الذي تفتخرون به أما نحن في الكويت فأصحاب المليارات وهو أمر أيضا ليس محلا للفخر بين الأشقاء لأن المليارات بدون فكر لا تعني سوي العبث والانحراف ولكنه يعتقد أنه قد سجل نقطة تضاف الي رصيده في المساجلة الكلامية ، يقول المصري أن الجزائريين ليسوا عربا لأنهم لا يتحدثون العربية فيقول الجزائريون أن المصريون ليسوا عربا لأنهم احفاد فرعون وهامان وجنودهما ، يقول المصري أن السودانيون سود وكسالي ، يقول السوداني أن الجنيه السوداني أصبح ثلاثة اضعاف قيمة الجنيه المصري وان كثيرا من المصريين يعملون لدي السودانيين في السودان الآن ، هذه كلها نظرات محرمة شرعا والقول بها اثم كبير وفتنه وهى الفتنة التي هى أكبر من القتل لانها فتنة بين شعوب يفترض فيها انها أمة واحدة منذ الف وخمسمائة عام ، رفع البعض علما للسعودية في ميدان التحرير ولو كنت في ميدان التحرير لرفعت علما للجزائر الحرة الأبية الحبيبة فعلم مصر هو علم الجزائر يرفع في مصر أو يرفع في الجزائر وعلم موريتانيا هو علم العراق والسعودي شقيق المصري والليبي حبيب اليمني لا يظلمه ولا يسلمه ابدا .
( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون )
