من العزبة .. إلي الجماهيرية .. في الطريق إلي الدولة
- على مدي عدة سنوات اعتدت أن أخلد إلي النوم في الشتاء عند تمام التاسعة ، وبينما أقلب في محطات الراديو باحثا عن إذاعة لندن توقف المؤشر عند " صوت الوطن العربي الكبير صوت اللجان الثورية " ، وراعتني صيحة للمذيع " والآن مع حديث الأخ العقيد قائد الثورة العالمية " كان القذافي يتحدث عن الديمقراطية المباشرة في أثينا وكيف نشأت فقال مسترسلا أن سكان أثينا كانوا يجتمعون في مكان فيها ليناقشوا شئونهم وليضعوا قوانينهم ولما زاد عدد السكان إلي حد كبير وأصبح من الصعب على المكان أن يتسع للشعب كله بدأ الأثينيون انتخاب ممثلين عنهم مرة واحدة كل فترة ، وهؤلاء الممثلون يجتمعون نيابة عن الشعب ، ثم انبري القذافي على طريقته المشهورة ليهاجم هذه الفكرة قائلا " والحقيقة أن هذا كان تدمير لحكم الجماهير لأن الحل كان بسيط جدا وانهم " كل الشعب ما يزيد عدده يتوسعوا في مساحة المبني ليستوعب الأعداد الجديدة" ........... تصفيق حاد وقام احد الجماهير "المتجمهرة" دائما ليهتف : طز مرة تانية في اثينا وبريطانيا " و قد توقفت بعد ذلك عن البحث عن إذاعة لندن قبل النوم مفضلا الفاصل الكوميدي للقذافي في نفس الميعاد كل ليلة .
- في اعتقادي أن المرحلة التي نعيشها الآن هى مرحلة " الجماهيرية " التي نادي بها القتيل معمر القذافي في صورتها المثلي ، غير أن الفارق بين طور الجماهيرية في ليبيا وطورها الحالي في مصر أنها في ليبيا كانت فكرة مجنونة هرع اليها مجنون وتحوصل داخلها كاطار نظري وهمي يتحدث من خلاله عدة ساعات كل يوم إلي الشعب ليشبع رغبته في الكلام ، أما الجماهيرية في مصر فقد خلقتها ظروف مختلفة تماما .
- عاش الشعب المصري ستين عاما في " عزبة العسكريين " ، الباشا والست هانم يمتلكون الأرض ويمتلكون الشعب ويمتلكون الحياة والموت ، والبهوات الصغييرين " كانوا صغييرين " في عهد الباشا الأول عبد الناصر الذي ترك البيه الصغير " خالد " في عامه العشرين ، وكذلك ترك الباشا الثاني السادات البيه الصغير " جمال " في سن مشابهة وكان للرحيل المفاجي للباشا الأول والباشا الثاني الفضل في عدم استخلاف أحد الطفلين أو كلاهما ، أما الباشا الثالث فقد استفاد جيدا من درس من سبقه وبينما كان ينظر الي أعضاء مجلس الشعب أثناء حلف اليمين أضمر في نفسه ألا يترك الحكم أبدا، لا مقتولا ولا مستقيلا ولا مكتفيا بثلاثين عام عاث في العزبة فسادا وترك " البهوات الصغييرين " يفسدون فيها أكثر مما يفسد هو والست هانم واستدعي كل فرد في العائلة المالكة " شله " لتفسد معه فكانت شلة الباشا الكبير صهيونية صرفة ، وكانت شلة الهانم أمريكية أوربية مشتركة ، أما الباشا الصغير علاء فكانت شلته في سنوات المراهقة فنية محضة ثم بدأ في ممارسة هواية سرقة أراضي الدولة في أوقات فراغه إلي أن تاب والتزم واكتفي بممارسة شراء اراضي الدولة بأقل من واحد في المائة من ثمنها الحقيقي ، إلي أن كبر الباشا الصغير جمال و عاد الي العزبة فكون شلة من السفاحين جاءت على كل الفلاحين الغلابة فشردت اولادهم وهؤلاء سموهم " اطفال الشوارع " واحتجزت القادرين منهم داخل كنتونات وهؤلاء سموهم " العشوائيات " واحتكرت الشلة المتوحشة كل مرافق العزبة ومواردها ، أرضها وماءها ، بترولها وغازها ، قناتها وبحارها ، سماءها وهواءها ، قوتها ومستشفياتها ، احتكرت الخبز وجهاز الغسيل الكلوي وملاهي الأطفال واحتكرت الحديد اللازم لصناعة مناجل الفلاحين ، بل وسرقوا منهم حلما عاشوا فيه عندما تمنوا أن يعيش أحفادهم في دولة تعمها الحرية وسيادة القانون عندما نصب الباشا السفاح الصغير نفسه وريثا للعزبة ولسكانها .
- وفجأة وبدون مقدمات فتح الله للشعب طريقا للثورة فمشي فيه ، واسترد الشعب حريته وكرامته ولم يزل قائما حتى وضع الباشا " سجنا افتراضيا في المستشفي العسكري " ، كانت المفاجأة قوية ولكن الشعب ظهر بمظهر حضاري أقوي من المفاجأة ، وظهر منظما من خلال لجانه الشعبية أكثر من النظام نفسه ، وتولي الجيش الحكم بصفة قال أنها مؤقتة بستة أشهر ، واليوم ننظر إلي مصر خلال عشرة اشهر من حكم العسكر أقاموا فيها " الجماهيرية العربية المصرية الفوضوية الإنفلاتية الفضائية الميدانية العسكرية العظمي " ، فالجيش في مصر لا يعرف ولا يحاول أن يعرف إلا بعد تجمعات جماهيرية ، والجيش في مصر لا ينجز شيئا إلا بعد تجمعات جماهيرية ، والجيش لا يقيم المؤسسات الوطنية ولا يساعدها إلا في ساحات الجماهير ، الجيش يحاكم مبارك عندما تتجمع الجماهير ، والجيش يحدد أقاصي حدود الأجور بعد أن تأن الجماهير في الميادين ، والجيش يثير القوي السياسية بوثائقه ولا يتوقف إلا في ساحات الجماهير ، والجيش لا يعالج المصابين في الثورة إلا بعد أن يعتصموا ويقتلوا وتأتي لنجدتهم الجماهير ، حتى أن الجيش عرف الجماهير بالاسم " جمهور جمهور " فهذا جمهور التراس الأهلي وهؤلاء جماهير أطفال الشوارع وأولئك جماهير المندسين والمندسات ، حتي الإسرائيليين أصبح لهم جماهير ، وأصبحنا نسمع حكايات عن جماهير تسأل الضباط عن" كارنيهاتهم " في اطار الصداقة والعشرة الطيبة وفي المقابل يستضيفهم الجيش " لتلوين " وجوههم بكل ألوان الطيف وبعد أن ترددت سيدة من الجماهير على مجلس الشعب " حسب روايتها " عدة مرات لم يجد الجيش بدا من منعها عن العودة إلا بسحلها وأهانتها ، إن الجماهيرية التي أقامها لنا الجيش أصبحت فيها اللجان الثورية هى جهات تقديم الطلبات لزيادة الرواتب وتثبيت العمالة وطلبات العلاج المجاني ودعم أسعار المواد الغذائية ، حتى أنه أصبحت هناك جماهير لوقف الانتخابات ، وجماهير لإلغاء العملية الديمقراطية ، و اختلفت أيديولجيات الجماهير باختلاف أماكن التجمهر فللتحرير جماهير و لمصطفي محمود جماهير قالوا عنهم جماهير الفلول ثم ظهرت جماهير العباسية ثم جماهير شارع محمد محمود ثم جماهير مجلس الوزراء ، وحتى عندنا في كفر الشيخ ظهرت جماهيرية صغيرة عندما نصب السلفيون خياما عند الدوران مطالبين بوقف حكم القانون وتعطيل مرفق القضاء للتأثير في محاكمة الشيخ ابي اسحق الحويني فيما بدا عندئذ ببدء جماهيرية عصمة رجال الدين من الخطأ ومن العقوبة وقد حاول المفتي أيضا ومعه الأزهريون إقامة جماهيرية أزهرية تواجه جماهيرية الشيخ ابي اسحق .
- هل للجماهير في جماهيرية المشير والفريق واللواءات أن يطالبوا بحقهم الطبيعي في العودة إلي بيوتهم ليستريحوا بعد انتخاب ممثليهم واطمئنانهم إلي وجود من يغني وجوده عن وجودهم بدون تدخل من مدعي ملكية العزبة أو من مؤججي حماسة اللجان الثورية في الجماهيرية العظمي ، هل من حق الجماهير أن تقيم دولة مؤسسية تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات وتداول السلطة والرقابة الوطنية على مصادر الدخل ومنافذ الصرف ، هل للجماهير أن تدعي أن لها جيشا يدافع عنها لا أن يدعي الجيش أن له شعبية وأن له جماهيرية ؟ السؤال مطروح حتي يعودوا إلي ثكناتهم .

على فكرة هذا المقال تم نشره الآن على موقع كفر الشيخ
http://www.kfrelshikh.com/news_Details.aspx?Kind=7&News_ID=12864

تصوير رائع أستاذ محمود
وقيلت نكنة على فرعون مصر قديما فحينما تولى العرش جلس على الكرسي في الأقصر وهو يلبس جلباب مصري ذو كم واسع وأمامه الشعب فأراد أن يقول أنا كمي واسع زيكم تقربا إليهم ليحبوه فعندما قال : أنا... فوجدهم خروا له سجدا فتعجب من هوان هذا الشعب وقال أنا ربكم الأعلى !!! ومن يومها قيلفي المثل الفلاحي : يا فرعون إيه فرعنك ؟ قال ملقيتش حد يصدني !!
قال تعالى ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )

تحياتى يا مستشار لمقالك الرائع واتفق معاك فى ان مصر لفترات طويلة من الزمن كانت تحكم على طريقة الشطرنج بان يٌضحى بالجميع من اجل ان يعيش الملك وهو نفس اسلوب الحكم فى جميع الدول العربيه واصبحت مصر الان فى ظل سياسة التخوين العامة تورتايه الكل بيتسابق من اجل ان ياخذ نصيب الاسد لا زلت اتفق معك فى انتقاد المجلس العسكرى ولكن من وجهة نظرى لا يتحمل مسئولية الاحداث وحده فالمسئولية على عاتق الجميع بلا استثناء ونسال الله السلامة لمصر فالجميع تحت شعار مصلحة مصر يبحث عن مصلحتة الشخصية وبس وسلملى على مصلحة الوطن ياااريس ولكن وبرغم كل الظروف لازم نقول

قشدة

الأخ الحبيب الأستاذ أبو أحمد بن عبد الله جزاكم الله خيرا على المرور الكريم والكلام الجميل بارك الله فيك يا أخي ، بالمناسبة دي فيه نكتة واحد قالهالي على موضوع فرعون : فرعون بيقول للشيطان : كدة ؟ وديتني في داهية ؟ مش انت السبب في اني دخلت النار ؟ الشيطان رد عليه قاله : يا أخي روح في ستين داهية ..... دا أنا نفسي ذهلت لما سمعتك بتقول انا ربكم الأعلي ... عرفت ان امك مصرية أكيد .... . الحقيقة اللي قال النكتة دي واحد أمه مصرية وابوه سعودي ههههههههههه.
الأخ الحبيب الأستاذ الكبير محمد عز العرب جزاكم الله خيرا علي المرور الكريم والتشبيه الجميل ، فعلا فعلا هو ده التشبيه المظبوط مية المية آخر قطعة تسقط هى الملك الله ينور عليك يا أخ محمد في التشبيه البليغ ده ، المشكلة في أن المجلس العسكري وحش او كويس ، المشكلة اننا مش عايزين تأبيدة في الحكم كل اللي احنا محتاجينه تدوال سلمي للسلطة سواء أثناء السلم أو الحرب ، ييجي الإخوان وبعد خمس سنين يروح الإخوان ، ييجي الليبراليين وبعد خمس سنين يروح الليبراليين ، محدش ياخد مقاس الكرسي على قد ( ............... ) هو بس . لازم الكرسي يكون مرن بحيث يتسع لجميع المقعدات ههههههههههه.

مقاله رائعه واسلوب متميز استاذ محمود

وانا اؤيدك بأن المجلس العسكرى قد فشل بالبينة فى أن يكون راعيا صالحا، لأن المرحلة حتى الآن كلها خسائر على المستوى البشرى والتاريخى والمالى والاجتماعى.
ولذلك لابد للمجلس العسكرى أن يتحلى ببعض من الشجاعة والاتساق مع الذات ويعلن فشل المرحله الانتقالية
ولابد من تسليم الرايه بعد الانتهاء من الانتخابات والاسراع من اجراء انتخابات رئيس الجمهوريه ,فهذا هو الحل الامثل والافضل والاوحد لوضع مصر على الطريق الصحيح لان ارادة الشعب ستكون هى الفيصل فى وجود رئيس حر منتخب مثلما حدث فى انتخابات مجلس الشعب
واعتقد ايضا ان انتخاب رئيس للجمهوريه سوف يوحد صفوف كل الجماهير والجماهيريات التى ذكرتها فى مقالتك .

كالعادة مبدع .. وأتفق معك فى فشل المجلس العسكري وليس فقط بل تعمده على أن تكون الأوضاع كذلك وكأن هناك أمل لخروج مبارك وعوته للكرسي من جديد ..
وصدقت حينما كتبت
وفجأة وبدون مقدمات فتح الله للشعب طريقا للثورة فمشي فيه ...
ندعو الله أن يتم علينا نصره .. ويولى علينا من يصلح ويتقى الله ويخافه فى هذا الشعب العظيم .. حفظ الله مصر من كل مكروه ..

خطأ من المطبعة ؟ هههه تحياتي

الأخ الحبيب الفاضل الأستاذ حسام الكاشف ، اسعد كثيرا جدا واستمتع جدا بردودك ومداخلاتك ، جزاكم الله خيرا على الكلام الجميل
أخي الفاضل الحبيب الأستاذ حمادة غلمش بارك الله ، الحقيقة انا سعيد جدا بتدقيقك في عبارات المقالة وده شيئ نادر جدا ، جزاكم الله خيرا يا أخي على المداخلة الطيبة

مقال رائع ,,, كعادتك دائما ،،، تذكرني دائما بالكاتب الساخر الأستاذ/ محمود السعدني ،،،

أؤكد فقط ان ما فعلته كل الانظمة التي ذكرتها وخاصة الثلاثون عاما العجاف
افرغت البلد من معظم الكوادر التي تستطيع ان تمر بمصرنا الحبيب تلك الفترة

ولكن القادم أفضل باذن الله ،،، والتفاؤل هو الطريق الوحيد للخروج للمستقبل
ولكم تحاتي ,,, وانا سعيد جدا للتفاعل الكبير لهذا المقال الرائع ،،،،،

حبيبي وأخي الكبير الأستاذ سيد عبد العليم
يسعدني دائما تعليقك كأخ أكبر وخصوصا انك تكبرني بعدة سنوات ... وعندك طبعا خبرة اكتر مني وأنا لما كنت بأشوفكم في سنة سادسة وانا في سنة تانية كنت بأقول امتي اكبر وابقي قدهم ....... يا عجووووووز هههههههههههه
حبيبي يا بو السيد والله زمان يا سلااااااااااام فين الأيام الحلوة