العلاقة بين الحاكم والمحكوم
ويحكمها آيتان كما قال ابن تيمية في السياسة الشرعية - (ص 3)
قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا }{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } (سورة النساء : الآيتان 58 ، 59) . قال العلماء : نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور ؛ عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل ، ونزلت الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم ، عليهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك ؛ إلا أن يأمروا بمعصية الله ، فإذا أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن لم تفعل ولاة الأمر ذلك ، أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة الله ورسوله ، لأن ذلك من طاعة الله ورسوله ، وأديت حقوقهم إليهم كما أمر الله ورسوله ، قال تعالى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } ، (سورة المائدة : من الآية 2) . وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها ، والحكم بالعدل : فهذان جماع السياسة العادلة ، والولاية الصالحة ) أ.هـ
أولا : في مجال المال
للحاكم أخذ ما يسد حاجته من بيت المال
قال ابن تيمية في السياسة الشرعية - (1 / 25)
( وليس لولاة الأمور أن يقسموها بحسب أهوائهم ، كما يقسم المالك ملكه ، فإنما هم أمناء ونواب ووكلاء ، ليسوا ملاكاً ؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إني -والله- لا أعطي أحدا ، ولا أمنع أحداً ؛ وإنما أنا قاسم أضع حيث أمرت » . رواه البخاري وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- نحوه . فهذا رسول رب العالمين قد أخبر أنه ليس المنع والعطاء بإرادته واختياره ، كما يفعل ذلك المالك الذي أبيح له التصرف في ماله ، وكما يفعل ذلك الملوك الذين يعطون من أحبوا ويمنعون من أبغضوا ، وإنما هو عبد الله ، يقسم المال بأمره ، فيضعه حيث أمره الله تعالى . وهكذا قال رجل لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين ، لو وسعت على نفسك في النفقة من مال الله تعالى ، فقال له عمر : أتدري ما مثلي ومثل هؤلاء ؟ كمثل قوم كانوا في سفر ، فجمعوا منهم مالاً ، وسلموه إلى واحد ينفقه عليهم ، فهل يحل لذلك الرجل أن يستأثر عنهم من أموالهم ؟ وحُمل مرة إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مال عظيم من الخمس : فقال : إن قوما أدوا الأمانة في هذا لأمناء . فقال له بعض الحاضرين : إنك أديت الأمانة إلى الله تعالى ، فأدوا إليك الأمانة ، ولو رتعت لرتعوا .
وينبغي أن يعرف أن أولي الأمر كالسوق ، ما نفق فيه جلب إليه ، هكذا قال عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- فإن نفق فيه الصدق والبر والعدل والأمانة ، جلب إليه ذلك ، وإن نفق فيه الكذب والفجور والجور والخيانة ، جلب إليه ذلك . والذي على ولي الأمر ، أن يأخذ المال من حله ، ويضعه في حقه ، ولا يمنعه من مستحقه ، وكان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إذا بلغه أن بعض نوابه ظلم ، يقول : اللهم إني لم آمرهم أن يظلموا خلقك ، ولا أن يتركوا حقك .) أ.هـ
وقد قال عمر رضي الله عنه : ليس لي في هذا المال حق إلا حُلة في الصيف وحُلة في الشتاء ثم أنا كغيري من المسلمين . وفي توزيع المال يكون بالأسوة والمواساة والمساواة في الحقوق بدون أثرة أو محاباة
ثانيا : في مجال السلطة
يوجد ثمانية أحوال أو مناطات تحدد العلاقة بين المحكوم والحاكم هي
( الصبر – الكره والإنكار والاعتزال الجزئي – الاعتزال الكامل – الجهاد – اسقاط شرعية الحاكم والحراك الشعبي للتغيير – تغيير المنكر باليد أو الأخذ على يديه لكف أذاه – القتال الجزئي دون مظلمته – القتال العام للأئمة المضلين ) وسنتناولها واحد تلو الآخر :-
المناط الأول : الصبر
وهذا يكون في مرحلة النبوة ثم الخلافة الراشدة ثم الخير وفيه دخن وهي مراحل السنة : السنة المحضة وسنة أهل الاتباع والسنة العامة آخر مناط الصبر في مرحلة السنة العامة ( خير وفيه دخن )
في الحديث عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ ) متفق عليه
وفي رواية عند البخاري عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ حَقٌّ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالْمَعْصِيَةِ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ ، وَلاَ طَاعَةَ. )
وروى البخاري حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا وَلَمْ تَسْتَعْمِلْنِي ؟ قَالَ ( إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي )
وفي صحيح مسلم عن جنادة بن أبي أمية قال دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض فقلنا حدثنا أصلحك الله بحديث ينفع الله به سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : دعانا رسول الله صلى الله عليه و سلم فبايعناه فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله قال ( إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ) في الشرح
( إلا أن تروا كفرا بواحا ) أي جهارا من باح بالشيء يبوح إذا أعلنه
( عندكم من الله فيه برهان ) أي حجة تعلمونها من دين الله تعالى وتقيموا البينة .
وفي رواية عند ابن زنجويه عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " يَا عُبَادَةُ، اسْمَعْ وَأَطِعْ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَكْرَهِكَ وَمَنْشَطِكَ ، وَأَثَرَةٍ عَلَى نَفْسِكَ، وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ، وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْصِيَةٌ بَوَاحًا. و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا تُحِبُّونَ، فَإِذَا كَرِهْتُمْ أَمْرًا تَرَكْتُمُوهُ، وَلَكِنَّ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ، فِيمَا كَرِهْتُمْ وَأَحْبَبْتُمْ، فَالسَّامِعُ الْمُطِيعُ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، وَالسَّامِعُ الْعَاصِي لَا حَجَّةَ لَهُ.
وعند أحمد عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ ، وَلاَ تُنَازِعِ الأَمْرَ أَهْلَهُ ، وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّ لَكَ. مَا لَمْ يَأْمُرُوكَ بِإِثْمٍ بَوَاحًا.)
وفي مصنف ابن أبي شيبة - (11 / 139)
31331- حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ ، قَالَ : خَطَبَنَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ : إنَّا قَدِ اُبْتُلِينَا بِمَا قَدْ تَرَوْنَ ، فَمَا أَمَرْنَاكُمْ بِأَمْرٍ لِلَّهِ فِيهِ طَاعَةٌ فَلَنَا عَلَيْكُمْ فِيهِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ ، وَمَا أَمَرْنَاكُمْ بِأَمْرٍ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ طَاعَةٌ فَلَيْسَ لَنَا عَلَيْكُمْ فِيهِ طَاعَةٌ ، وَلاَ نِعْمَةُ عَيْنٍ.
وفي مصنف عبد الرزاق - (11 / 331)
20686 - أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن منصور عن مجاهد عن جنادة بن أبي أمية أن عبادة بن الصامت قال له ادن حتى أخبرك بما لك وما عليك إن عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومكرهك ومنشطك والأثرة عليك وألا تنازع الأمر أهله إلا أن تؤمر بمعصية الله براحا فإن أمرت بخلاف ما في كتاب الله فاتبع كتاب الله )
وعند البيهقي :
2502 - وروينا في ، حديث ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر ، فإنه ليس من أحد يفارق الجماعة قيد شبر فيموت إلا مات ميتة جاهلية "
2500 حدثنا شعبة ، حدثنا يحيى بن حصين الأحمسي ، قال : أخبرتني جدتي واسمها أم حصين الأحمسية ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن استعمل عليكم عبد حبشي ، ما قادكم بكتاب الله عز وجل ، فاسمعوا له وأطيعوا "
وفي السنة لابن أبي عاصم (2 / 496)
1035- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَكْرَهِ وَالْمَنْشَطِ وَالْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالأَثَرَةِ عَلَيْنَا وَأَنْ نُقِيمَ أَلْسِنَتَنَا بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا ، وَلاَ نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ )
والصبر في المنشط والمكره أمر تكرهه النفس أو أثرة خفيفة , فالخليفة الراشد أو الحاكم المسلم أقام عليك حدا تصبر لأنك تستحقه
( وأنك لا تصبر على جور لكن تصبر على حق لكنه مؤلم للنفس)( ابن حزم ) فالنفس أمارة بالسوء ولها نفرة عن الحق فيجب أن يُخضِع المؤمن نفسه للحق
في السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون - (3 / 306)
( أسلم جبلة بن الأيهم ولما دخل على عمر رضي الله تعالى عنه رحب به وأدنى مجلسه وأقام بالمدينة مكرما فخرج عمر رضي الله تعالى عنه حاجا فخرج معه وحين تطوّف بالبيت وطىء رجل من فزارة إزاره فانحل فلطم الفزاري لطمة هشم بها أنفه وكسر ثناياه أي (ويقال فقأ عينه ) فشكا الفزاري ذلك إلى عمر رضي الله عنه فاستدعاه وقال له لم هشمت أنفه ( أو قال لم فقأت عينه ) ؟ فقال يا أمير المؤمنين تعمد حل إزراي ولولا حرمة البيت لضربت عنقه بالسيف فقال له عمر أما أنت فقد أقررت إما أن ترضيه وإلا أقدته منك - وفي رواية وحكم إما بالعفو أو بالقصاص فقال جبلة فتصنع بي ماذا ؟! قال مثل ما صنعت به - وفي رواية أتقتص له مني سواء وأنا ملك وهذا سوقي ؟! فقال له عمر رضي الله تعالى عنه الإسلام سوى بينكما ولا فضل لك عليه إلا بالتقوى فقال :إن كنت أنا وهذا الرجل سواء في الدين فأنا اتنصر فإني كنت أظن يا أمير المؤمنين أني أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية فقال له عمر رضي الله تعالى عنه إذا أضرب عنقك فقال فأمهلني الليلة حتى أنظر في أمري ؟ قال ذلك إلى خصمك , فقال الرجل أمهلته يا أمير المؤمنين فأذن له رضي الله تعالى عنه في الانصراف ثم ركب في بني عمه وهرب إلى القسطنطينية أي فدخل على هرقل وتنصر هناك ومات على ذلك- وقيل ندم ندما شديدا ثم قال ( يا ليت أمي لم تلدني وليتني سمعت بالقول الذي قد قال لي عمر ) - وقيل عاد إلى الإسلام ومات مسلما) أ.هـ فهذا الرجل تأبى على القصاص الواجب شرعا لأنه ملك وقال كيف يأخذ أحد السوقة القصاص من ملك من غسان ؟ وقال أترون أني جاعل وجهي ندا لوجهه بئس الدين هذا ! فحمله هذا على ترك الإسلام فتنصر !! كان يجب أن يصبر على ما تكره نفسه ويطيع هذا الحق لله في المنشط والمكره يطيع على كره
( وعلى أثرة علينا ) كما آثر الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم في العطاء ووكل غيرهم إلى إيمانهم فوجب عليهم الصبر على ذلك
وفي حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأعطي رجالاً حدثاء عهد بكفر أتألفهم أو قال: أستألفهم "
وفي الديباج على مسلم - (1 / 168)
(68) باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه والنهى عن القطع بالإيمان من غير دليل قاطع ...عن سعد ابن أبي وقاص قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما فقلت يا رسول الله ! أعط فلانا فإنه مؤمن فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أو مسلم) أقولها ثلاثا ويرددها علي ثلاثا (أو مسلم) ثم قال (أنى لأعطى الرجل وغيره أحب إلى منه مخافة أن يكبه الله في النار)
وفي رواية ابن اسحاق " قال سعد بن أبي وقاص: يا رسول الله، أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة، وتركت جعيل بن سراقة الضمري!. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما والذي نفسي بيده، لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلها مثل عيينة والأقرع، ولكني تألفتهما ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه "
وفي رواية عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "كيف ترى جعيلا ؟" قلت: مسكينا كشكله من الناس. قال: "وكيف ترى فلانا؟"
قلت: سيد من السادات قال: "لجعيل خير من ملء الأرض مثل هذا".
قال: قلت يا رسول الله، فلان هكذا وتصنع به ما تصنع.
قال: "إنه رأس قومه فأتألفهم". إسناده صحيح
وفي إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام - (1 / 263)
6 - عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: لما أفاء الله على رسوله يوم حنين قسم في الناس وفي المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئا فكأنهم وجدوا في أنفسهم إذ لم يصبهم ما أصاب الناس فخطبهم فقال: "يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي ؟", كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن قال: "ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله ؟", قالوا: الله ورسوله أمَنَّ قال: "لو شئتم لقلتم جئتنا كذا وكذا ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرأ ً من الأنصار ولو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها الأنصار شعار والناس دثار إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض"
وفي إكمال المعلم شرح صحيح مسلم - للقاضي عياض - (3 / 313)
أفَلا تَرْضَوْنَ أنْ يَذهبَ الناسُ بِالأمْوَالِ ، وَتَرْجعُونَ إٍ لى رَحَالِكُمْ بِرَسُولِ الله ؟ فَوَ الله لمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ) .
فَقَالوا : بَلى ، يَا رسُولَ الله قَدْ رَضينَا .
قَالً : (فَإِنكُمْ سَتَجِدُونَ أُثَرَةً شَدِيدةً ، فَاصْبِرُوا حَتَى تَلقَوُا اللهَ وَرَسُولهُ ، فَإِنًى عَلىَ الحَوْضِ) .
وفي رواية قَالَ أنَسٌ : " قَالوا : نَصْبِرُ .
قال في الشرح وقوله : (الأنصار شعار والناس دثار) : الشعار : الثوب الذى يلى الجسد ، والدثار : الثوب الذى يلى الشعار ، فمعناه : الأنصار هم الخاصة والبطانة .
وفي المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (9 / 71)
وَفِي رِوَايَةٍ : جَمَعَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأَنْصَارَ فَقَالَ : (( أَفِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ ؟ )) فَقَالُوا : لا إِلا ابْنُ أُخْتٍ لَنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( إِنَّ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ )) ، فَقَالَ : (( إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلَى بُيُوتِكُمْ ؟ لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَ الأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ )).
وفي بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار - (2 / 351)
2057- عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُسْأَلُ شَيْئًا عَلَى الْإِسْلَامِ إلَّا أَعْطَاهُ ، قَالَ : فَأَتَاهُ رَجُلٌ سَأَلَهُ ، فَأَمَرَ لَهُ بِشَاءٍ كَثِيرٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ مَنْ شَاءِ الصَّدَقَةِ ، قَالَ : فَرَجَعَ إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ : يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ . رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
2058- وَعَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمَالٍ أَوْ سَبْيٍ فَقَسَمَهُ ، فَأَعْطَى رِجَالًا وَتَرَكَ رِجَالًا ، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : « أَمَّا بَعْدُ فَوَاَللَّهِ إنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ ، وَأَدَعُ الرَّجُلَ ، وَاَلَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الَّذِي أُعْطِي ، وَلَكِنِّي أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إلَى مَا جُعِلَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْغِنَى وَالْخَيْرِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ » . فَوَاَللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ حُمْرَ النَّعَمِ . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ .
وفي شرح عمدة الأحكام ـ ابن جبرين - (28 / 17)
( والمؤلفة قلوبهم هم الذين أسلموا لأجل الدنيا، فيعطون من الزكاة ويعطون من الغنيمة حتى يقوى بذلك إيمانهم، إما أن يكونوا ضعاف الإيمان فإذا أعطوا من المال رغبوا في الإسلام، فإذا جمعت زكوات أقوامهم وجبيت فيعطون منها، ليقوى إيمانهم، وإما أن يسلم نظراؤهم من الأكابر والأمراء والقادة والسادة، فإذا أعطوا أسلم ذلك الأمير وأسلم ذلك الثاني والثالث رغبة في العطاء وفي المال، وإما أن يعطوا لكف شرهم إذا كان يخشى منهم الانقلابات والشرور ويخشى منهم الفتك بالإسلام وبالمسلمين، فيعطون من زكاة المال أو من بيت المال أو نحو ذلك ما يكف شرهم، فهؤلاء هم المؤلفة. ) أ.هـ
السيرة النبوية لابن إسحاق - (1 / 101)
حدثنا يونس عن عنبسة بن الأزهر عن سعيد بن مسروق قال: كلم عدي بن حاتم عمر في شيء، فقال له عدي: يا أمير المؤمنين ألا تعرفني؟ قال عمر بلى آمنت إذ كفروا، وصدقت إذ كذبوا، فأعطيت إذ منعوا. ) أ.هـ
مختصر تاريخ دمشق - (5 / 251)
( وعن عدي بن حاتم قال: أتيت عمر بن الخطاب في أناس من قومي، فجعل يفرض للرجل من طيئ في ألفين ويعرض عني، قال: فاستقبلته فأعرض عني، ثم أتيته من حيال وجهه فأعرض عني، فقلت: يا أمير المؤمنين، أتعرفني؟ قال: فضحك حتى استلقى لقفاه، ثم قال: نعم والله إني لأعرفك، آمنت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وإن أول صدقة بيضت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة طيئ، جئت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ يعتذر ثم قال: إنما فرضت لقوم أجحفت بهم الفاقة وهم سادة عشائرهم لما ينوبهم من الحقوق. ) أ.هـ
هنا الأثرة لها سبب إيماني فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يحمي الأمة بتألف قلوب بعض الناس لأن فيهم حمقى لو غضب لغضب له ألف سيف وقال عن بعضهم ( أحمق مطاع ) كالأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وغيرهم فيريد أن يكف شرورهم ويكف الدماء عن المسلمين ويكف عن المسلمين أذى العرب ويتألفهم حتى لا تكون حروب وسفك دماء ودمار وخراب وحتى لا يتحمل المسلمون المشاق ويفنوا في الحروب وتأكلهم الحروب فيلغي كل هذا الفساد بتأليف القلوب فجعل لهم سهم في الصدقة وأعطاهم من الفيء أيضا وقد يكون تأليفا لقلوب قومهم عليهم وهم سادة عشائرهم وبيوتهم مفتوحة وموائدهم مفروشة ولهم كلمة مسموعة في قومهم وعليهم حقوق الضيافة وغيرها وليس عندهم مال يكفي ذلك فيعطون لأجل ذلك حتى لا يقعوا في حرج وهم مرضيين وأشراف في قومهم كما أعطى سيدنا عمر رضي الله عنه لعدي بن حاتم وأشراف قبائل طيئ لأنهم كعادة العرب الآن أيضا فيعطون للخلة التي طرأت عليهم ليس إيثارا لهم ولكن لتأليف القلوب حولهم للدخول في الإسلام وتقويته فالذي لم يعط عليه أن يصبر ولو رأى أن له أن يأخذ فيصبر على هذه الأثرة لأنها حق لله فالنفس قد تجد غضاضة عندما يتقدم في العلم من ليس له نسب مثلا فلا تريد أن تسمع الحق منه فيجب أن تصبر على هذه الأثرة وفي المنشط والمكره فآخر حدود الصبر السنة العامة ( خير وفيه دخن والخير هو الشريعة الحاكمة والدخن بعض البغي والجور دون الكفر) عندما تكون الشريعة مقامة والدين هو الذي يحكم وليس القانون الوضعي فهنا لا يجب الصبر بل يحتاج موقف آخر غير الصبر كما سنذكره إن شاء اللهّ
يـــــتـبـــــع
[center]