تم نشر هذا المقال اليوم في صحيفة المصريون وعلى الموقع الإلكتروني للصحيفة وهذا هو الرابط
http://almesryoon.com/permalink/21856.html

إنه موسم الميراث في البلاد العربية .. موسم ليس كل جيل محظوظ ليشهده والحمد لله أنا قد شهدناه، وكنا نظن لطول عمر المورثين وسوء عملهم أنه لا يأتي، وكنا نحسب أنه ان أتي لن يورثنا سوي أكل خمط وأثل وشيئ من سدر قليل، وأن الوارثين لابد وأنهم سيكونوا على عمود النسب من ذرية مبارك والقذافي وعلى صالح إلي آخره من أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ، حتي أنه ولسخرية الأحداث ومن سهولة انقياد شعوبنا فإن الورثة كانوا يحكموننا حال حياة المورثين فصرنا نناقش مبادرات أولياء العهد في وجود أصحاب الجلالة ، و الفكر الجديد في حضرة العهد القديم ، وتبلورت النظرية الرابعة والكتاب البنفسجي ولم تطو بعد صفحات الكتاب الأخضر بنظريته الثالثة .
ثلاثون عاما ونحن نقرأ قول الله عز وجل " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فيالأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون " نمر على الآيات ونتخيل بني اسرائيل بعد هلاك فرعون ولا يخطر على بالنا أن يوما سيأتي في بلادنا العربية كذلك الذي جاء ذكره في الكتاب العزيز ، وأن مبارك سيرفع يده من خلف القضبان متمارضا ومتماوتا ليقول " افندم انا موجود " ، وأن ملك ملوك افريقيا سيوضع في ثلاجة الفجل والبصل يغشي جثمانه الناس دونما تفرقة بينهم ، وأن صالحا سيغشي وجه قطعا من الليل مظلما وأن البقية تأتي ...
غير أن ما يسترعي انتباهي ليس مشهد الميراث في مستواه الأعلي في مستوى الرؤساء ، إنما ما يثير الإهتمام هو مشهد التوارث في مستوياته الأدني و المثال الأوضح هو ما يجري في مصر الآن من قتال ضار على تركه المخلوع والتي كان الشعب جزءا منها باعتبار أنه كان يملك الأرض ومن عليها .
- المستشار الزند يقترح قانونا للسلطة القضائية يقترح فيه أن لا يولى القضاء إلا من كان سليل قاض أو مستشار رافعا شعار أن الله فضل بعضكم على بعض في الرزق وأن القضاة لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا وظائفهم التي هى مصدر رزقهم الوحيد فكيف تنازعون أيها الناس أبناء القضاة في ارزاقهم ، والحقيقة أن ذلك المشهد كان الأكثر فجاجة في تقسيم تركة المخلوع .
- الدكتور الجنزوري يلي الوزارة ومنذ اللحظة الأولي لولايته يطلق ممتاز السعيد بالونات اختبار يتحدث فيها عن التصالح مع لصوص الأراضي ، ثم يصدر القرار تلو القرار بتسعيرها التحكمي وتستوحي فايزة ابو النجا - بتعبير طه حسين – ألفاظا كانت مستعملة في العصر القديم من أمثلة الإستقرار والإستثمار والتكرار يعلم الشطار باعتبار أن الأرض ميراث اللصوص بينما يرث الشعب ما تحدده الحكومة من ثمن بخس بأسعار وقت سرقة الأرض وبالتقسيط المريح ، غير أن الورثة الجدد رفضوا التصالح والوصاية من الجنزوري وأبو النجا اللذين ظهرا وكأنهما المجلس الحسبي يجيز تصرفات جرت على اموال الورثة القصرالمستضعفين .
وبدت ظواهر الميراث في كل مؤسسة حكومية في مصر وفي كل شركة وأمام كل وزارة رايات للمستضعفين المطالبين بالتركة حتي اختلط الورثة بالأدعياء في مشهد فئوي لم تشهده مصر من قبل ، فمن بعد القضاة وواضعي اليد على اراضي الدولة جاء دور الجيش الذي أوحي الي على السلمي ما أوحي فضمن السلمي وثيقته الشهيرة نصف التركة تقريبا للجيش وللشعب كله النصف الآخر وجعل من الجيش البالغ الراشد قيما على الشعب السفيه المبذر وليا لنعمته وحارسا على مدنيته ، ولما يزل الجنرالات يكافحون حرصا على ميراثهم حتي أهملوا عملهم الأساسي وهو حماية حدود الدولة ، فكانت الفجيعة على أرض رفح ما أعطي لرئيس الدولة الحق في رفع الإصر والأغلال التي كانت عليه ، وصار ميراث المجلس العسكري هو فقط ما يستحقه نظير عمله المقدس العظيم من الدفاع عن الأوطان كحال كل العسكريين في العالم .
غير أن المشهد الأوضح في تمسك أدعياء الإرث بميراثهم كان مشهد تمسك رؤساء الصحف القومية واصداراتها بوظائفهم باعتبارها حقا الهيا مقدسا لا يمكن المساس به ولا الجدل بشأنه ، فهم "ولا هم الا هم " صناديد الصحافة وكهنتها ، وأن رئاستهم للتحرير قد اختلطت بدمائهم الزرقاء ، فهى في اصل خلقتهم وخلقة الصحافة ، فلا يجوز الجدل بشأن استحقاقاتهم ، ولا يصح مثلا – لا سمح الله – أن يحمل احدهم السيرة الذاتية لشخصه النبيل ويسير بها الي مجلس الشوري ليطلب من الورثة الجدد تثبيت حصته الميراثية ، فيما اعتبره رؤساء التحرير انتقاصا لسيادتهم على صحف الدولة وعودتها – لا قدر الله – إلي الشعب مالكها الأصلي ووارثها الشرعي .
وتبقي دائما المعركة الأشرس والأعنف حول التركة هى معركة رجال الأعمال والشركات ودنيا البزنس ، فالذين ورثوا القطاع العام " ببلاش " من قبل تنتظرهم منازعة حول ما بقي في أيديهم من التركة ، وما أنفقوه منها بين تهريب واستتار باسماء الغير ، لا شك أن دنيا الأسمنت والحديد والمقاولات واستيراد سلع بعينها حكرا على أسماء بعينها وتصدير أخري حكرا على أسماء أخري وتجارة السلاح والمخدرات وعمليات التهريب سوف تشهد منازلات و منازلات وكر وفر واغتيالات وانتحارات ووشايات واعترافات ما يزلزل التركة ويزلزل الدولة معها .
ورغم أن ممثلي السينما ومخرجيها قد دافعوا أيضا عن ميراثهم المزعوم في التركه إلا أنهم كانوا الأقل شراسة في مطالبتهم ، فمن بينهم من يري و من تري أن بضاعتها ورأسمالها هو ابتذالها وأن لذلك الإبتذال حمي فلا يجوز لأحد أن يحوم حول ذلك الحمي ولا أن يطهر ذلك القطاع الثقافي أبدا فالنظام العام والآداب في مصر قد تشكلا على مدي نحو ثمانين عاما على قبول مطالعة السوء ورمزية الفحشاء وقد ورث السينمائيون تلك القواعد فهم لا يخفون السوء ولا يجهرون بالفحشاء وهو فن مصري خالص جامع مانع لا يقبل الإنتقال بالميراث إلي الإسلاميين أبدا لأن الإسلاميين لا يجيدون فن الإبتذال الذي هو قوام السينما كما يري المخرج الناصري الذي طور ذلك الفن وجهر فيه بالسوء والفحشاء واعتبره ميراثه الذي لا يقبل أن ينازعه فيه منازع .
لا شك أن منازعات كثيرة على الميراث سوف تظهر في قطاعات أخري كالخارجية والثقافة و الصحة وحتي في المهن الحرة كالمحاماة والمحاسبة وشركات الأمن وعالم الرياضة ... وكل شبر كان للمخلوع أنصار فيه فكما أن هناك ورثة " فوق " فهناك ورثة " تحت " .