أمام علماء لجنة البيئة بالمجالس القومية المتخصصة, صارح اللواء مهندس احمد زكي عابدين محافظ كفر الشيخ الحضور وعرض تجربتين ناجحتين لمكافحة انتشار أكوام القمامة التي تحتل رؤوس الشوارع والميادين العامة وحتي الشوارع الرئيسية في المدن , وفي كلتا التجربتين نجحت فكرة إدارة منظومة القمامة وانتصرت علي ثقافة غياب الوعي البيئي.
التجربة الاولي مسرحها محافظة بني سويف, وكانت المحافظة لاتملك لودر واحدا أو عربة لنقل القمامة وتلالها, من حيث أنها اضعف المحافظات موارد واكثرها فقرا وأعلاها بطالة, واستطاع ان ينفذ خطة محكمة ومنضبطة لجمع وفرز ونقل وإعادة تدوير وتصنيع السماد ودفن المتبقي من القمامة لمحافظة تملك ظهيرا صحراويا ممتدا شرق النيل ولمساحات مترامية الأبعاد.
وجاء تكليف المحافظ لقيادة محافظة كفر الشيخ, وهنا وجد المحافظ نفسه امام مجتمع مختلف بظروفه الجغرافية, فالمحافظة ساحلية تطل علي امتداد120 كيلو سواحل علي المتوسط وعمق أراضيها لايزيد علي90 كيلومترا وتضم عشرة مراكز ويسكنها ثلاثة ملايين نسمة, ويشتغل سكانها بالصيد او الزراعة, وتفتقر الي ظهير صحراوي, وهنا اصبحت إدارة المخلفات تتطلب ادارة تسعي لجمع القمامة والكمر أو الدفن... لان الاراضي ضاقت بالزراعة والاسكان ولاتوجد وفرة في الاراضي, وقد لجأ الي تقسيم المراكز العشرة الي مربعات. ويحكم كل مربع اداري للجمع ونقل مليون طن قمامة كل سنة.
وفجأة ابتسم القدر ودخلت المحافظة3 شركات لجمع القمامة إحداها فنلندية والاخري إنجليزية, وكلتاهما لها وكيل مصري في القاهرة, أما الشركة الثالثة فصاحبها طبيب مصري.
الشركات الاجنبية عرضت شراء زبالة كفر الشيخ بحق امتياز لمدة20 سنة, تنقل القمامة كما هي بعد ضغطها بالآلات في بالات داخل حاويات الي ميناء الاسكندرية لتصديرها الي أوروبا... مقابل100 دولار لكل طن علي شرط تسليم500 طن كل ساعة وبمعدل3000 طن كل يوم, هذه القمامة تسعي إليها الشركات العالمية لانتاج غاز البيو ايثانول لتدفئة المنازل اثناء صقيع أوروبا القارس في الشتاء.
تبقي هنا مشكلة... لان القانون المصري لا يسمح إلا بشرط إعلان مزايدة بين ثلاث شركات, وإرساء المزايدة علي الأعلي عرضا... وقد حرص المحافظ علي عرض هذا الطلب علي وزارة البيئة فوافقت, ثم تقدم به الي مجلس المحافظين ورئيس الوزراء.. وفي انتظار الموافقة خوفا من المساءلة من الاجهزة الرقابية بتهمة بيع الزبالة بثمن بخس رغم خطاب الضمان وجدية العرض الذي تقدمت به الشركات الي المحافظة واستعدادها للعمل غداة توقيع العقد. من ناحية اخري تقدم طبيب مصري بعرض للمحافظة لشراء القمامة بحيث يتولي تحميلها من المواقع بسعر الطن ثمانية جنيهات ويصدرها في حاويات الي الصين.
بالطبع المحافظ... ينظر الي العرض الأعلي... ولكن في نفس الوقت يرفض فكرة حق الانتفاع لمدة20 سنة علي امل ان مصر قد تقتني تكنولوجيا استخلاص غاز البيو ايثانول قريبا وستكون مقيدة بعقد احتكار طويل الاجل.
مشكلة كفر الشيخ تعاني من حرق قش الأرز ـ وهو ـ أي الأرز ـ يمثل المحصول الرئيسي, كما أنها بلا ظهير صحراوي لتدبير الأرض لتسع جمع مليون طن قمامة وفرز واعادة استخدام واعادة تدوير وكمر وتصنيع وتدبير مواقع ومدافن صحية للنفايات الخطيرة والقمامة المنزلية والنفايات الصحية. من هنا كانت القمامة نقمة... وبعد عرض الشركات الاجنبية القمامة اصبحت نعمة.
المحافظ مكتوف اليدين من المركزية والقوانين والأجهزة الرقابية, ويضع يده علي خده في انتظار موافقة رئيس الوزراء... ويتساءل هل أفتح الباب امام تصدير القمامة؟... أم أغلق الباب وأحتاس بمليون طن كل سنة... وللا نحرق الزبالة مثل كارثة قش الارز في محافظته.. وعزاء اللواء عابدين علي حرق القش أن الدخنة تذهب تحت ريح البحر.