رزق صاحبنا موهبة الشعر، فشنف أذان القبائل بأبيات قصائده التى تهفو لها القلوب..
وفي سوق عكاظ حيث يأتي الشعراء العرب من كل حدب وصوب ويحتشدون ويتباهون بأشعارهم، كان صاحبنا تسعى إليه صدارة الشعر سعيا حثيثا .و كان فوق ذلك سيدًا لقبيلة دوس في الجاهلية وشريف من أشراف العرب المرموقين وواحدًا من أصحاب المروءات المعدودين، لا تنزل له قدر عن نار، ولا يوصد له باب أمام طارق، يطعم الجائع ويؤمن الخائف وويجير المستجير وهذه صفات النبلاء وأوصياء الكرم
وكان القدوم عل مكة لمن هم فى حال صاحبنا أمر إعتياديا
وذات مرة كان يزورها، وقدأذن للرسول صلى الله عليه وسلم أن يجهر بدعوته.إلى توحيد ربه وهجر ماعليه قريش من الباطل. ولما كان كبار المشركين يحاربون الدعوة فى مهدها فقد كانوا حريصين على ألا تمتد آثارها إلى خارج مكة وخشيت قريش أن يلقى الطفيل النبى فيسلم، ثم يضع موهبته الشعرية في خدمة الاسلام، دينه الجديد فتكون الطامة على قريش وسلطانها.
من أجل ذلك أحاطوا به.. وهيئوا له من الضيافة كل أسباب الترف والبهجة والنعيم، ثم راحوا يحذرونه لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزهدونه فيه ويقولون له:
" ان له قولا كالسحر، يفرّق بين الرجل وابيه.. والرجل وأخيه.. والرجل وزوجته.. ونا نخشى عليك وعلى قومك منه، فلا تكلمه ولا تسمع منه حديثا"..!! والحقيقة فقد إستجاب صاحبنا بادى الأمر لنصيحة قريش ولكن هيهات أن يصبر من هو مثله على هذا فرفض أن يسلم قياده ألى غيره وإتخذ قرار ه الذى أسعده حالا ومآلا ....حلا وترحالا.... ولنصغ للطفيل ذاته يروي لنا بقية النبأ فيقول:
" فوالله ما زالوا بي حتى عزمت ألا أسمع منه شيئا ولا ألقاه..
وحين غدوت الى الكعبة حشوت أذنيّ كرسفا (أى قطنا مبلولا بالماء )كي لا أسمع شيئا من قوله اذا هو تحدث..
وهناك وجدته قائما (أى النبى صلى الله عليه وسلم)يصلي عند الكعبة، فقمت قريبا منه، فأبي الله الا أن يسمعني بعض ما يقرأ، فسمعت كلاما حسنا..(الله أكبر )
وقلت لنفسي: واثكل أمي.. والله اني لرجل لبيب شاعر، لا يخفى عليّ الحسن من القبيح،
فما يمنعني أن أسمع من الرجل ما يقول، فان كان الذي يأتي به حسن قبلته، وان كان قبيحا رفضته.
ومكثت حتى انصرف الى بيته، فاتبعته حتى دخل بيته، فدخلت وراءه، وقلت له: يا محمد، ان قومك قد حدثوني عنك كذا وكذا..
فوالله ما برحوا يخوّفوني أمرك حتى سددت أذنيّ بكرسف لئلا أسمع قولك..
ولكن الله شاء أن أسمع، فسمعت قولا حسنا، فاعرض عليّ أمرك..
فعرض الرسول عليّ الاسلام، وتلا عليّ من القرآن..(ولك أن تخمن ماذا يقصد بعرض علىَ الإسلام)
فأسلمت، وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا رسول الله: اني امرؤ مطاع في قومي
واني راجع اليهم، وداعيهم الى الاسلام، فادع الله أن يجعل لي آية تكون عونا لي فيما أدعوهم اليه، فقال عليه السلام: اللهم اجعل له آيةتكون لي عوناً، فدعا له رسول الله صلى لله عليه وسلم فجعل الله في وجهه نوراً فقال: يا رسول الله إني أخاف أن يجعلوها مثله، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار النور في سوطه وكان يضئ في الليلة المظلمة ولذا يُسمى ذو النور...
لقد أثنى الله تعالى في كتابه على " الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه"..
وها نحن أولاء نلتقي بواحد من هؤلاء..
انه صورة صادقة من صور الفطرة الرشيدة..
فما كاد سمعه يلتقط بعض آيات الرشد والخير التي أنزلها الله على فؤاد رسوله،
حتى تفتح كل سمعه، وكل قلبه. وحتى بسط يمينه مبايعا إنه دين الله حينما يمتلك هذه القلوب فيخالط بشاشتها فلا تقايض عليه ولاتؤجله ولاترضى بغيره بديلا
.. وبلغ حبه لذلك الدين أن حمّل على عاتقه من فوره مهمة جديدة إنها دعوة قومه وأهله الى هذا الدين الحق، والصراط المستقيم..!
من أجل هذا، نراه لا يكاد يبلغ بلده وداره في أرض دوس حتى يواجه أباه بالذي فى قلبه من عقيدة واصرار،وحياة طويلة فى الشرك ولكن صاحب العقيدة لايوقفه فى عرض دعوته على الناس شئ فهاهو يدعو أباه الى الاسلام بعدأن حدّثه عن الرسول الذي يدعو الى توحيد الله..وطاعته وحده وهجر دين الآباء والأجداد وأعرافهم حدثه عن عظمته.. وعن طهره وأمانته.. عن اخلاصه واخباته لله رب العالمين..
وأسلم أبوه في الحال.. ثم انتقل الى أمه، فأسلمت ثم الى زوجه، فأسلمت..
ولما اطمأن الى أن الاسلام قد غمر بيته، انتقل الى عشيرته، والى أهل دوس جميعا.. فلم يسلم منهم أحد سوى أبي هريرة رضي الله عنه ويا له من فخر أن يسلم على يديه الفتى الذهبى وراوية الوحى الثانى عبد الرحمن بن صخر الدوسى . .
ولقد راحوا يخذلونه، وينأون عنه،فالظلمة فى نفوسهم عميقة واستمراء الباطل أحاله فى نفوسهم واقعا محمودا لاقدرة لهم على التخلص منه والإنفكاك من ربقته ..... حتى إذا نفذ صبره معهم وعليهم. فركب راحلته، وقطع الفيافي عائدا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو اليه ويتزوّد منه بتعاليمه.. وحين نزل مكة، سارع الى دار الرسول تحدوه أشواقه..
وقال للنبي:" يا رسول الله..
انه قد غلبني على دوس الزنى، والربا، فادع الله أن يهلك دوسا"..!! وهنا حقيقة جديدة يبثها صاحب الرسالة فى روع الطفيل المملوء حنقا على أهله وقومه وكانت مفاجأة أذهلت الطفيل حين رأى الرسول (أى رحمة تلك التى أولاك بها ربك اللهم صلى وسلم عليه)يرفع كفيه الى السماء وهو يقول:
" اللهم اهد دوسا وأت بهم مسلمين"..!!ثم التفت الى الطفيل وقال له:
" ارجع الى قومك فادعهم وارفق بهم".
ملأ هذا المشهد نفس الطفيل روعة، وملأ روحه سلاما، وحمد الهل أبلغ الحمد أن جعل هذا الرسول الانسان الرحيم معلمه سيده... وأن جعل الاسلام دينه وملاذه. ونهض عائدا الى أرضه وقومه وهناك راح يدعوهم الى الاسلام في أناة ورفق،بشعور جديد وتصور جديد أن الدال على الخير - وماأعظمه من خير- كفاعله كما أوصاه الرسول عليه السلام. وخلال الفترة التي قضاها بين قومه، كان الرسول قد هاجر الى المدينة وكانت قد وقعت غزوة بدر، أحد والخندق......
. وبينما رسول الله في خيبر بعد أن فتحها الله على المسلمين اذا موكب حافل ينتظم ثمانين اسرة من دوس أقبلوا على الرسول مهللين مكبّرين ثمانون بيتا إنه الإخلاص لهذا الدين حينما تحمله هما يشغلك ليلا ونهارا زمانا ومكانا ..
وبينما جلسوا يبايعون تباعا.. ولما فرغوا من مشهدهم الحافل، وبيعتهم المباركة جلس الطفيل بن عمرو مع نفسه يسترجع ذكرياته ويتأمل خطاه على الطريق..!!
تذكر يوم قدوم الرسول يسأله أن يرفع كفيه الى السماء ويقول:
اللهم اهلك دوسا، فاذا هو يبتهل بدعاء آخر أثار يومئذ عجبه..
ذلك هو:" اللهم اهد دوسا وأت بهم مسلمين"..!!
ولقد هدى الله دوسا.., وجاء بهم مسلمين..
وها هم أولاء.. ثمانون بيتا، وعائلة منهم، يشكلون أكثرية أهلها، يأخذون مكانهم في الصفوف الطاهرة خلف رسول الله الأمين. ياسيدى أى فخر واى شرف آثرك الله به من دون عباده
**
ويواصل الطفيل عمله مع الجماعة المؤمنة..
ويوم فتح مكة، كان يدخلها مع عشرة آلاف مسلم لا يثنون أعطافهم زهوا وصلفا، بل يحنون جباههم في خشوع واذلال، شكرا لله الذي أثابهم فتحا قريبا، ونصرا مبينا..
ورأى الطفيل رسول الله وهو يهدم أصنام الكعبة، ويطهرها بيده من ذلك الرجس
الذي طال مداه..
وتذكر الدوسي من فوره صنما كان لعمرو بن حممة. طالما كان عمرو هذا يصطحبه اليه حين ينزل ضيافته، فيتخشّع بين يديه، ويتضرّع اليه..!!
الآن حانت الفرصة ليمحو الطفيل عن نفسه اثم تلك الأيام.. هنالك تقدم من الرسول عليه الصلاة والسلام يستأذنه في أن يذهب ليحرق صنم عمرو بن حممة وكان هذا الصنم يدعى، ذا الكفين، وأذن له النبي عليه السلام..
ويذهب الطفيل ويوقد عليه النار.. وكلما خبت زادها ضراما وهو ينشد ويقول:
يا ذا الكفين لست من عبّادكا
ميلادنا أقدم من ميلادكا!!
اني حشوت النار في فؤادكا
وهكذا عاش مع النبي يصلي وراءه، ويتعلم منه، ويغزو معه.
وينتقل الرسول الى الرفيق الأعلى، فيرى الطفيل أن مسؤوليته كمسلم لم تنته بموت الرسول، بل انها لتكاد تبدأ..
وهكذا لم تكد حروب الردة تنشب حتى كان الطفيل يشمّر لها عن ساعد وساق،
وحتى كان يخوض غمراتها وأهوالها في حنان مشتاق الى الشهادة..
اشترك في حروب الردة حربا.. حربا.. ثم بعثه أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى مسيلمة الكذاب، يقول رضي الله عنه: خرجت ومعي ابني مع المسلمين - عمرو بن الطفيل - حتى إذا كنا ببعض الطريق رأيت رؤيا فقلت لأصحابي إني رأيت رؤيا عبروها قالوا : وما رأيت قلت : رأيت رأسي حلق وأنه خرج من فمي طائر وأن امرأة لقيتني وأدخلتني في فرجها وكان ابني يطلبني طلبا حثيثا فحيل بيني وبينه . قالوا : خيرا فقال : أما أنا والله فقد أولتها . أما حلق رأسي فقطعه وأما الطائر فروحي وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تحفر لي وأدفن فيها فقد رجوت أن أقتل شهيدا وأما طلب ابني إياي فلا راه إلا سيغدو في طلب الشهادة ولا أراه يلحق بسفرنا هذا . فقتل الطفيل شهيدا يوم اليمامة وجرح ابنه ثم قتل باليرموك بعد ذلك في زمن عمر بن الخطاب شهيدا
ومع بدء المعركة راح يوصي ابنه أن يقاتل جيش مسيلمة الكذاب قتال من يريد الموت والشهادة..
وأنبأه أنه يحس أنه سيموت في هذه المعركة.
وهكذا حمل سيفه وخاض القتال في تفان مجيد..
لم يكن يدافع بسيفه عن حياته. بل كان يدافع بحياته عن سيفه.
حتى اذا مات وسقط جسده، بقي السيف سليما مرهفا لتضرب به يد أخرى لم يسقط
صاحبها بعد..!!
وفي تلك الموقعة استشهد الطفيل الدوسي رضي الله عنه..
وهوى جسده تحت وقع الطعان، وهو يلوّح لابنه الذي لم يكن يراه وسط الزحام..!! إنه الطفيل بن عمرو الدوسى أسلم يوم أن قفل الرسول راجعا من الطائف حزينا بتكذيبهم إياه ومعاداتهم له فيكون له شرف أن يدخل على يديه الإسلام قومه جميعا وهو الطفيل يسلم روحه لبارئها لم يضن بها أو يتلكا وسط جموع المجاهدين إنها الفطرة السليمة حينما تهتدى إلى الدين القويم
والآن ياأخى هل تجد فى نفسك شوقا للتاسى بهؤلاء العظماء؟؟؟؟ .... وأى هم تحمل ؟؟؟؟؟ الدعوة مفتوحة لتدلى بدلوك نصحا وتذكيرا وفهما فلاتبخل على نفسك وإخوانك