لم يكن الملفع بالنسبة للمرحوم فتحي شرف مجرد عصاه التي يثبت فيها العليوة على كتفه وإنما كان أيضا أداة الدفاع عن النفس فعندما يدعو داعي المنازلة ينادي على أولاده أن أئتوني بالملفع ، وهكذا اجتمعت لدية في الملفع وظيفتان إقامة الموازين والتهديد بشج رأس كل من يتطاول عليه ولم تكن العدالة في قريتنا أبدا بعيدة جدا عن فكرة الملفع فبالإضافة إلي ميزانها المختل والذي يحتاج دائما إلي التصليحة حتي يطمئن من يستعمله إلي الحصول على حقه أو يزيد ، انحرفت الوسائل التي يلجأ اليها الناس لفض منازعاتهم عن الموازين القسط وصيرت إلي وسائل تهديد بالقوة وتخويف بالجبروت فانهارت قيمة العدالة .
- نتحصر أغلب المنازعات في قريتنا في عدد محدود من الأنواع وبحسب التقسيم القانوني لها فهي منازعات مدنية ومنازعات جنائية بالإضافة الي منازعات الأحوال الشخصية وتبقى المنازعات الإدارية بين الموظفين والدولة خارج نطاق المناقشة .
- المنازعات المدنية هى منازعة تتعلق بالأموال وكلمة الأموال تشمل المنقول والعقار بالإضافة إلي المبالغ النقدية ، فأما العقار فهو( كل شئ ثابت بحيزه مستقر فيه لا يمكن نقله بدون أن تتغير حالته ) مثل الأراضي الزراعية والمنازل فهؤلاء لا يمكن نقلهم بدون أن تتغير حالتهم وإنما لابد من هدمهم لكي يتم نقلهم ، وما عدا ذلك من شيئ فهو منقول كالأجهزة الكهربائية والأثاث ومواد البناء .. إلخ أما الإلتزامات المتعلقة بأداء مبالغ نقديه فهي التزامات شخصية تحصل جبرا من أموال المدين بطريق الحجز والبيع بالمزاد العلني ( وهذه هى القضايا التي اشتهرت بقضايا التبديد وما أشهرها في شباس عمير لصالح الجمعيات الزراعية خصوصا الإصلاح ) . أما المنازعات الجنائية فتنحصر في غالبها في منازعات الضرب والسب والقذف والشيكات بدون رصيد أو إيصالات الأمانة وفي تسعة أعشار الحالات يكون مبدأها نزاع مدني على منقول أو عقار أو مبلغ نقدي .
- يعتبر ليوناردو دافنشي أول من قال (بالمنظور ) وهو مصطلح هندسي وفني يعرفه الرسامون يستخدم كطريقة لتصوير الأشياء على سطح مستوي بحيث تتضاءل الأبعاد تدريجيا أو بمعني آخر هو عملية اسقاط من مركز ( ورغم اني مش فاهم الموضوع ده كويس ) فأعتقد أنه يعني على حسب فهمي أن حجم الجسم في نظرك يتوقف على قربك أو بعدك منه فعندما تقرب القلم من عينك تراه في حجم الجبل وعندما تحلق به الطائرة على ارتفاعات ضخمة تري الجبال كنقش لعبة ( السيجة ) التي تضاف إلي ألعابنا المنسية في قريتنا الحبيبة وعلي من يمارس فن الرسم أن يراعي المنظور قربا وبعدا طولا وعرضا أما العدالة فهي عمياء لا تري بمنظور دافنشي فالمنازعات هى حقوق لا تتوقف أبدا العدالة في القضاء بها على ضخامة المبلغ المتنازع عليه ولا على قوة وسطوة الدائن والمدين ولا على رضاهم بالأداء أو بالإمتناع عنه بل هى سيف قاطع على رقبة القوي والضعيف سواء بسواء وإلا فإن القاضي الغني يري نفسه بعيدا جدا عن جدوي الفصل في المنازعات التافهة بينما القاضي رقيق الحال تضطرب نفسه ويسيل لعابه إذا قدر له الفصل في منازعات الشركات الكبر .
- رغم أن المنازعات التي تظهر في قريتنا هى نسبيا منازعات ليست بالجسيمة مقارنة بما يثور في المدن من منازعات تبدو أشد وأعظم من ناحية قيمة المال في المنازعات المدنية ، أو جسامة الفعل الإجرامي في الأمور الجنائية إلا أن نظرة العدالة لا تراعي هذه المناظير فصاحب حق مهما كان ضيئلا يجب أن يمكن منه فقد يكون بالنسبة له كل شيئ في حياته وقد يكون لبنة أولي في مشروعه في الحياة الذي يطمح من خلاله أن يمتلك الدنيا بأسرها او قد تكون له قيمة أدبية يجدها في قدرته على الذود عن حوضه والظهور أمام أهله وذويه بهيئة مصونة لا يجترئ عليه فيها عظيم ولا سفيه .
- ظللت الجلسات العرفية أو القعدات هى الحل الأمثل لكل نزاع ينشأ بين شخصين أو عائلتين طالما أن كلاهما يحمل لقب ( رجل ملو هدومه ) وهو مصلطح لا يقصد به أن يكون الرجل بدينا وإنما متناسقا مع جلبابه فلا هو متسع عليه لوهن في شخصيته ولا ضيق عليه لعيب في تفكيره وظلت كلمة ( حأقعد معاك في قعده ) رادعا لكل من تسول له نفسه أن يخرج على الناموس العرفي بين أهل شباس عمير الذي يضمن للضعيف دائما الحق في أن يستدعي أي قوي إلي محاكمة علنية لجور وقع منه عليه ولم يك ينكل عن هذه الدعوة سوي كل حقير وتافه تلاحقه بعد هذا النكول نظرات الإحتقار عن يمينه وشماله ويفقد صفة ( رجل ) مدي الحياة حتي بين أهله وذويه فهو غير أهل للجلوس بين رجال قريته ليعرف إن كان مخطئا أو محقا لدناءة خلقه وسفه ذاته وحقارة أصله ، لذلك كان الفقير قبل الغني يلبي دعوة الحق ودعوة قعدة الحق دونما التدقيق في نظر ما إن كان له أو عليه وإنما هى تلبية مستحقة قبل التفكير في سبب أو مآل النزاع .

موضوعات متعلقة

الميزان والملفع
الميزان والملفع الجزء الثالث

مشكور استاذ محمود ع تعليمنا
انتا استاذنا
اعجب جدا من حسن تعبيراتك وكيفيه جمع النظريات العالميه مع النظريات القرويه كناية عن القريه
ربنا يزيدك

جزاكم الله خيرا يا أخ اشرف دا انت اللي ميداني كبير بارك الله فيك

ايه الحلاوة دى يا متر تربط بين فتحى شرف ودافنشى يا عالمى روح يا شيخ

وتعالى بسرعه
الله ينور يا مستشارنا ربط متميز ومتقن وثقافه عاليه واسلوب سهل وجميل

قشدة

أخي وحبيبي وملهمي الأستاذ سيد حجاج أبا الزهراء الله يجبر بخاطرك زي ما بتجبر بخاطري دائما ، ربنا يكرمك يا شيخ
أخي وحبيبي الأستاذ محمد عز العرب داااائما تشجعني ودئما يسعدني تشجيعك بارك الله فيك .

بدون مجاملة أو نفاق لك كل الفضل - على بشكل شخصى - فى إستبدال الجهل القانونى عندي بالمعرفة به

بالتوفيق يا سعادة المستشار

روعة يا مستشارنا
عايزينك تخش تتعمق شوية في القاعدة العرفية
ومن هم المؤهلين للحكم بين الناس
ومن هم الفعلين الان اللي بيحكموا ........ بينهم

أخي الحبيب الأستاذ محمود سعد بارك الله فيك على المجاملات الرقيقة يا عم انت استاذ كبير وعندك افكار عميقة وعظيمة ربنا ينفعنا بأفكارك الخيرة ان شاء الله جزاكم الله خيرا .
أخي الحبيب العمدة الكبير جدا الأستاذ شريف عز العرب جزاكم الله خيرا علي الكلام الرقيق والمجاملات الكبيرة اللي انا مش قدها ، والله يا حضرة العمدة يا ريت يكون المجهود في المسألة دي مشترك وكل شباب البلد يشاركوا في لجان المصالحة و فض المنازعات حتي نزيل حالة الإحتقان في البلد واعادة تهيئتها لمرحلة جديدة تتوحد فيها كل الجهود للعمل الخيري وصنع مستقبل للشباب اليائس وأعتقد أن الظروف كلها مهيئة إن شاء الله .

الأخ الحببب الأستاذ صبري شرف جزاكم الله خيرا على الكلام الجميل وبارك الله فيك