نجوم سداسية في سماء القاهرة
كان ايهود باراك أكثر من واع عندما تحدث إلي قناة ايه بي سي قبل أيام من خلع حسني مبارك ، دارت المقابلة عن المرحلة الإنتقالية في مصر حتي قبل أن تبدأ وعن الجدول الزمني للإنتخابات البرلمانية قبل أن يخادعنا المجلس العسكري بجدول وهمي إمتنع عن تنفيده وتبني بدلا منه - لمجرد توارد الأفكار - الجدول الدي اقترحه ايهود باراك في حديثه إلي القناة المذكورة ، ربما كانت النشوة التي شعرنا بها في تلك الأيام وفي الأيام التي تلتها هى التي تحول بيننا وبين علاج الكثير من الأخطاء التي من أكبرها الثقة في المجلس العسكري الذي ظننا أن احجامه عن اطلاق النار على الثوار كان عن اقتناع بعدالة الثورة والثوار وليس الخوف من أن يلقي نفس المصير الدي لقيته قوات ومعدات الشرطة التي هرع جنرالاتها إلي جحورهم كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة ، وحتي لا نضخم من فكر العسكري الإسرائيلي الدي جاء إلي قيادة وزارة الدفاع هناك لكفاءته الفنية و من خلال صندوق الإنتخابات البرلمانية فالواضح أنه كان لدية معلومات دقيقة عن السيناريو الدي يضمره المجلس العسكري المصري لإفساد الثورة واعادة انتاج نظام مبارك مرة أخري وهو ما أكده بعد ذلك جيمي كارتر بعد لقاء المشير طنطاوي .
في كتابات كثيرة سابقة لجل الكتاب والمثقفين في مصر تكشفت جميع عورات المجلس العسكري وأخطائه المقصودة بداية من الإبقاء على آلة إعلام حسني مبارك ونظامه تعمل بكامل كفاءتها وانتهاء باستدعاء كتائب الفساد لتعمل أيديها القذرة في مقدرات الشعب وافتعال ازمات ليس آخرها نقص السولار والبوتاجاز كما لم يكن آخرها الإنفلات الأمني غير أن المدقق في نوعية الأزمات يشاهد دائما النجمة السداسية تتلألأ فوق الأزمة بمفرداتها المادية ودلائلها المعنوية ، فعلي سبيل المثال لا الحصر ظهرت بلا مقدمات ولا منطق قافلة عسكرية جابت مدينة العريش رافعة ألوية سوداء أطلقت بعض الأعيرة على قسم شرطة العريش فيما بدا على انه عودة التيارات الجهادية للعمل على الحدود مع العدو الصهيوني وبما يثير لدي الشعب فزاعة طالما كان يرتجف منها حسني مبارك ونظامه كله بما فيه كثير من العسكريين الحاليين وهى المواجهة مع اسرائيل وقد نقلوها بدورهم إلي الشعب على مدي ثلاثين عاما - وبنظام توارد الخواطر فقد أطلقت اسرائيل نيرانها لتقتل " بطريق الخطأ طبعا " بعضا من جنودنا ، غير أن الشعب بدلا من أن يرتجف ويرتعش ثار وكان أكثر استعدادا للمواجهة ووجد المجلس العسكري نفسه مرة أخري معزولا ومطالبا باجراءات لا يستطيع أبدا بتكوينه الحالي الإقدام عليها ، أزمة اخري تزامنت مع تفجير انبوب الغاز المتجه الي اسرائيل والأردن وهى أزمة البوتاجاز في مصر ولا أستطيع أن أجد مبررا لمن خطط لتلك الأزمة أن يختار البوتاجاز بالذات سوي أن يذيق الشعب المصري بعض الذي عمل مع جيرانه الشرقيين عندما رفض " تشحيتهم " الغاز المصري وأضاف أزمة السولار ليرد " القلم قلمين " وفي جميع الحالات فان السلعتين تقفان في موقف وسط في قائمة الإحتياجات بين الخبز صاحب المفعول السريع لإشعال الثورات وبين البطالة والسكن مثلا في مرتبة أقل إثارة وأضعف مفعولاولكنها جميعا تحقق الهدف المشترك للمجلس العسكري في اشعار الشعب بما سببته الثورة من معاناة للناس .
بدت ملامح الخطة تتضح شيئا فشيئا مع قمة " التناحة " التي وجدناها في شخصيات عدوانية تشكلت منها وزارة الجنزوري الدي ظل " مشتاقا " في بيته " لكلمة ونظرة عين " من ولي النعمة المخلوع الذي تعطف عليه في أواخر أيامه ودعاه ليحضر المؤتمر السنوي للحزب الوطني ورغم أن الجنزوري ظهر في هذا المؤتمر مبتسما ومرحا ومتطلعا إلا أن الثورة لم تمهل ولي النعمة أن ينعم على خادمه القديم بأي منصب بعد أن انتهت فترة عقوبته على طموحه المظنون ، غير أن الجنزوري " المشتاق جدا " حظي برعاية أعلي من زميله القديم المشير طنطاوي الدي فوضه في الآتي :
1- اعادة فلول الإعلام الذين تواروا خجلا بعد الثورة إلي الفضائيات ولكن " بهدووووء "
2- احداث أزمات متوسطة داخل الحياة اليومية للمواطنين تشغلهم عن المتابعة السياسية وتحدث في نفوسهم احباطا يثنيهم عن التفكير في الثورة كحل لأزماتهم وتضع بذورا لعدم الثقة بين الشعب وممثليه البرلمانيين ليبدوا المشهد كأنه فشل برلماني وليس مؤامرة من الحكومة .
3- التمكين المالي لفلول الحزب الوطني المنحل وتسوية أوضاع الفساد بالنسبة للصوص الأراضي ومساعدة المحبوسين من المتهمين منهم على الخروج بأقل الخسائر استعدادا لمواجهة اقتصادية مع الإقتصاديين الإسلاميين فيما بعد .
4- اخفاء كل ما يمكن اخفاؤه من مستندات وأدلة تدين أي من رموز النظام السابق والضغط على القضاء من خلال قنوات الإتصال التي كانت مفتوحة في المرفق المقدس مع أمن الدولة وذلك لتمرير بعض الأحكام الحيوية في الاوقات الحرجة .
5- تهيئة المناخ العام في البلاد بوجه عام لعودة النظام السابق توطئة للوصول إلي نقطة الدروة التي يستطيع فيها المجلس العسكري مفاوضة القوي السياسية الأخري على ترتيبات أمنية مع " الجيران " من ناحية والإمتيازات المالية والسياسية لأعضاء المجلس العسكري من ناحية أخري بالإضافة إلي تسوية قضية مبارك وتحصين البعض من المساءلة وعلى رأس هؤلاء اللواء عمر سليمان رجل الجيران الشرقيين في مصر والرجل الأكثر علما بزلات وخطايا الجنرالات وأرقام حساباتهم بالإضافة أيضا لكونه كلمة السر في التعامل مع ثروات أمراء الخليج الذين طالما كانوا يزورون مصر في الثمانينات والتسعينات قبل أن يهجروها إلي روسيا وتايلاند .
بدا المجلس العسكري أكثر استسلاما لتحركات أقل ما يمكن أن تتسبب فيه هو أن يعود حسني مبارك الي سدة الحكم بعد فترة النقاهة التي قضاها في المستشفي العالمي غير أن للشعب المصري رأي آخر وتحرك آخر ربما لم يقدره المجلس العسكري واللواء سليمان وكثير من الفلول الطائفين بمقام سيدهم أبي حصيرة المنتظرين لساعة الخلاص من الشعب ونوابه ومليونياته وآماله وطموحاته ، نعم للشعب رأي آخر وتحرك آخر بعد أن أشرقت عليه شمس الحرية من أكباده الملتهبة وأورامه المتأزمة ، من ورش الكادحين في دمياط ومناجل الفلاحين في المنوفية ، من صفائح المش و صرر البتاوي في الصعيد ، من بين أيدي الأطفال المرتعشة من البرد في ليالي عشش الإسكندرية ، من المساجد والكنائس ، من الآمال المحطمة والإحباطات المتكررة وكما فشل وكيل اليهود أول مرة سوف يفشل في المرة الثانية والأخيرة والجمعة موعد هدير الجماهير في وجه فلول حملوا على رؤسهم نجمات سداسية .