- وصلت الي منطقة واينبرج في وسط كيب تاون الساعة العاشرة صباحا ، كنت اسمع عن كيب تاون أنها مدينة الجريمة في الجنوب الإفريقي بعد جوهانسبرج ، كان طيف الموت يحلق في مخيلتي ، لذلك حرصت على الذهاب الي المسجد فورا ولم يك يبتعد كثيرا عن اقامتي ، جاءت العشر الاواخر من رمضان ، سألني مولانا على جودة إن كنت سوف أعتكف ، أجبته أين المسجد المحدد للإعتكاف ؟ قال انك تستطيع الإعتكاف في أي مسجد فهنا كيب تاون الحرية ، أحضرت بطانية ووسادة وكان السوبر ماركت المجاور به أطعمه جاهزة تكفي للإفطار أما السحور فكان على عجل لجدية التهجد وقراءة القرآن من الجميع ، لم يعكر صفو الإعتكاف في المسجد سوي أحد المصريين الذي اعتاد على أن يقوم بتدخين سيجارتين حشيش في فناء المسجد بعد الإفطار ومثلهما بعد السحور ، تعرفت على مسلم أفريقي أثناء الإعتكاف رثيت لحالة ، فرغم رقة حالي فقد كان طعامي أفضل من طعامه ولباسي رغم فقري أغلي من الجلبابين الذين اعتاد على لباسهما طوال العشرة ايام بالتناوب كلما جفت احداهما ارتداها وغسل الأخري ، ولكني كنت ألاحظ بين الحين والآخر يأتي له صبي بطعام فاخر جدا وكان يقتسمه معي والحقيقة أنني هممت كثيرا بأن اعرض عليه أن يأتي ليقيم معي فهو بلا شك بلا مأوي ، كانت تصرفاته فيها خشوع شديد ومعاملته فيها ما هو أكثر من التواضع من خفض الجناح للمسلمين رفقاء الإعتكاف ، نظرا للخلفية السابقة عندي عن التواضع والمتواضعين فقد أيقنت أن صديقي فقير جدا دعاه فقره المدقع إلى هذه المذلة مع المعتكفين .
- ظهر الهلال فدعاني لتناول الغداء غدا معه في منزله ، الحقيقة أنني كنت أنوي يوم العيد أن أتغدي مع المصريين فقد ذبحوا خروف ولا أقل من أن يصيبني منه نص كيلو على الأقل ، قلت له اسمع جبر الخواطر على الله سأترك النص كيلو وأتغدي معك غدا ( ما حدش واخد منها حاجة ) ، يوم العيد جاء الي المنزل ومعه زوجته واولاده ينتظرونني خارج المنزل وما أن خرجت حتي صاحوا بكلمات الترحيب وتقدمت زوجته وصافحتني واشار لي الي السيارة كانت سيارة ضخمة أحدث موديل ، قلت له سيارة من هذه ؟ قال سيارتي ، قلت له أنت تمزح ، قال لا . لقد فاتني ان اخبرك انني غني جدا ، أجبته صحيح ؟ قال نعم انا مسئول توريد اللحوم والدجاج الي منطقة في جنوب افريقيا تساوي نصف مساحة مصر تقريبا ، قلت له لو أني اعرف انك غني ما كنت صادقتك ، قال انني اميل الي الإعتكاف في المساجد البعيدة التي لا يعرفني فيها احد وقد تصادقنا علي غير معرفة سوي الحب في الله ، ذهبت معه إلي منزله الذي يشبه قصر الأميرة المسحورة على الجبال البعيدة حيث تناولنا الغداء في منتصف سحابة ثابتة على الجبل حيث يقع قصره ، كان معنا ضيفان قدمني لهما ، الاول الشيخ عمر خبير رئيس مجلس القضاء الإسلامي والسفير السابق والشيخ عبد الحميد خبير عضو مجلس علماء المسلمين وسفير سابق لجنوب إفريقية في كندا والسعودية وهما على الترتيب والد وعم زوجته ، كانا يرتديان ملابس العيد وهى جلباب جديد لا يتعدي ثمنه مائة راند ( 75 جنيه ) ، تطرق الحديث إلي ذكرياتهما في مصر وهما يتحدثان العامية المصرية بطلاقة فهما خريجا جامعة الأزهر ولكنا تحدثنا بالإنجليزية حتي لا يشعر صديقي بالعزلة ولم يخل الحديث الجانبي بينهم عن تسوية بعض الملايين في ورقة صغيرة ، بعد الغداء أصر الشيخ عمر خبير على أن يعيدني هو إلي السكن بسيارته ، دخل السكن فوجد سريري الصغير وبعض اثاث بسيط جدا ، جلس على الكرسي وجعل يتحدث معي في السياسة والقانون فهو يحمل الدكتوراه من اكسفورد في القانون الدولي ، تكررت زيارته لي بشكل يومي تقريبا على مدي ثلاثة اشهر حتي صرنا صديقيين حميمين غير أنه اصيب بعد ذلك ببعض مشاكل في العمود الفقري فسنه يتعدي الثمانين فلم نعد نلتقي الا بشكل اسبوعي ، أما صديق الإعتكاف فلم نزل أصدقاء حتي اليوم وقد دعوته في زفافي فحضر هو وزوجته من مسافة تسعة ألاف كيلومتر وصمم أن يكون عن يميني وزوجته عن يسار زوجتي حتي حجرة النوم واستمتع كثيرا بركوب الحمار مع محمد القفاص ( المرشدي ) ولا زال يسلم عليه كلما قابلني ، وللمفاجأة فان علاقتي بهذه الأسرة وحواراتي معهم لم يتخللها حتي الآن كلمة واحدة تتعلق ( بالفلوس أو المصالح المادية ) ، زارني في دبي منذ عدة اسابيع ، وحيث اني لا أقود سيارة فقد استعنت بسيارة صديقي موديل 2000 لاستقباله وحمله الي الفندق (7 نجوم ) قال مازحا شكرا علي انك تجعلني اعيش البؤس والشقاء في هذه السيارة لثلاثين دقيقة إن كنت تظن ان هذا شيئ ممتع فأحب أن اقول لك أن حجم السيارة لا يغريني ابدا ههههههههههه.
- تذكرت هذه الأيام وأنا أري المستشار الزند يتحدث بغل وكراهية وكبرياء وعظمة مدافعا عن البهوات القضاة ، بينما سامح عاشور يتحدث بكبرياء وعظمه مدافعا عن شموخ وعظمة مهنة المحاماة والمحامين ، إنني اشعر بالقرف والسخرية كلما سمعت أحدا يقول انت مش عارف انت بتكلم مين ؟ .
- على مدي ثلاثين عاما ذهبت الوظائف العليا إلي غير أهلها واعوج حال الامة من كل الجوانب ، القضاه يدافعون عن عروشهم التي اهتزت بزوال دولة البزنس وكانوا هم أهل البزنس فيما يتعلق بجمعيات الأراضي وتقسيمها وتسقيعها وبيعها بأضعاف مضاعفة وهم البهوات والبشوات وأولو الأمر والنهي والحصانة والحماية والكروت التي لا يرد حاملها بينما كانت الوظيفة القضائية تمر بمرحلة هى الأسوأ في تاريخ مصر من الناحية الفنية ، وغرس المجتمع في في نفوس القضاة العظمة بدلا من القوة ، واظهار العزة بدلا من اظهار العلم ، والتحدث بصوت قوي عال بدلا من التحدث باللغة العربية الفصحي ، واعطاء الأوامر بدلا من تطبيق القانون ، أما المحامون فيتخرج منهم كل عام خمسة عشر الفا بينما يعين في النيابات أقل من الف ولكن الخمسة عشر الفا جميعا يظنون أن الألف قد استولوا على وظائفهم وسرقوا طموحهم ، وغرس المجتمع لعدم الإهتمام بالفهم القانوني في نفوس المحامين مشاعر غريبة غير منتظمة في كافة جوانبها وأمام اختلاط الحابل بالنابل لكثرة العدد يكافح الجميع للظهور والشهرة فالسباق محموم والجوائز محدودة ، ولا يجد الجميع سوي اظهار الكبرياء والعظمة كوسيلتين لدرء العورات الكبيرة والسوءات الجسيمة .
- عندما دعاني الاستاذ محمد عقل إلي حضور اللقاءات أخبرني احد اصدقائي انها جلسات تربية ، احسست بامتعاض شديد ( وهل أنا مش متربي ؟ علشان احضر جلسات تربية ) ومع تكرار حضور الجلسات عرفت انني فعلا ( ما كنتش متربي ) وعندما قرأت في الموضوع بعد ذلك عرفت أن هذه احدي نواحي العبقرية في فكر الإمام الشهيد حسن البنا وهى اعادة تربية المجمتع طالما أن مناهج التعليم تغرس فينا عوامل العظمة والكبرياء بدلا من التواضع وخفض الجناح .

رائع يا متر
ومع عظمة المهنتين القضاء والمحاماه الا ان حالهم مثل حال جميع الوظائف فى مصر انها تذهب لغير اهلها فالأمر ينطبق على الجميع فمجتمعنا يحتاج التربية بكل طوائفه ومسالة العظمة والكبرياء ماشاء الله بتلاقيها فى العيال الصغيرة كمان وتجدها فى البيت الواحد وبالنسبة لاشارتك للاخوان فهم احسن اخلاق واكثر تربية واعتدالا فلا يعرفو الاسراف او المغالاة ورحم الله الشيخ البنا

أخي وحبيبي الأستاذ سيد ابا الزهراء جزاكم الله خيرا على المرور الكريم

أذكر أن زمان كانت الشتيمة الأكثر رواجاً حينما يفعل أحد الصبيان خطأ أن تصرخ فيه امرأة (أصل انت قليل الرباية)!! فعلاً بدون تربية(روحية وسلوكية وفكرية) يفسد كل شئ.

اصلح الله مابين جناحي العدالة لما في ذلك من اصلاح للفرد والمجتمع وللكيان نفسه
شكرا لك اخي الحبيب الاستاذ محمود علي طرحك المتميز للموضوع
وربنا يهدي الجميع

اخي الحبيب الدكتور وسام جزاكم الله خيرا على المرور الكريم ، فعلا كانت الشتيمة انت قليل الرباية وممكن يسألك على المدرس بتاعك طبعا للأسف دلوقت المدرس ملوش دعوة بمسألة التربية خالص لانه ممكن يخش السجن لو شخط في الطالب .
الاخ الفاضل الأستاذ محمود سعد جزاكم الله خيرا على المرور الكريم طبعا انت قابلت صاحبي ده هو وزوجته في السعودية .
أخي واستاذي الكبير الأستاذ محمود شهاب الدين جزاكم الله خيرا على المرور الجميل ، وفينك مش بأشوفك من زمان وااااااااحشني .

اخى العزيز / الاستاذ/ محمود " ابو نجوى "
جزاك الله خيرا فدائما تطرق موضوعات فى غاية الاهمية . فمسالة التربية هى ركيزة الامم الاساسية فما نراه اليوم من اعتصامات فئوية من اجل حفنة جنيهات او من اجل تنازع على عرض زائل او اعتداء على حقوق الاخرين حتى لم تسلم الارض الزراعية من عدوان اثيم عليها وعلى ما تمثله لاجيال الحاضر والمستقبل واذا عدنا الى الوراء قليلا وطفنا بسيرة المربى الاول محمد صلى الله عليه وسلم وكيف انه اعاد صياغة هذه النفوس التى تجردت من كل مظاهر البشرية من وأد للبنات لارتكاب كل الموبقات حتى صارت نفوسا غير النفوس وطبائع غير الطبائع . فما احوجنا لدار كدار الارقم تعد فيها صياغة النفوس على منهج سيد المرسلين

أستاذي الكبير المربي الفاضل الأستاذ محمود الحداد
جزاكم الله خيرا على الكلام الجميل ده ، مرورك دائما على أي موضوع يعطه جدية وبالنسبة لي فهو تصحيح الأستاذ لتلميذه والتلميذ دائما يكون تواق لتقييم الأستاذ ، هذا والله ما أشعر به فعلا وأنتظر دائما من حضرتك تصحيح لما قد يعتور كلامي من أخطاء .
- مسألة التربية من المسائل الكبر التي شعرت في بداية حضوري اللقاءات مع الأخ محمد عقل بامتعاض شديد من استعمال الكلمة ( تربية ) وقلت وده مين ده اللي حيربيني ، ولكن والله يا أخ محمود أن مع الوقت اكتشفت فعلا تغيرات كبيرة في سلوكي وايمانياتي والفاظي وتفكيري وتقدمي وتأخري في كل حركة ، جزاكم الله خيرا على كفاحك في الصف الإخواني المتين فأنت وأمثالك يجعلوننا دائما مطمئنين أن بلادنا لن تذهب بلا عودة ولكن دائما فيه أمل ان شا ءالله .