قال تعالى :
( فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ )
قال السعدي رحمه الله في تفسيره :
( وهو أن المشركين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يسكت عن عيب آلهتهم ودينهم، ويسكتوا عنه، ولهذا قال: ( وَدُّوا ) أي: المشركون ( لَوْ تُدْهِنُ ) أي: توافقهم على بعض ما هم عليه، إما بالقول أو الفعل أو بالسكوت عما يتعين الكلام فيه، ( فَيُدْهِنُونَ ) ولكن اصدع بأمر الله، وأظهر دين الإسلام، فإن تمام إظهاره، بنقض ما يضاده، وعيب ما يناقضه). انتهى
إن النصر و الهزيمة في أي معركة لا يعتبر بعدد القتلى في صفوف الخصم و لا بتحقيق مكاسب على الأرض بل و لا حتى باستئصال الخصم .
لذلك كان أصحاب الأخدود منصورين رغم أنهم قتلوا و أبيدوا و لكن لأنهم ثبتوا على مبادئهم و لم يتزحزحوا عن معتقدهم كان هذا نصراً مبيناً لهم و لكل من هو على دينهم .
و من هنا ندرك السر وراء هذا التمني للكافرين أن يداهنهم أهل الإيمان ، مجرد مداهنة ، فبعد أن أيسوا من دخولهم في دينهم أصبحت أمنيتهم الكبيرة مجرد المداهنة و السكوت عنهم و عن عيب آلهتهم و دينهم مقابل السكوت عنهم و عن عبادتهم .
إن هذا العرض الذي عرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم عُرض عليه في أشد مراحل الاستضعاف حيث زيادة التعذيب و عظمة البلاء و كان المقابل يعتبر مصلحةً صرفة و المطلوب مجرد سكوت فقط ، فلماذا تكون هذه هي أمنية الكافرين و هم أصحاب القوة و العدد و خصمهم مستضعف و مقهور ؟ .
إنهم يريدون الوصول إلى النصر الحقيقي بسكوت أصحاب الدعوة عن دعوتهم و عن بيان بطلان دينهم و عن فضح فساد معتقدهم فمجرد السكوت هو تنازل عن المبدأ الذي ثبتوا عليه لسنين و هو أيضاً مقدمة لتنازات أخرى فهو منحدر الهزيمة من دخل فيه سيصل إلى الهاوية و سيسقط في وحل التنازلات و يغرق في الهزيمة ، و إن تحققت له بعض المصالح الزائفة من مسالمة الأعداء له و تركه يقيم بعضاً من دينه و يداهنونه .
لذلك جاء النهي من الله سبحانه و تعالى عن طاعتهم في هذا المطلب الخبيث و أن لا يحقق أنيتهم التي تبدوا في ظاهرها مصلحة للضعيف حين يداهنه القوي .
و اليوم حيث الصراع بيننا و بين الديمقراطية و غيرها من ملل الكفر الجديدة القديمة جاء إلينا المكذبين من جديد قائلين : أطيعونا و اسكتوا عن بيان كفر الديمقراطية و الدستور و القانون و البرلمان و سنسكت عنكم و نداهنكم ، فوقع الكثيرين في هذا الفخ و تحقق لأعدائنا بتلك المكيدة ما لم يتحقق في سنين من القهر و التعذيب .
فالطواغيت سكتوا عنهم بعد أن كان الكفر بهم هو الركن الأول من أركان التوحيد و القوانين يدعون الآن لسيادتها بعد أن كان التحاكم إليها كفر و الدستور سيقسمون على احترامه بعد أن كانوا يدعون لبراءة منه و الديمقراطية تعاهدوا على العمل بها و استبشروا خيراً بقدومها بعد أن كانت ديناً كفرياً و دخلوا البرلمان بعد أن كان دخوله و تطبيق الإسلام من خلاله كفر مجرد بإجماع المسلمين ، و هاهي التنازلات تتوالى يوماً بعد يوم و من لم يبصرها بعد فسيرى قريباً التنازلات الواضحات التي ستأتي تباعاً بعد أن هزم أصحاب المعتقد و لازالوا يظنون أنفسهم يحققون مصالح و لن يستيقظوا من سباتهم العميق إلا و قد وصلوا إلى قاع مستنقع الهزيمة - إلا من رحم الله - و حينها لا ينفع الندم .
نسأل الله الثبات على الحق .