في حمي الاهتمام بالبحث عن أسماء للمليونية القادمة وما بعدها، وهل يكون >جمعة الإصرار والترصد< أم >جمعة التوحيد والنور< أم >جمعة أحلي من شرف مافيش<، فوجئ الجميع بإصدار تعديلات قانوني مجلسي الشعب والشوري، ووجدوا أنفسهم فجأة مطالبين بالاستعداد لـ>جمعة غزوة الصناديق< وخوض الانتخابات البرلمانية طبقاً لقانون اعترضت عليه كل الأحزاب السياسية، يقضي بإجرائها بنظام القائمة الحزبية النسبية علي نصف مقاعد المجلسين، وبنظام المقعد الفردي علي النصف الآخر.
حدث هذا لأن بعض أسيادنا الذين في التحرير يهتمون بالماضي أكثر من اهتمامهم بالمستقبل، ويتصورون أن 25 يناير هي ثورة >أمير الانتقام<، وأنها قامت أساساً لتحقيق هدف واحد هو رؤية المخلوع والمخلوع بن المخلوع، والمخلوع رئيس مجلس شعب المخلوع والمخلوع وزير داخلية المخلوع في قفص الاتهام، فما إن يصدر الحكم بإعدام كل منهم، حتي يكشف زعيم الثورة عن وجهه ليقول له: عارف أنا مين يا مخلوع؟.. أنا >حسن الهلالي< ثم يغمد خنجره في صدره، ويقول: المخلوع الأول.. ثم الثاني والثالث، إلي أن تنتهي قائمة المخلوعين والفلول والأزلام.
وبسبب اهتمامهم المبالغ فيه بمطلب مشاهدة مسلسل >المخلوعون< علي شاشة تليفزيون رمضان، فقد نسي أسيادنا الذين في التحرير أن يدرجوا مطلب إجراء الانتخابات البرلمانية بالقائمة النسبية في كل الدوائر ضمن مطالب جمعة الإنذار الأخير في 8 يوليو، علي الرغم من أن تحقيقه هو الذي سوف يحول دون عودة فلول وأزلام المخلوعين إلي مقاعد مجلسي الشعب والشوري.. لأن إجراء الانتخابات بالقائمة النسبية هو الذي يقلل من تأثير عوامل العائلية والقبلية والبلطجة والرشاوي علي إرادة الناخبين، وهي العوامل التي كانت تمنح الأزلام والفلول لقب النائب المحترم.
والمنطق الذي استند إليه أسيادنا من أهل الحل والعقد في المجلس العسكري، في الأخذ بقاعدة المناصفة بين القائمة والمقعد الفردي، هو أنهم أرادوا أن يتوقوا الطعن في دستورية القانون، وهو منطق مردود واحتمال لم يعد وارداً، لأن التعديلات التي أدخلت علي دستور 1971 في عام 2007 أباحت للمشرع أن يأخذ بأي نظام انتخابي يراه، سواء كان القائمة النسبية أو المقعد الفردي، أو مزيجا بينهما بأي نسبة يراها، وقد انتقل هذا النص إلي الإعلان الدستوري القائم الآن.. ولو أخذنا بهذا المنطق نفسه، لجاز لنا أن نقول إن نـظام المناصفة بين الدوائر الفردية والقائمة الحزبية، يمكن أن يفتح الباب أمام الطعن في دستورية القانون، لأنه يميز الأحزاب عن المستقلين، ويخل بقاعدة المساواة بين الطرفين، حين يمنح الأحزاب الفرصة لخوض الانتخابات في دوائر القوائم وحدها، ويحرم منها المستقلين، بينما يتيح لها أن تنافسهم في الدوائر التي تقوم علي المقعد الفردي.
ومن الإنصاف للذين وضعوا القانون أن نقول إنه لا يخلو من مزايا، فقد هبط بنسبة الحد الأدني من الأصوات التي يتوجب علي القائمة الحزبية أن تحصل عليها إلي نصف في المائة من أصوات الناخبين علي مستوي الجمهورية، علي أن توزع علي بقية القوائم الحزبية طبقاً لنسبة الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة وليس علي القائمة التي فازت بالأغلبية، كما جري في عامي 1984 و1987، وألغي القانون النص علي أن يكون المرشح في القائمة أو المقعد مقيداً في جدول الدائرة نفسها، مادام مقيداً في جداول الانتخابات في أي مكان من الجمهورية، ونص علي أن يفقد العامل أو الفلاح مقعده في البرلمان إذا تغيرت صفته بعد انتخابه، وسد بذلك جانباً من التحايل علي استغلال نسبة العمال والفلاحين للتسلل إلي مقاعد المجالس التشريعية.
لكن ذلك لا ينفي أن القانون ينطوي علي تعقيدات نجمت عن الأخذ بقاعدة مناصفة المقاعد بين القائمة الحزبية والمقعد الفردي، فهو يقسم الدوائر التي تجري فيها انتخابات مجلس الشوري بين 65 دائرة للفردي و28 دائرة للقوائم ويقسم الدوائر التي تجري بها انتخابات مجلس الشعب بين 126 دائرة للفردي و58 دائرة للقوائم الحزبية، وهو أمر سوف يربك الذين يضعون قانون تقسيم الدوائر للمجلسين، ويربك أكثر الناخب الذي سيكون عليه أن يدلي بصوته في دوائر مختلفة، وأن يختار بين قوائم متعددة، ومرشحين كثيرين، ويربك أيضاً لجان الانتخاب والفرز واللجنة العليا للانتخابات، خاصة إذا ما أجريت انتخابات المجلسين في مرحلة زمنية واحدة.. وقصيرة.
أما المهم أولاً فهو أنني كنت ـ ومازلت ـ أفضل أن تجري الانتخابات البرلمانية في كل الدوائر بالقائمة النسبية، وأن يتاح للأحزاب ـ منفردة أو مؤتلفة ـ وللمستقلين أن يخوضوها بقوائم خاصة بهم.. لأن هذا هو السبيل الوحيد، للتغلب علي سلبيات الانتخابات المصرية التي نعرفها جميعاً، وهو الطريق لكي تتحول مصر إلي مجتمع سياسي.
وأما المهم أولاً ـ كذلك ـ فهو أن يتنبه أسيادنا الذين في التحرير، إلي أن العد التنازلي لاقتحام المستقبل قد بدأ وأن الانتخابات الوشيكة التي لم يبق عليها سوي مائة يوم هي التي سوف تفرز برلمان الثورة ودستور الثورة ورئيس الثورة، وأن مهمتهم العاجلة، هي أن يهتموا بها ويستعدوا لها، أكثر مما يهتمون بمصير المخلوعين الذين لم يعد لهم مستقبل، وأن ينبهوا >حسن الهلالي< إلي أن مهمته هي أن يمثل الثورة في البرلمان أو في رئاسة الدولة لا أن يقوم ببطولة مسلسل >المخلوعون