شكرت الممرضه على ذوقها وطيبة قلبها واحساسها بالمسؤوليه وحبها ان تشارك باى شئ حتى لوكان بسيطا رغم انها تقوم بعمل كبير لكنها لا تشعر بذلك مطلقا وهذا هو انكار الذات الحقيقى الذى تحلى به كل المصريين فى الثوره فلا احد يقول انا ولكن الكل يقول مصر
يبدو ان توقعى ان زوجتى اقتنعت بفكرة عدم المجئ الى المشفى كان خاطئا فبعدها ب ساعات قليلة فوجئت باعداد كبيرة من الناس قد توافدوا على المستشفى فى مقدمتهم والدتى وزوجتى وقد بدا الهلع والانزعاج على وجوههم وارتمت والدتى فى احضانى وهى تبكى بحرقه وتقبل يدى وجبهتى وهى تردد عملوا فيك ايه عملوا فيك ايه المجرمين انت كويس انت كويس يا محمد الف سلامه عليك يا ضنايا أنهار من الدموع تسيل على خدود كل الموجودين متأثرين بهذا الموقف العاصف بالمشاعر الحاره زوجتى على الطرف الاخر من السرير تمسك بيدى وتضغط عليها بقوه وقد خارت قواها فافترشت الارض بجوار السرير ومازالت ممسكة بيدى ودموعها لم تنقطع ولم تنطق بكلمة واحده وكأن الكلمات انحشرت فى حلقها وكانت تحبنى جدا ولم يكن قد مضى على زواجنا اكثر من ستة اشهر اقترب والدى منى وطبع قبلة على جبينى وقال لى حمد الله على السلامه يا ابنى
الكل ينظر الى نظرة فخر واعتزاز ويهنئوننى بسلامتى ويدعون الله ان تنقشع الغمه بسلام حضر الطبيب وطلب من الجميع المغادره حرصا على راحة المرضى والمصابين كانت زوجتى ترفض الذهاب معهم وتصر على البقاء معى وكانت اول مره اسمع صوتها منذ وصولها وهى تقول خلينى معاك يا محمد
طلبت منها العوده للمنزل فلا داعى لوجودها الان لان امورى بخير والحمد لله انصاعت زوجتى لكلامى وبدأ الجميع فى الانصراف حتى عاد الهدوء الى المكان مرة اخرى
سألت الطبيب متى استطيع الخروج من المستشفى فقال لى اننى استطيع الخروج الان ولكن حرصا على صحتى يفضل ان ابقى فى المستشفى عدة ايام حتى يطمئن تماما على الجرح
كان شوقى الى الميدان يذداد واتمنى العوده اليه سريعا التقطت الهاتف وفتحته فى انتظار مكالمة علاء من الميدان حتى اعرف ما يدور من احداث بعدها بوقت قصير دق هاتفى رقم غير مسجل توقعت انه علاء فتحت الخط اصوات متداخله وهتافات متنوعه وصوت لا اكاد اسمعه انه والد علاء يطمئن على من الميدان وعلاء الى جواره يسأل هو الاخر عنى
وعن احوالى وانا اسأله عن الميدان وما يدور فيه وجديد الاحداث على الساحه اخذ والده الموبايل وقال لى ان الصوره ما زالت معتمه ولا احد يدرى ماذا سيحدث خلال الايام القادمه ووعدنى انه سوف يزورنى فى المستشفى فى اقرب فرصه .
مرت اربعة ايام على وجودى فى المستشفى وقد بدأت اشعر بتحسن حالتى نوعا ما وقد صرح لى الطبيب بالخروج اتصلت على اخى وطلبت منه ان يأتى للمستشفى ليأخذنى الى البيت وبالفعل جاء الى المستشفى بسيارته وحملنى الى البيت واثناء الطريق قمت بالاتصال على والد علاء لاستفسر منه عن الوضع واخبرته اننى تركت المستشفى فابدى حزنه لانه كان فى الطريق لزيارتى وبصحبته علاء اعطيته عنوان البيت فلحق بنا وعلى باب العماره التى كنا نقطن بها رأيت علاء يركض الى مسرعا وهو يقبل يدى ويقول حمد الله على السلامه يا عمو وتوقعت ان والده هو من طلب منه ان يفعل ذلك سحبت يدى بسرعه مستغفرا الله وصعدنا سويا الى الشقه وانا اعتمد فى سيرى على عكاز دخلنا الى الشقه مع ضجه من الزغاريد والتهانى بالسلامه وتم الترحيب بالاب وعلاء وضيافتهما على اكمل وجه وجلسنا نتابع التلفاز ونتقصى الاخبار ودارت احاديث كثيره خلال الجلسه الشيقه علاء يروى لنا ما حدث فى الميدان خلال الايام الماضيه والرعب والذعر الذى يعيش فيه المتظاهرين والامل الذى يأتى ويذهب بن عشية وضحاها وهم ينتظرون خطاب التنحى الذى اصبح قريبا جدا بعد سلسلة من الاحداث المتلاحقة التى عجلت بقرار التنحى كل العيون تراقب شاشة التلفاز والجو العام يشوبه التوتر والريبه والقلق هل حقا ستتحقق المعجزه والامل الذى انتظرناه وعشنا عليه خلال ستة عشر يوما كان اليوم هو يوم الاربعاء الموافق 9/2/2011 مشاهد القتل والترويع والضرب من قوات الشرطه والبلطجيه تثير حفيظة الموجودين واستيائهم بل فى عموم مصر كلها ممن خرجوا للميادين ومن يتابعون الاحداث عبر الشاشات وكل وسائل الاعلام دب الحماس والامل فى داخلى من جديد وقررت النزول الى الميدان فى اليوم التالى واتفقت مع والد علاء ان نلتقى فى الميدان صبيحة اليوم التالى رغم وجود اعتراضات من داخل الاسره اننى لا استطيع النزول وانا على هذه الحاله ولكن ردى كان قاطعا وغير قابل للنقاش
ان مصر تستحق منا التضحيه بارواحنا واموالنا ولو كنت بقدم واحده سوف انزل للميدان غدا كان تصميمى وعزيمتى حافزا ومشجعا للموجودين وقرر الجميع النزول الى الميدان . ًهم والد علاء بالرحيل مودعا ايانا على وعد باللقاء فى الميدان
مرت ساعات الليل كالدهر وشعرت ان بينى وبين الميدان صداقة وتواصل لم اعهدهما فى مكان اخر حتى بيتى وكنت اول المستيقظين صبيحة اليوم التالى ايقظت كل من فى البيت واجتمعنا على الافطار وذهبنا الى الميدان فى صحبة وقمت بالاتصال على والد علاء ونحن فى الطريق التقينا به على اطراف الميدان من ناحية شارع القصر العينى وهو يقف بصحبته علاء قريبا من المجمع كنت امشى على مهل نظرا لاصابتى وكان الميدان منذ الصباح يعج بالمتظاهرين واعداد كثيفه من البشر تتوافد الى الميدان وهم يهتفون فى حماس وبلا هواده. الميدان اشبه بمدينة صغيره اجتمعت فيها كل مقومات الحياه من ماء وغذاء ودورات مياه ومستشفى للاسعافات واسِرة للنوم من صنع الحاجه ومنصات لالقاء الخطب والشعر والغناء تكافل وترابط بين افراد الشعب كانهم من بيت واحد ملئ بالحب خاليا من البغضاء والانانيه
كان منظر الميدان يبعث على الامل فالمصريون كلهم على قلب رجل واحد لا يضرهم من ضل عن الطريق فهم الان يعرفون ماذا يريدون علا صوت الهتافات من كل مكان فى الميدان بعبارات حفظها ورددها العالم كله ارحل ... ارحل ... ارحل ... مش هنمشى هو يمشى وعبارات اخرى.
صوت الاعيره الناريه يرن فى اذاننا ودخان القنابل يتطاير فوق رؤوسنا والد علاء يحمله فوق كتفه والطفل يردد هتافه بحماس والناس من حوله معجبون بحماسه وبطولته ويرددون وراءه كنا على اطراف الميدان وكنا اكثر عرضه للاصطدام مع الشرطه والامن المركزى وهم مجموعه من البشر لا يعرفون معنا للرحمة ولا الانسانيه وبين حين واخر تقع اشتباكات عنيفه بيننا وبينهم فاذا اسعفهم الحظ فى اختطاف احد فانهم يسحلونه على الارض سحلا وينهالون عليه ضربا بعصيهم حتى تسمع صوت دشدشة عظامه عن بعد استمر هذا الوضع لساعات طويله مناوشات واشتباكات ومشاحنات هنا وهناك والكل يعيش على امل ان اليوم هو يوم التنحى بعدما انتشرت اشاعه ان الرئيس سوف يلقى خطابا للجماهير هذه الليله واعتقد الجميع انه سيكون خطاب التنحى
تمر الساعات والاحداث متلاحقه وعند كل صلاه يجلجل المؤذن للصلاه فى الميدان فيجتمع المسلمون للصلاه داعين الله بقلوب خاشعه مليئة بالايمان ان يكشف الغمه ويزيل الكرب
اقترب اليوم من نهايته وبدأت الشفق الاحمر يظهر فى سماء القاهره معلنا نهاية يوم عصيب مليء بالاحداث وقد كان منظر الحشود فى الميدان يشبه يوم الزحف
الى اللقاء مع الجزء السابع والاخير مع تحياتى ابو باسل
موضوعات متعلقة
لماذا تقتلون هذا الامل ( حكاوى الميدان )
لماذا تقتلون هذا الامل ( حكاوى الميدان ) الجزء الثانى
لماذا تقتلون هذا الامل ( حكاوى الميدان ) الجزء الثالث
لماذا تقتلون هذا الامل ( حكاوى الميدان ) الجزء الرابع
لماذا تقتلون هذا الامل ( حكاوى الميدان ) الجزء الخامس
لماذا تقتلون هذا الامل ( حكاوى الميدان )الجزء الاخير