حقيقة حكم الولدان وناقصي التمييز في الدنيا والآخرة
يقول ابن القيم في طريق الهجرتين506:
«الطبقة الرابعة عشر قوم لا طاعة لهم ولا معصية ولا كفر ولا إيمان وهؤلاء أصناف : منهم من لم تبلغه الدعوة بحال ولا سمع لها بخبر، ومنهم المجنون الذي لا يعقل شيئًا ولا يميز، ومنهم الأصمُّ الذي لا يسمع شيئًا أبدًا، ومنهم أطفال المشركين الذين ماتوا قبل أن يميزوا شيئًا،
فاختلفت الأمة في حكم هذه الطبقة اختلافًا كثيرًا والمسألة التي وسعوا فيها الكلام هي مسألة أطفال المشركين. أما أطفال المسلمين فقال الإمام أحمد: لا يختلف فيهم أحد يعني أنهم في الجنة وحكي ابن عبد البر عن جماعة أنهم توقفوا فيهم وأن جميع الولدان تحت المشيئة قال: وذهب إلى هذا القول جماعة كثيرة من أهل الفقه والحديث منهم حمّاد بن زيد وحمّاد بن سلمة وابن المبارك وإسحاق ابن راهوية قالوا: وهو شبه ما رسم مالك في موطئه في أبواب القدر وما أورده من الأحاديث في ذلك وعلي ذلك أكثر أصحابه وليس عن مالك فيه شيء منصوص إلا أن المتأخرين من أصحابه ذهبوا إلى أن أطفال المسلمين في الجنة وأطفال المشركين خاصة في المشيئة».ا.هـ
ويقول شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى4/303:
( وأطفال الكفار أصح الأقوال فيهم «اللهُ أعلم بما كانوا عاملين» كما أجاب بذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح وطائفة من أهل الحديث وغيرهم قالوا أنهم كلهم في النار وذكر أنه من نصوص أحمد وهو غلط على أحمد وطائفة جزموا بأنهم كلهم في الجنة واختار ذلك أبو الفرج بن الجوزي وغيره واحتجوا بحديث فيه رؤيا النبيّ صلى الله عليه وسلم لما رأي إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم وعنده أطفال المؤمنين قيـل: يا رسول الله وأطفال المشركين قال: وأطفال المشركين والصواب أن يقال «اللهُ أعلم بما كانوا عاملين» ولا نحكم لمعين منهم بجنة ولا نار. وقد جاء في عدة أحاديث أنهم يوم القيامة في عرصات القيامة يؤمرون وينهون فمن أطاع دخل الجنة ومن عصي دخل النار وهذا هو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة ، والتكليف إنما ينقطع بدخول دار الجزاء وهي الجنة والنار، وأما *****ات القيامة فيمتحنون فيها كما يمتحنون في البرزخ فيقال لأحدهم من ربُّك وما دينك ومن نبيك؟ وقال تعالى: ( يوم يُكشف عن ساق ويُدعون إلى السجود فلا يستطيعون) القلم42. وقد ثبت في الصحاح من غير وجه حديث تجلي الله لعباده في الموقف إذا قيل:«ليتبع كل قوم ما كانوا يعبدون فيتبع المشركون آلهتهم ويبقي المؤمنون فيتجلى لهم الربُّ في غير الصورة التي يعرفون فينكرونه ثم يتجلي لهم في الصورة التي يعرفونها فيسجد له المؤمنون وتبقي ظهور المنافقين كقرون البقر يريدون السجود فلا يستطيعون ». أهـ.
يقول ابن جرير :
عن جويبر قال: «مات ابن للضحاك ابن مزاحم ابن ستة أيام قال: فقال يا جابر إذا أنت وضعت ابني في لحده فأبرز وجهه وحل عنه عقده فإن ابني مجلس ومسئول ففعلت به الذي أمرني فلما فرغت قلت: يرحمك الله عمَّ يُسأل ابنك؟ قال: يسأل عن الميثاق الذي أقرَّ به في صلب آدم عليه السلام قلت: يا أبا القاسم وما هذا الميثاق الذي أقرَّ به في صلب آدم قال: حدثني ابن عباس أن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة وأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا وتكفل لهم بالأرزاق فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطي الميثاق يومئذ فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفي به نفعه الميثاق الأول ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يفِ به لم ينفعه الميثاق الأول ومن مات صغيرًا قبل أن يدرك الميثاق الآخر مات على الميثاق الأول على الفطرة» , حدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني السري بن يحيي أن الحسن بن أبي الحسن حدثهم عن الأسود بن سريع من بني سعد قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات قال: فتناول القوم الذرية بعد ما قتلوا المقاتلة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد عليه ثم قال: «ما بال أقوام يتناولون الذرية» فقال رجل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أليسوا أبناء المشركين فقال: «إن خياركم أولاد المشركين، ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها أو ينصرانها».ا.هـ
ولمسلم عن طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ «ليس من مولود يولد إلا على هذه الفطرة حتى يعبر عنه لسانه» وفي رواية له من هذا الوجه «ما من مولود إلا وهو على الملة»
يقول ابن حجر في تفسير البخاري3/295:
”تنبيه“ ذكر ابن هشام في المغني عن ابن هشام الخضراوي أنه جعل هذا الحديث شاهدًا لورود ”حتى“ للاستثناء فذكره بلفظ كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه. وقال: ولك أن تخرجه على أن فيه حذف أي يولد على الفطرة ويستمر على ذلك حتى يكون يعني فتكون للغاية على بابها. انتهى ومال صاحب ”المغني“ في موضع آخر أنه ضمَّن «يولد» معنى ينشأ مثلاً. وقد وجدت الحديث في تفسير ابن مردويه عن طريق الأسود بن سريع بلفظ «ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة فما تزال عليها حتى يبين عنها لسانها» الحديث وهو يؤيد الاحتمال المذكور. واللفظ الذي ساقه الخضراوي لم أره في الصحيحين ولا غيرهما إلا أن عند مسلم كما تقدم في رواية «حتى يُعرِب عنه لسانه» ثم وجدت أبا نعيم في مستخرجه على مسلم أورد الحديث من طريق كثير بن عبيد عن محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري بلفظ «ما من مولود يولد في بني آدم إلا يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه» الحديث وكذا أخرجه ابن مردويه من هذا الوجه وهو عند مسلم عن حاجب بن الوليد عن محمد بن حرب بلفظ «ما من مولود إلا يولد على الفطرة أبواه يهودانه» الحديث أهـ.
وقال ابن القيم في أحكام أهل الذمة 3 / 8
( وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله: "كل مولود يولد على الفطرة" وفي لفظ "على هذه الملة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه حتى يعرب عنه لسانه فإما شاكرا وإما كفورا" فجعل الغاية إعراب لسانه عنه أي بيان لسانه عنه فإذا أعرب لسانه عنه صار إما شاكرا وإما كفورا بالنص ولأنه إذا بلغ سن التمييز وعقل ما يقول صار له إرادة واختيار ونطق يترتب عليه به الثواب وإن تأخر ترتب عليه العقاب إلى ما بعد البلوغ فلا يلزم من انتفاء صحة أسباب العقاب انتفاء صحة أسباب الثواب.) أ.هـ
يتبع و