الرواية الثانية : الحمار المدخن
كان عبدالهادى زرزوره خفير الوحدة الصحية التى أعمل بها يقطع مسافة كبيرة ماشيا على قدميه من منزله الى نقطة الشرطة ومنها الى الوحدة الصحية حيث يحضر اليها يوميا عند غروب الشمس ,ويغادرها فى الصباح,وكان عبد الهادي رجلا خفيف الظل طيب القلب يؤدى عمله باتقان و اخلاص ,فلم يتغيب عن عمله قط ,وكان يلازم ويتابع أى قادم الى الوحدة ليلا منذ دخوله الوحدة وحتى خروجه منها .
وذات يوم حضر عبد الهادى الى الوحدة مبكرا عن موعده ودخل حجرة الاستقبال ,وقال لى :(مش انا اشتريت عربية ! ,بص كده سيادتك على الحوش جنب السور) .., وكنت قد انتهيت لتوى من فحص المرضى , فخرجت من باب الحجرة ووجدت جحشا صغيرا يقف فى هدوء بجوار سور الفناء , وباركت لعبد الهادى على هذا الانجاز.. وأشعلت سيجارة واتجهت الى سكن الطبيب, بينما توجه عبد الهادى الى حجرة البوابة بمدخل الوحدة ... و فجأة اندفع الحمار الصغير نحوى وأخذ يطاردنى وأنا اجرى أمامه دون أن أدرى سببا لهذا الهجوم غير المبرر.. وتمكنت فى سرعة أحسد عليها من الوصول الى سلم السكن وأغلقت باب السلم فحال بينى وبين الحمار... التقطت أنفاسى وناديت عبد الهادى من فوق السلم وقلت له : (حوش يا عم الحمار الاهبل بتاعك بيجرى ورايا عايز يعضنى) فصمت عبد الهادي برهة ، وأمسك بذقنه وهو يفكر ثم قال : ( طاب ارمى السيجارة اللى فى ايدك كده على الارض بره السلم يابيه ).. رميت السيجارة دون تفكير أو استفسار فإذا بالحمار يترك مدخل سلم السكن ويندفع نحو السيجارة المشتعلة على الأرض ويستنشق الدخان الصادر منهابنهم ,.. فقال عبد الهادى : (هو البخت محصل اصحابه حتى فى شرا الجحش اللى انا فرحان بيه , يطلع كييف دخان ياربى !!.. أنا اعرف انه فيه جمال بتشرب سجاير , أول مرة أشوف جحش بيدخن !!.. ياخسارة , حارجعه لصاحبه ) .. وفى اليوم التـــــــالي حضر عبد الهادى الى الوحدة مترجلا ,بدون الجحش ,وبادرنى بالتحية ثم قال وهو ينظر الى الأرض :
( خلاص رجعته لصاحبه كان جحش حلو ياخسارته فى التدخين ) .؟ !