سادسا : عدم مراعاة أحكام الديار
قالوا: عن البقاء في ديار تعلوها أحكام الكفر ( إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ) فالبقاء كفر.
وأجري بعضهم القاعدة على نفسه فكفر نفسه وقال لغيره أنا كافر أدعوك إلى الإسلام ولا إسلام لك إلا بالهجرة إلى مكان لا تعلوه أحكام الكفر. إلى آخر هذا الهراء.
وأساءوا الفهم جدًا، ففي حالة الاستضعاف وفي غير حالة الاستضعاف للبقاء للدعوة كالذين أسلموا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقوا في قومهم من الروم يدعونهم إلى الإسلام وعرفهم عمر إبان الفتح لهذه البلاد وغير ذلك كثير ينطبق عليهم قول الله عز وجل ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) الأنعام 68 - 69. فلم يأمر جلَّ وعلا باعتزال مجالسهم مطلقًا بل وقت الخوض فقط وإذا نسي يقوم عندما يتذكر وإذا منعه شيء أن يقوم عندما يتذكر فليس عليه شيء من حسابهم ولكن الأحسن أن يقوم لتحصيل كمال التقوي والمعنى واضح جدًا.
وكذلك في قول الله عز وجل ( إِن نَّعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ) التوبة66. المعفو عنه رجل واحد ( هو مخشي بن حمير ) جاز أن يسمى طائفة لاختلاف موقفه عنهم أحجم عن أن ينكر بلسانه خوفًا من تطاولهم عليه وأنكر بقلبه ولم يعتزل مسيرهم فكان جرمه غير جرمهم، وكذلك قالوا عن الذين لم ينكروا على أصحاب السبت أن الربَّ سبحانه أغفلَ ذكرهم وذكر من أنكر بالخير إشادة بهم وسكت عن هؤلاء الذين سكتوا عن الإنكار ولكنهم أنكروا بقلوبهم فلم يشاركوا من احتال على الشرع في جرمهم ولم يأخذوا حكمهم ولم يهلكوا معهم وهم في محل العفو أو المؤاخذة ولكن دون جرم الكفر بالاحتيال على الشرع مثل أصحاب السبت.
أما قول الله عز وجل : ( إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ) النساء 140 , فهذا مناط معين كثَّر فيه المنافقون سواد الطاعنين في دين الله ترويجًا لباطلهم ابتغاءً للعزة عندهم وهم بهذا الفعل كفَّار في الدرك الأسفل من النَّار.
أما الأرض الواحدة فقد تشمل دارين بالمعنى الاعتباري كوجود المسلمين مع اليهود في المدينة في وقت ما ودخولهم معهم في عهود.
وكل ما جاء في الأحاديث «إذا لم تزل المنكر فزل عنه» ، «ولا تري مشركًا إلا وأنت له حرب»، «ولا يتراءى ناراهما»، «ومن جامع المشرك وسكن معه فهو مثله». إلى آخر هذه النصوص.
فهو أولاً: في حالة التمكين وليس الاستضعاف أو البقاء للدعوة.
ثانيـًا: المعنى: المباينة وترك الولاء واتخاذ الوليجة والبطانة لا مجرد المشاركة في أرض واحدة في استضعاف أو في تمكين وعدم حدوث المزايلة للمنكر لا يقتضي الكفر وعدم مباينة الكافرين لا يقتضي الكفر بالضرورة ولكن لكل حالة ظروفها ويرجع إلى القواعد التي بيَّناها
سابعا : التكفير بالعموم
قالوا: الكفر يثبت بالتبعية للدار كما يثبت الإسلام بالتبعية للدار، والدار دار كفر فيكون كل الناس كفارًا كفرًا أصليًا إلا من علمنا إسلامه.
والمسلم في دار الكفر ـ حتى دار الكفر الأصلي أو الردة عن أصل الدين أو إلى بدعة مكفرة فضلا عن الردة عن الشرائع ـ لا يثبت كفره بالتبعية للدار ما لم تتغير تبعيته هو واقرؤوا كل كتب السير من أولها لآخرها لا تجدوا غير ذلك فمن أين لكم هذا الفقه العجيب ؟!!!
وقد مرَّ اجتهاد العلماء في أحكام الديار في دور الردة عن الشرائع وعلمنا أنه إذا لم تتغير التبعية بكون الكفر ثبت بالاسم الظاهر بحيث يغني الاسم عن المسمى ويكون التميز قد وقع بالفسطاطات أو بالانتساب وبكون الطائفة قادرة على توريث أبنائها ما هى عليه، ويكون أمر التابع كأمر المتبوع.
فيكون حكم الدار لها صفة دار الكفر وحكم دار الإسلام، ويثبت بذلك إسلام الوليد واللقيط والمجنون ومجهول الحال بتبعية الوالدين أو أفضلهما دينًا أو الدار. ومعروف أن الناس أخلاط شتى ومواقف متباينة بخصوص الردة عن الشرائع «فمن أنكر فقد سلم ومن كره فقد برئ ولكن من رضى وتابع» ومن التبس عليه الأمر في بعض الأمور مع عدم رغبة عن شرع الله إلى غيره أو عدله به أو رغبته عن ولاية الإسلام إلى غيرها أو عدلها بها عرَّفناه، ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة
وقال الإرجاء : هذا تكفير للناس بالعموم. ونقول: القول بهذا افتراء للكذب على أهل الحق لنصرة التلبيس والإرجاء والبدعة والتفريط وكتمان الحق وتضليل الناس. وقد قلنا بملء الفم أنه لا تكفير بالعموم في مجتمعات المسلمين في ديارهم التي عليها أحكام الكفر، لأن التكفير بالعموم لا يأتي إلا بعد أن تتغير التبعية، وهذه المجتمعات لم تتغير تبعيتها بعلو أحكام الكفر على الديار للأسباب الآتية:
1- أمر التابع غير أمر المتبوع.
2- الذين دخلوا في ظاهرة الشرك منهم لم يتحيزوا أو يتميزوا عن غيرهم تميز الفسطاط أو تميز انتساب، والذين نجوا من ظاهرة الشرك منهم لم يتميزوا أو يتحيزوا عنهم أو باينوهم، فالناس أخلاطٌ شتي غير متمايزة أو متباينة.
3- الذين دخلوا في ظاهرة الشرك منهم غير قادرين على توريث أبنائهم ما هم عليه كنِحلة أو دين.
4- أمر الناس لا يتبين إلا بالوقوف على المقاصد والاطلاع على البواطن «من كَرِهَ فقد برئ ومَنْ أنكَرَ فقد سَلِمَ ولكن مَنْ رَضِى وتابع» ومن ثم لا يثبت الكفر بالاسم الظاهر أو الشارة الظاهرة بحيث يغني الاسم عن معرفة المسمي، كما نقول بهائي أو درزي أو نصيري أو قدياني أو بهرة أو باطني أو نصراني أو يهودي. هل تحتاج حينئذ أن تسأل هل كره فبرئ أم رضى وتابع فهلك ؟؟ ولكن عندما تقول مصري أو سوري أو عراقي تحتاج أن تسأل لتعرف حقيقة موقفه من علو أحكام الكفر على بلاده وهذا هو الفرق .
وهذه الأربعة هى التي يتحدد بها بقاء تبعية الإسلام أو تغير التبعية، وبالعكس فالتبعية تتغير إلى كفر أصلي بأربعة الأمور وهى:
1- تميز الانتساب أو تميز الفسطاط.
2- ثبوت وصف الكفر بالاسم الظاهر أو الشارة الظاهرة دون حاجة إلى اطلاع على البواطن والمقاصد.
3- أن يكونوا قادرين على توريث أبنائهم ماهم عليه.
4- أن يكون أمر التابع كأمر المتبوع.
وهذا لم يحدث في هذه المجتمعات ومن ثَمَّ فتبعية الإسلام باقية ومن ثَمَّ فإننا نثبت حكم الإسلام للوليد بتبعية أبويه أو أفضلهما دينًا، وللقيط بتبعية الدار، كما يثبت حكم الإسلام للمجنون ومجهول الحال. وهذا لا ينفي إثبات ظواهر الشرك في الحكم والولاء والنسك وفساد الاعتقادات وتفشي هذه الظواهر، ولا ينفي كون الناس أخلاطًا شتى، ولا ينفي الاستبراء للدين والعرض في هذه الظروف، وثبوت هذه الظواهر لا يلزم منه التعيين، وعدم القدرة على التعيين لا تنفي ثبوت الظاهرة.
ومن هنا قال الفقهاء عن حكم هذا الواقع عندما نَشأ في عدن والهند وماردين منذ أكثر من قرنين من الزمان قالوا عن هذه الديار: لها صفة دار الكفر وحكم دار الإسلام. حكم دار الإسلام لبقاء التبعية الإسلامية، وصفة دار الكفر لعلو أحكام الكفر على الديار. وصفة دار الكفر للدار تستلزم إسقاط شرعية الأنظمة التي فصلت الدين عن الدولة، وقيام شرعية بديلة تتمثل في جماعات العلماء، واعطائها شرعية قتال، ووجوب الاسترداد للدار لوصف الردة الطارئ، ولو تحولت لحكم الكفر الأصلي لسقط حق الاسترداد للدار مع التقادم. وبقول هؤلاء العلماء نقول في مثل الواقع الذي قالوا فيه.
وقد يكون التكفير بالعموم من سلسلة من لم يكفر الكافر فهو كافر أو من لم يكفر بالطاغوت فهو كافر ويفسر الكفر بالطاغوت بمعنى تكفيره فيعود لسلسلة التكفير أو البراءة من المشركين كفر ويفسر البراءة منهم بمعنى تكفيرهم أو الهجرة عنهم فيعود لسلسلة التكفير أو يقول من لم يلتزم مثلي أو في جماعتي فهو كافر فيرجع مرة أخرى لسلسلة التكفير...
وإنما الكفر بالطاغوت والبراءة من المشركين وتكفير الكافر والالتزام بجماعة المسلمين أن يكون الشخص مسلما حقيقة عند الله يعني ترك الشرك والكفر الأكبر وعدم الوقوع في نواقض الإسلام والإيمان والتوحيد
هذه ضوابط الحكم التي نلتزم بها. أما بيان حقائق الشرع وإبلاغها للناس فلأمرين آخرين وهما:
• ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة، للقيام بواجب البلاغ وإنجاء الناس من الشرك والهلاك وذلك لمصلحتهم من جهتين:
الأولى: النجاة في الآخرة.
الثانية :التمكين في الدنيا.
• الأمر الآخر: وهو تصحيح المفاهيم ورفع الالتباس للأمانة العلمية لبقاء علم ينتفع به إلى يوم القيامة.
يتبع