مع تطور الحياة المدنية، وتعاظم دور السلطة والسياسة في الحياة الاجتماعية والفردية، ازداد ارتباط المصير الفردي والاجتماعي بالسلطة والدولة.
فالدولة هي التي تتولى مهمة التربية والتعليم، وهي التي تصمم وتخطط الاعلام، وهي المسؤولة عن الأمن والنظام، وهي التي تدير شؤون الاقتصاد والمال، وهي الجهة المعنية بتقديم الخدمات، وهي التي تقرر علاقة الاُمة والشعب بغيره من الأمم والشعوب، حرباً أو سلماً، صداقة أو عداء، تعاوناً أو مقاطعة.
وهكذا فإن مصير الفرد والجماعة، أضحى مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالدولة، والعلاقة بالدولة تعني العلاقة بالسياسة والحياة السياسية، وبذا صارت السياسية، والحياة السياسة، جزءاً هاماً وخطيراً من حياة الفرد، ومن حقه أن يهتم بمسألة السياسة والدولة، ونوع النظام الذي يحكمه؛ لأنّه يقرر مصيره، ويتدخل في كل شأن من شؤون حياته، بل وآخرته.
لذا اعتبر الاسلام السياسة والعمل السياسي، مسؤولية جماعية، تُخاطب بها الاُمة بأسرها. فقد ورد في الخطاب النبوي الشريف: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»(37). وورد أيضاً؛ «من اصبح لا يهتّم بأُمور المسلمين فليس بمسلم»(38).
والسياسة هي رعاية شؤون الاُمة، وهي أبرز أمر من أُمورها التي يجب أن يهتم بها الفرد والجماعات المنظَّمة، وغير المنظمة.
وصراع الشعوب والاُمم ضد الحكومات والأنظمة المستبدّة والارهابية، صراع دام. وقد كان ولم يزل ارهاب السلطة واستبدادها، هو المشكلة الكبرى أمام ارادة الانسان الحرَّة، وأمام سعادة البشرية وتقدمها، وعيشها بسلام ورفاه، مما دعا الشعوب الى الكفاح ضد الانظمة الجائرة، والى العمل السياسي، لتحرّر نفسها، وتحقّق المستوى اللائق من العيش، وتساهم في تقرير مصيرها، وطبيعة النظام الذي يسيّر حياتها.
وفي طليعة المهتمين بالعمل السياسي والحياة السياسية هم الشباب، ذلك لأسباب عديدة أهمها:
1 ـ إنّ الشباب يحمل طاقة جسدية ونفسية، تؤهله للصراع والتحدي، أكثر من غيره، لذا يكون مهيّأً لمواجهة الارهاب، والاحتلال، والظلم السياسي.
2 ـ إنّ العمل السياسي، يستلزم العمل ضمن الجماعات السياسية، والشباب في هذه المرحلة يبحثون عن التعبير عن النزعة الجماعية فيهم، وهي الانتظام مع الجماعة، فيدفعهم نحو العمل السياسي دافع غريزي، بالاضافة الى القناعة الفكرية.
3 ـ في مرحلة الشباب والمراهقة يتجه الانسان الى التجديد والتغيير، لاسيما وأن ظروف الحياة المدنية تتطور بسرعة هائلة في مجال التقنية والعلوم، والاستخدام العلمي، فينخرط الشباب في العمل السياسي، رغبة في التغيير والاصلاح، والالتحاق بمظاهر التقدم والرقي المدني.
4 ـ في مرحلة الشباب يكون الطموح في احتلال دور اجتماعي، والتعبير عن الارادة بدرجة عالية، مما يدفع الشباب الى الانضمام الى الحركات، والتيارات السياسية، لاحتلال موقع اجتماعي، ودور مرموق في المجتمع.
وقد أكد الباحث الاجتماعي الألماني (كاس) عام 1971 (من جمهورية ألمانيا الفيدرالية): (أن هناك فروقاً بين الشباب الطلبة وغير الطلبة، وخاصة فيما يتعلق بالاهتمامات السياسية، والآراء السياسية والايديولوجيات ... وأشار كاس الى أن المظاهرات التي حدثت في فرنسا عام 1968 واشترك فيها 95% من الطلاب تقريباً، ونسبة 5%
من هم ليسوا بطلبة، أكدت على ان الطلاب أكثر اهتماماً وتأثراً بالقضايا السياسية والايديولوجية من غيرهم من الشباب، ومن باقي أفراد المجتمع)(39).
ومن أوضح الأدلة على دور الشباب في المقاومة السياسية، هو الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني، واعلان ثورة الحجارة التي تحدّت الارهاب اليهودي بما يملك من قوة ودعم وتسليح، وبما يمارس من جريمة وارهاب وحقد وانتقام.
فإنّ الشباب هم روّاد هذه الثورة التي ليس لها سلاح غير الحجارة، والقوة المتحدية للغرور والاستكبار الصهيوني رغم سقوط الآلاف من الشباب الفلسطيني المسلم ضحايا وشهداء وجرحى وعشرات الآلاف منهم في السجون وتعريضهم للتعذيب البشع.
وتتفاوت هذه العوامل من شخص الى آخر، ومن بيئة الى أُخرى، ومن ظروف سياسية الى ظروف أُخرى.
وإنّ كل تلك الدوافع، والنوازع الذاتية، يعمل الاسلام على توجيهها وترشيدها، لتصبّ في الاتجاه الصحيح، ولتتحرك جميعها وفق رؤية منهجية، وخط فكري وسلوكي وسياسي متكامل، يتحرك في دائرة العبادة، وحفظ المصالح العامة وخدمة الناس، والتفاعل مع الجماعة بأهدافها، ومصالحها المشروعة.
39ـ د. فيصل محمد خير الزرّاد / مشكلات المراهقة والشباب / ص 102.
فالتربية السياسية الاسلامية، تعدّ الفرد لأن يكون عضواً مهتماً بالسياسة وبمصير الاُمة، كجزء من مهمته العقيدية، وتكليفه الشرعي والعبادي، وهو يدرك أنّ الفكر السياسي الاسلامي يؤمن بدور الاُمة في السياسة، ويقيم العلاقة بين الحاكمين والناس على أساس الشورى، واحترام الرأي، وقاعدة المحاسبة (الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) واحترام ارادة الانسان، وحقوقه الانسانية، وأنّ السلطة، ومصالح الاُمة وثرواتها ومصيرها، أمانة بيد الحاكم، عليه أن يسير بها وفق المنهج الاسلامي.
لقد أوضح القرآن ذلك بقوله:( إنّ الله يأمركُم أن تؤّدوا الامانات الى أهلها واذا حكمتُم بين الناس أن تحكُموا بالعدل). (النساء / 58)
وقال تعالى: (ولا تركنُوا الى الذين ظلمُوا فتمسّكُم النارُ). (هود / 113)
وقال تعالى: (وأمرهُم شورى بينهم). (الشورى / 38)
وقال تعالى: (ولتكن منكُم أُمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأُولئك همُ المفلحون). (آل عمران / 104)
ومن سلبيات العمل والنشاط السياسي غير الموجّه في وسط الشباب المسلم، أو الذي قاد الى مآس وانحرافات، هو الانضمام الى الأحزاب والمنظمات السياسية التي تحمل الأفكار والنظريات الغريبة على عقيدة الاُمة ومبادئها وقيمها، وتستفحل في هذه الفترة الأفكار الغربية الرأسمالية، وتحت ستار الحرية، وتستهوي الكثير من الشباب، كما ضلع اكثر من جيل في ركاب الفكر الماركسي، وقدم التضحيات الهائلة الجسيمة، وانتهت تلك النظريات والأحزاب الى كارثة.
وكم خسر جيل الشباب من حياته وطاقته وفكره ووقته في الدعوة الى الفكر الغربي والماركسي، فإنعكست تلك النشاطات السياسية، والصراعات المريرة، بالسلب، واستهلاك جهود الاُمة، والعبث بهويتها، وشخصيتها الفكرية والحضارية، ولم تزل الاُمة وجيلها المعاصر يعيشان حالة من القلق والفوضى السياسية.
إنّ مشكلة الارهاب، والاستبداد السياسي في عالمنا الاسلامي، هي من أخطر وأعقد مشاكل الانسان في عالمنا. إنّ الهيمنة الاستكبارية على الحياة السياسية، تلقي بكل ثقلها وطاقاتها للحيلولة دون تفوق التيار الاسلامي، واحتلاله دور القيادة الجماهيرية، لاسيما في وسط المثقفين وجيل الشباب المتعلم.
ومما ينبغي ذكره أنّ اليقظة الاسلامية المعاصرة، قد أوجدت وعياً عقيدياً وسياسياً اسلامياً جديراً بأن يُحدث تغييراً في مسار الاُمة، وذلك يحتاج الى توعية وترشيد.