تفريغ الحلقة
الحلقة الأولى: لمن يقول: يجب حل مشاكل المجتمع قبل تطبيق الشريعة
هذه السلسلة هي صوت من الأصوات المنادية لإخواني العاملين للإسلام في البلدان التي سقطت فيها الأنظمة فأُعطوا فيها الفرصة لقيادة الشعوب، أن أيها العاملون للإسلام احذروا من الانزلاق وتقديم التنازلات. وكذلك صوت أن أيتها الشعوب الإسلامية: الإسلام لم يدخل المعركة بعد في كثير من الساحات التي ينادى فيها بطروحات يقال أنها إسلامية. فإذا ما أخفق الإسلاميون في محاولاتهم لإنقاذكم فلا تقولوا (جربنا الإسلام فيما جربنا ولم ينفعنا)! فكثير من هذا الذي ترون ليس تمثيلا صحيحا للإسلام، وإخفاقه ليس إخفاقا للإسلام.
دفعني إلى البدء في هذه السلسلة ما نسمعه من بعض العاملين للإسلام هدانا الله وإياهم من أنهم إن وصلوا إلى الحكم فلن يفرضوا أحكام الشريعة دفعة واحدة بل سيتدرجون في تطبيقها. وهذا الظن أن لإنسان أن يتدرج في تطبيق الشريعة مما لا نرتضيه لمسلم أن يعتقده فضلا عن أن يقول به العاملون للإسلام. لذا فهذه مناصحة لإخواني أسأل الله تعالى أن يهدينا فيها إلى الصواب وأن يأخذ بنواصينا إلى الحق أخذا رفيقا.
وكون الموضوع متشعبا جدا فإني سأعالج في كل حلقة نقطة واحدة بإذن الله. وأتوقع أن تطول السلسلة لكنها نافعة بإذن الله. فلن يجد القارئ أو السامع مبحثا متكاملا في كل حلقة على حدة، ولا بد أن تثار لديه أسئلة كثيرة. لكن كل ما يثار عادة سيتم الإجابة عنه في حلقات أخرى بإذن الله.
1) الذين يقولون بالتدرج في تطبيق الشريعة من حججهم أنه لا بد بداية من القضاء على الفقر والبطالة والفساد وانعدام الأمن: أطعم الناس ووفر لهم الأمن ثم طبق الشريعة.
هذا الطرح مثخن بالجراح والتناقضات.
فأولا: نحن كمسلمين نؤمن بأن الفقر والبطالة والفساد هذه كلها من نتائج تغييب الشريعة. قال تعالى:
((ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)) من معاني الفساد كما ذكر المفسرون قلة البركة وضيق العيش وكساد السلع وغلاء الأسعار. ما المطلوب حتى يُرفع هذا الفساد؟ ((لعلهم يرجعون)) أي إلى شريعة الله كاملة.
وقال تعالى: ((وضرب الله قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الخوف والجوع بما كانوا يصنعون)). وتغييب شريعة الله من الكفر بأنعمه...يتقلب العبد في نعم الله ثم لا ينصاع لأمره. هذا هو سبب الخوف والجوع.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه ابن ماجة والحاكم والبزار والمنذري:
((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.
ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم
ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا
ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم
وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم))
انظر إلى الحال الموصوفة في هذا الحديث: كلها أشكال من تعطيل الشريعة: ظهور الفاحشة من نتائج تعطيل حد الزنا والسماح بما يسمى الحريات الشخصية، منع الزكاة لأن الدولة ليست إسلامية تفرض الزكاة على من تجب عليه، نقض عهد الله وعهد رسوله أوضح أشكاله ترك تطبيق الشريعة بشموليتها، ثم نص النبي على الحكم نصا فقال (وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله)...هذه المقدمات كلها هي أشكال من تعطيل الشريعة. ما نتائجها؟: الأمراض، جور السلطان (يعني الدكتاتورية)، منع المطر، احتلال البلاد وضياع الثروات، أن يكون بأس المسلمين بينهم، يعني الخوف والحروب وقطع الطرق وضياع الأمن.
هذه كلها نتائج تعطيل الشريعة...ما نعانيه اليوم هو من تعطيل الشريعة. وهؤلاء يقولون: أبق الشريعة معطلة إلى أن نتخلص من الفقر والفساد وانعدام الأمن! يريدون مداواة المرض بسببه!
في حديث ((إذا تبايعتم بالعينة)) الذي نعرفه كلنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم))...هذا هو الحل: أن نرجع إلى ديننا، أن نرجع إلى شريعتنا، وإلا سنبقى ندور في حلقة مفرغة، نريد علاج مشاكلنا بما يزيد هذه المشاكل! كالمستجير من الرمضاء بالنار.
ما الحل؟ الحل في إقامة شريعة الله. قال الله تعالى: ((ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ( 96 ) )) (الأعراف). وقال تعالى:
((ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ( 64 ) ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ( 66 ) )) (المائدة).
فإذا كنا نريد القضاء على الفقر والبطالة والفساد والخوف والفوضى فليس لنا إلا شريعة الله تعالى، وإلا فالسراب والركض وراء الجزرة المربوطة بالعصا!
الخلاصة: لن تحل مشاكل المجتمع قبل تطبيق الشريعة.