لماذا نرفض الديموقراطية؟؟
فالديمقراطية في عرف أهلها؛ هي سيادة الشعب، وأن السيادة سلطة عليا مطلقة غير محكومة بأي سلطة أخرى، وتتمثل في حق الشعب في اختيار حكامه وحقه في تشريع ما يشاء من القوانين، ويمارس الشعب هذه السلطة عادة بالإنابة بأن يختار نواباً عنه يمثلونه في البرلمان وينوبون عنه في ممارسة السلطة؛ أي أن مصدر التشريع والتحليل والتحريم هو الشعب وليس الله، ويتم ذلك عن طريق اختياره لممثلين ينوبون عنه في مهمة التشريع وسن القوانين.. وقد يسمونها " المجلس الوطني " أو مجلس الحكم " أو"مجلس الأمة" أو" مجلس الشورى" أو " مجلس الشعب".
وهذا يعني أن المألوه المعبود المطاع - من جهة التشريع - هو الإنسان وليس الله جلَّ في علاه.. وهذا مغاير ومناقض لأصول الدين والتوحيد.
يدل على ذلك قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاه}، وقوله تعالى: {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً}، وقوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ}.
وقوله تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}؛ لأن عبدتموهم من جهة طاعتكم إياهم في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله فإنكم لعابدون لهم من دون الله؛ لأن الشرك لا يطلق في القرآن أو السنة إلا لنوع عبادة تصرف لغير الله عز وجل.
وكذلك قوله تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّه} ولما استنكر عدي ابن حاتم رضي الله عنه عبادة اليهود والنصاري لعلمائهم بالمعني المألوف للعبادة وضح له النبي صلي الله عليه وسلم أن تلك العبادة هي طاعتهم في التشريع من دون الله، فهم أرباب من دون الله لما اعترفوا لهم بحق التشريع والتحليل والتحريم وسن القوانين من دون الله تعالى واتخذوهم-الأتباع- أربابا بطاعتهم ورضاهم.
الديمقراطية؛ تعني رد أي نزاع أو اختلاف بين الحاكم والمحكوم إلى الشعب وليس إلى الله والرسول..
وهذا مغاير مناقض لقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّه}، بينما الديمقراطية تقول: فحكمه إلى الشعب، وليس غير الشعب!
وقال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}، فجعل الله عز وجل من لوازم الإيمان رد النزاع - أي نزاع - إلى الله والرسول؛ أي الكتاب والسنة.
الديمقراطية؛ - يا قوم - تعني العلمانية بكل أبعادها؛ حيث تقوم على مبدأ فصل الدين - أَيَّ دين - عن الدولة والحياة، فالله تعالى ليس له في نظر الديمقراطية سوى الزوايا، والمساجد، شريطة أن لا يكره أحد على دخول هذه الأماكن، وما سوى ذلك من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها فهي ليست من خصوصياته، وإنما هي من خصوصيات الشعب وحده.. وللشعب كذلك صلاحيات التدخل في شؤون المساجد لو اقتضت الضرورة لذلك...
{قَالُواْ هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُون}، وقال تعالى: {وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً}.
{أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً}؛ هو حكم كل ديمقراطي علماني يفصل الدين عن الدولة والسياسة، وشؤون الحياة.. وإن زعم بلسانه - ألف مرة - أنه من المسلمين المؤمنين.
الديمقراطية؛ تعني مبدأ الحرية الشخصية للفرد، فالمرء له - في ظل الديمقراطية - أن يفعل ما يشاء من الموبقات والفواحش والمنكرات.. من غير حسيب! ولا رقيب فلو غيَّر المسلم دينه فصار يهودياً أو نصرانياً فلا ضير في عرف الديمقراطيين! والإباحية التي عرفت بها فرق الزندقة عبر التاريخ، ماذا تعني غير ذلك؟!
الديمقراطية؛ تعني مساواة الناس جميعاً في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن انتمائهم العقدي الديني وسيرتهم الذاتية الأخلاقية؛ حيث أن أكفر وأفجر وأجهل الناس يتساوى مع أتقى وأعلم وأصلح الناس في تقرير أهم القضايا وأخطرها، وهي من يحكم البلاد والعباد!
وهذا مناقض لقوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}، وقال تعالى {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ}، وقال تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
في دين الله لا يستوون؛ بينما في الديمقراطية نعم يستوون!
الديمقراطية؛ تقوم على مبدأ اعتبار وإقرار موقف ورأي الأكثرية، مهما كان نوع هذه الأكثرية، وأياً كان موقف هذه الأكثرية، هل وافقت الحق أم لا، فالحق في نظر الديمقراطية والديمقراطيين هو ما تجتمع عليه الأكثرية ولو اجتمعت على الباطل أو الكفر الصريح!
بينما الحق المطلق في نظر الإسلام - الذي يجب التزامه والعض عليه بالنواجذ - ولو فارقك جماهير الناس - هو الحق المسطور في الكتاب والسنة.
فالحق ما وافق الكتاب وطابق ما في الكتاب والسنة وإن اجتمعت جماهير الناس على خلاف ذلك. فالحكم لله وحده وليس للبشر أو الأكثرية.
قال تعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُون}.
وجزاكم الله خيرا