حوار بين الملائكة وأهل النار
بعد أن يستقر أهل النار في دارهم تحدث بعض الحوارات بينهم وبين خزنة النار الذين يلقون عليهم بعض الأسئلة من باب التقريع والتوبيخ والتنكيل {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا}، ألم يأتكم رسل من جنسكم أقاموا عليكم الحجة وحذروكم من هذا الشر المستطير؟ فيأتي ردهم باهتا يدل على ما هم فيه من الخزي والندم {قَالُوا بَلَى}.
اعتراف في غير وقته، ومع ذلك يحاولون تخفيف المسئولية عن أنفسهم بأن ما هم فيه بسبب شقاوتهم التي كتبت عليهم، مع إقرارهم بكفرهم حيث يستأنفون الكلام {وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ}؛ فيأتي الأمر الرهيب من مجهول لم تحدده الآيات {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}.
وينقل القرآن حوارًا آخر بين أهل النار بعد أن يستقروا فيها ويذوقوا شديد عذابها وتضيع آمالهم في التخلص من هذا العذاب الأليم فيتمنوا تخفيفه ولو لمدة يوم واحد {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ}.
فيأتي الرد المقرح المؤنب المذكر بالتفريط والتقصير في الدنيا {قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} فيأتي ردهم القصير {قَالُوا بَلَى}، فيأتي رد خزنة النار أشد ألما من نارها {قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ}.
ويرسم القرآن صورة المجرمين وهم خالدون في العذاب غير المنقطع عنهم {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ}، ومن أليم هذا العذاب يتمنون الموت ويطلبونه فلا يجدونه؛ حيث ينادون مالكا خازن النار {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}؛ أي ليقبض أرواحنا ليريحنا مما نحن فيه؛ فحالهم عبر عنه القرآن في مواضع أخرى مثل: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا}، وكما في قوله تعالى: {وَيَتَجَنَّبُهَا الأشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى}.
فيأتيهم الرد بعد ألف عام -كما في بعض الروايات- {قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}.
وفي موضع آخر يرسم القرآن صورة للنار وهي تكاد تتقطع من غيظها وحنقها على هؤلاء الذين تجبروا في الأرض وعصوا ربهم وكذبوا رسله {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ}، وتكتمل الصورة المزرية لهؤلاء العصاة المتكبرين بتوالي إلقائهم في جهنم أفواجا وراء أفواج.
ومع ورود كل فوج يتكرر عليهم سؤال التبكيت والإذلال من خزنة النار:{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ}، فيأتي رد كل الأفواج متفقا على الإقرار والاعتراف بالمسئولية {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ}.
ثم يستطردون في توبيخ أنفسهم ووصمها بالجنون وعدم العقل؛ فالعاقل لا يورد نفسه هذا المورد الأليم {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ}. صدق الله العظيم
حوار بين الملائكة وأهل الجنة
وفي مقابل حوار التأنيب والتوبيخ يسوق القرآن لنا حوارًا آخر من حوارات القيامة وهو حوار التبجيل والإكرام؛ إنه حوار بين خزنة الجنة وأهلها الطائعين المتقين، وهم يدخلون الجنة زمرًا وجماعات {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}؛ فتحيتهم فيها السلام ودعاؤهم فيها طيب المقام والخلود في النعيم.
فيأتي ردهم فيها بحمد الله والثناء عليه ورد ما هم فيه من نعيم إليه سبحانه وتعالى؛ فهو الذي صدقهم وعده فنالهم ما نالهم من النعيم المقيم، وهو سبحانه الذي أورثهم الأرض يتبوءون من الجنة حيث يشاءون بفضل الله وكرمه وليس بأعمالهم هم، وهذا من باب الأدب العالي مع الله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.
وبعد هذه الرحلة الإيمانية الروحانية والعيش مع هذه الحوارات المتنوعة في عرصات القيامة بعد أن يقضى بين الخلائق لا نملك إلا أن ندعو الله عز وجل أن يجعل حوارنا يوم القيامة تبجيلا وتكريما وترحيبا وسلاما من خزنة الجنة؛ فنعم أجر العاملين.