الأدلة على أن الحكم بالقوانين الوضعية كفر أكبر مخرج من ملة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد،،،
ثانياً؛ الأدلة من القرآن:-
اعلم أخي المسلم أن المحكمين للقوانين الوضعية ومشرعيها يرتكبون الكفر من أوجه عديدة:
الوجه الأول: التولي والإعراض التام عن حكم الله تعالى، أو الإعراض التام عن بعض أحكامه.
الوجه الثاني: تشريع الأحكام مع الله.
الوجه الثالث: إلزام المسلمين بالقوة بهذه القوانين طاعة للكفار.
أما الأدلة على كفر من فعل الوجه الأول ما يلي:
قال تعالى: (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ).
وسبب نزول هذه الآية ما ورد في قصة اليهود التي رواها البخاري ومسلم في صحيحهما وذلك لما زنا منهم رجل وامرأة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما تجدون في التوراة في شأن الرجم" فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم. فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فإذا فيها آية الرجم، فقالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما الرسول فرجما.
والناظر في سبب نزول هذه الآية يجد أنهم فعلوا أمرين مكفرين:
1) تواطئهم على الإعراض عن حد من حدود الله وهو حد الزنا.
2) تبديلهم حكم الله، فذكروا أن حد الله في الزاني هو التحميم والجلد مكان الرجم.
أما الأدلة على كفر من فعل الوجه الثاني ما يلي:
1) قوله تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله)، فثبت بهذا النص أن من شرع للناس ما لم يأذن به الله فقد جعل نفسه شريكاً لله في ربوبيته، ومن أطاعه في ذلك واتبع التشريع المخالف فقد أشرك بالله.
2) قوله تعالى: (ولايُشرك في حكمه أحداً)، ويقال فيها ما قيل في الآية السابقة.
3) قوله تعالى: (ما جَعَل الله من بَحيرة ٍ ولاسائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون). والذي نستشهد به من هذا النص هو حكم الله تعالى على من شرع للناس الشرائع الباطلة بأنه كافر يفتري الكذب (... يفترون على الله الكذب).
4) قوله تعالى: (إنما النسيء زيادة في الكفر يُضَل به الذين كفروا، يُحلّونه عاماً ويحرمونه عاما ليواطئوا عِدّة ماحرّم الله، فيُحلوا ما حرّم الله، زُيِّن لهم سوء أعمالهم، والله لا يهدي القوم الكافرين). والنسيء تشريع مخالف لشريعة الله في الأشهر الحُرُم - وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم - وقد حرّم الله القتال في هذه الأشهر، فكانوا في الجاهلية إذا أرادوا القتال في شهر منها جعلوه حلالاً وحرموا بدلاً منه شهراً آخر من أشهر الحِلّ ليواطئوا عدة ماحرم الله، أي ليوافقوا العدد الذي حرّمه الله. فبيّن الله تعالى أن هذا التشريع المخالف لشرعه هو زيادة في الكفر، والزيادة في الكفر كفر، وبهذا يكون من شرع ما يخالف شرع الله كافراً.
5) وقوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم، وما أمِروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً، لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون).
روى البيهقي والطبراني والترمذي وابن جرير الطبري من طرق عن عَدِيّ بن حاتم رضي الله عنه أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عُنُقه صليب من ذهب فقال الرسول صلى الله عليه وسلم يا عدي أطرح هذا الوثن ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله" قال: فقلت: إنا لسنا نعبدهم، فقال صلى الله عليه وسلم "أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه"، قال: بلى، قال: "فتلك عبادتهم". وموضع الدلالة من هذه الآية والحديث الوارد في تفسيرها في الوجه الذي نتحدث عنه وهو (التشريع من دون الله): أن مَنْ فعل هذا فأحلّ الحرام وحَرَّم الحلال وشرع ما لم يأذن به الله فقد جعل نفسه رَبّاً للناس من دون الله وكفى به كفراً مبيناً.
وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذا الحديث في كتاب التوحيد تحت "باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما أحل الله فقد اتخذهم أرباباً"، وقال رواه أحمد والترمذي وحسنه.
أما الأدلة على كفر من فعل الوجه الثالث:
1) قوله تعالى: (وإن أطعتموهم أنكم لمشركون) قال المفسرون إن أطعتم أهل الكتاب في إحلال أكل لحم الميتة فأنكم تصيرون بذلك مشركين وقال ابن كثير عند تفسير هذه الآية (أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك)، وقال ابن جرير (وإن أطعتموهم في أكل ما نهيتكم عنه إنكم إذن لمشركون)، فكيف بمن يُحَكم قانون كامل من قوانينهم فيحل فيه ما حرم الله، ويحرم فيه ما أحل الله طاعة لهم، فهذا لا شك أنه كفر ظاهر جلي واضح، إلا على من طمس الله بصيرته.
2) (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم * ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم * فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم * ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعملهم).
فانظر كيف قال الله عنهم (ارتدوا) ثم بين سبب ارتدادهم على أعقابهم وهو(أنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر) ثم قال (ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعملهم) فذكر أنهم ارتدوا وحبطت أعمالهم لأنهم قالوا للكفار سنطيعكم في بعض الأمر، فكيف بمن فعل ما وعد به الكافرين من الطاعة؟!
أدلة آخرى:
1) قوله تعالى: (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله). قال الشنقيطي (ولما كان التشريع وجميع الأحكام شرعية كانت أو كونية قدرية من خصائص الربوبية، كما دلت عليه الآيات المذكورة كان كل من اتبع تشريعاً غير تشريع الله قد اتخذ ذلك المشرع رَبّاً، وأشركه مع الله).
2) وقوله تعالى: (ولايُشرك في حكمه أحداً). ويقال فيها ما قيل في السابقة، وقال الشنقيطي رحمه الله: (ويُفهم من هذه الآيات كقوله "ولا يُشرك في حكمه أحداً" أن متبعي أحكام المشرّعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله).
3) قوله تعالى في سورة النساء (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً * فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
4) قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون).
5) قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون).
6) قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون).
يتبع...