إذن لم يكن المقصود من القبض على المرحوم أحمد عثمان ردعه بسبب جريمة ارتكبها أو يخشي منه أن يرتكبها وانما لتخويف عبد الرزاق وجعله يجري وكذلك كنا نجري معه .
يحمل الفعل طرأ معني ( المؤقت غير المتوقع ) فهو طارئ أي جاء على غير انتظار ثم ينتهي بعد مدة بسيطة ، وجميعنا تمر به ظروف طارئة من الإفلاس مثلا ( معاي أنا مزمنة ) أو الحب او المرض ثم سرعان ما ينتهي الظرف الطارئ وتعود الحياة سيرتها الأولي وفي فترة الحدث الطارئ كالوفاة مثلا ينتاب الإنسان مشاعر طارئة بالحزن ثم تتبدد وفي الزواج ينتاب الإنسان حاجة طارئة إلي المال تجعله يلجأ الي تصرف استثنائي وهو الإستدانة وفي أثناء الطوارئ يتصرف الشخص تصرفات استثنائية فعندما يحترق المنزل يقفز الناس من النوافذ وفي كل طائرة شباك للطوارئ لم افكر ابدا أحدنا كيف يستعمله ( وايه الفايدة من استعماله فوق السحاب ) ، وفي الدول تجتاحها الكوارث كالفيضانات والزلازل والبراكين تحدث حالة من الحركة غير المنتظمة بين السكان تؤدي الي اختلاطهم في اماكن غير معدة ويكون ذلك مدعاه لضعاف النفوس إلي ارتكاب جرائم لم يكونوا ليجرؤا على ارتكابها لولا الظرف الدقيق كالسرقة الوبائية ( اعمال السلب والنهب ) وقد يصبح عدد المجرمين أكبر حتي من عدد أفراد الشرطة .
- الأصل أن قانون الإجراءات الجنائية ينظم مسألة توجيه التهم والإستيقاف والقبض والتفتيش الشخصي وتفتيش الأماكن وكما قال لي عبد الرزاق أن ضابط المباحث الذي لا يملك أمرا بالظبط والإحضار من النيابة لا يستطيع القبض عليه إلا إذا كان متلبسا بجريمة ما ورغم أن عبد الرزاق لم يكن متلبسا بجريمة حين ( زمرت عربية السرسة ) إلا أنه آثر السلامة وانطلق مهرولا تاركا قواعد قانون الإجراءات الجنائية لي كي أدرسها كيفما أشاء ووقتما أشاء أما هو فقد اختار لنفسه ( طيارة العصاروة ) وهى ولا شك خير من سجن طنطا العمومي . أما أنا فقد استعدت ذكرياتي مع القانون بعد أن جري عبد الرزاق وفشلت في اقناعه بالعودة وبعد ثوان معدودة سمعنا صوت الموتور البنزين وهو ما يؤكد وجود البوكس في الطريق فقد انطلقنا بسرعة ( للحق لا تصل الي نفس سرعة عبد الرزاق ) إلي البيوت حتي يمر البوكس ( فسلومة الأقرع ما يعرفش ابوه ) .
- وفي الظروف الطارئة لا تكفي قواعد قانون الإجراءات الجنائية لتحقيق الأمن كما أن الطرق لا تكفي لمرور السيارات والطعام لا يكفي حاجة السكان والمستشفيات لا تكفي المرضي فيلجأ الأطباء إلي نصب الخيام لإجراء الجراحات في المستشفيات الميدانية ، ففي الفترة التي يذهب فيها الضابط الي وكيل النيابة ليحصل منه على امر بالقبض يكون المجرم قد اختفي في الزحام ووكيل النيابة لن يعط الأمر إلا بعد أن يفهم ( ايه الموضوع ) والموضوع يستلزم تحريات جادة موقعة من الشخص الذي قام بها وهى كلها امور مستحيلة في الظروف الطارئة ولو تم اتباع تلك الإجراءات بحذافيرها لما تم ضبط مجرم واحد وهو ما يؤدي إلي إفلات المجرمين من العقاب فيكون ذلك تشجيعا لغيرهم أن يلجوا طريق الإجرام السهل لتحقيق منافع ربما هم أحوج ما يكونوا إليها هم والأخرون فتنتشر الفوضي التي تزيد من الظرف الطارئ سوءا ، لذا لزم أن تكون هناك آلية في وقت معين لوقف حالة الفوضي أو لإنقاذ الأرواح والممتلكات وهو ما يحققه قانون الطوارئ الذي يعطي الشرطة الميدانية في موقع الحدث أن تقوم بالقبض والتفتيش والإستيقاف دونما إذن مسبق من النيابة لمن تعلم انه ارتكب جريمة أو على وشك ان يرتكبها وفي جميع الحالات لا تكون العقوبة الا بحكم قضائي يصدر من قضاء مستقل فالحالة الطارئة هى حالة التعامل الميداني وعندما تمتد الطوارئ إلي محاكم الطوارئ فاعلم ان الموضوع ليس موضوع طوارئ لأن الطوارئ ميدانية أما البراءة والإدانة فقد تلت الحدث ولم تعاصره ، فالمحكمة تقر الضابط على قيامه بالقبض والتفتيش في الميدان وهو تصرف صادر طبقا لقانون الطوارئ الذي هو حينئذ قانون سار ومعمول به ومطبقة أحكامه كاملة ويصبح تصرف الشرطة بالقبض والتفتيش منتجا لأثره القانوني بذاته دون أن يحتاج الي إذن من النيابة ولا أمر من القضاء وتحكم المحكمة بالإدانة طبقا للفعل الإجرامي الذي ادي الي القبض أو الي التفتيش كحيازة المخدرات او السلاح بدون ترخيص إو اخفاء اشياء متحصلة من جريمة سرقة أو ضبط المتهمين بالزنا دون شكوي الزوج المجني عليه .
- ولابد من أن يوافق البرلمان الذي يفترض انه غير قادر على الإنعقاد على فرض حالة الطوارئ في أول فرصة تنعقد فيها جلساته أو خلال أجل معلوم ولو تجمع أعضاؤه في دار للمناسبات أو استاد للكرة أو في مخبأ سري تحت الأرض المهم انهم يوافقون على فرض حالة الطوارئ التي فرضتها السلطة التنفيذية وذلك منعا لتعسفها في فرض حالة الطوارئ دونما مسوغ واقعي أو ظرف استثنائي أو حدث جليل .
- وعندما تنتهي حالة الطوارئ تعود أحكام الإجراءات القانونية الي التطبيق فلا يجوز القبض على شخص ولا تفتيشه ( في غير حالة التلبس ) ولا التنصت على اتصالاته الشخصية ولا التعرض لحياته الخاصة إلا بإذن كتابي من النيابة تصدره بناء على تحريات جادة من الجهة الامنية المختصة والنيابة لا تعط الإذن إلا بعد أن تكون عقيدة عن شبهة أكيدة فتحريات مباحث الآداب لا تؤدي الي اصدار الإذن بالقبض والتفتيش بسبب حيازة السلاح إلا إذا كانت حيازة السلاح قد وردت معلومات عنها خلال عمل التحري عن شبكات الدعارة فالتحريات الجادة تجريها الجهة المختصة بها .
وللطوارئ في حياة الشعوب ذكريات يرويها الأجداد للأحفاد فيقال مثلا أنه اثناء الفيضان الذي غمر البلاد منذ ثلاثين عاما أعلنت الأحكام العرفية لمدة شهر حتي جفت اودية الماء وعقب حريق ( صروة ) طبق قانون الطوارئ في القرية لحماية ما تبقى من ممتلكات لدي الافراد وذلك لمدة عشرة ايام حتي عاد المصابون من المستشفيات .
وهكذا فالطوارئ حالة موقتة تبدأ وتنتهي مع ظرف استثنائي مؤقت فلا يخلقها عمل فردي مهما كان مفزعا ولا تحركها مصالح سياسية ولا هواجس فكرية ولا حماية للسلطة والمتحوصلين فيها .
وللحديث بقية
موضوعات متعلقة
قانون الطوارئ وفلسفة التطبيق
قانون الطوارئ وفلسفة التطبيق الجزء الثالث
قانون الطوارئ وفلسفة التطبيق الجزء الرابع والأخير